منذ أيام قليلة، أعلنت القوائم الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، في دورتها الجديدة، التي شملت أدب الطفل، والمؤلف الشاب وفرع الآداب، الذي يحتفي بكل ما هو إبداعي من أدب وشعر ونقد.
هذه الجائزة التي تقدمها مؤسسة الشيخ زايد في دولة الإمارات، منذ سنوات، أخذت مكانها بين الجوائز العربية منذ البداية، حين اتخذت شعار مكافأة الإبداع، وهذا الشعار مع جودته، وتضامنه الواضح مع المؤلفين الذين يكتبون بجهد كبير وفي ظروف حياتية واقتصادية غير منصفة، ولا يحصلون في الغالب على شيء من دور النشر، إلا أنه يظل محدود الفعالية، فلا يمكن مكافأة كل الكتاب بالطبع، فالجائزة في الفرع المعني في النهاية واحدة، تذهب كل عام لمؤلفين أفراد، وهي مكافأة حقيقية إن قسناها بالمكافأة المادية، حيث يمكن أن تفيد كثيرا، ويمكن بسهولة أن تعيل كاتبا أو شاعرا محتاجا لزمن طويل، إن حصل عليها.
طبعا محدودية الاستفادة لا يقلل من أهمية الجائزة، ولا من مكانتها اللامعة بين جوائز كتابية أخرى، لمعت في السنوات الأخيرة، واشتعل التنافس من حولها، مثل البوكر العربية، وكتارا، وجائزة الطيب صالح في السودان، وحتى جائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأمريكية في مصر، وهذه بالتحديد لا تقدم مكافأة مالية كبرى، لكن تقدم مكافأة أخرى، وهي ترجمة العمل الفائز إلى اللغة الإنكليزية، وهذا بالطبع شيء مطلوب جدا، أن يفوز عمل لدينا، ويطل برأسه في لغة أخرى واسعة الانتشار كالإنكليزية، عسى أن تتم قراءته، وربما نقله للغات أوروبية أخرى، وأظن أن هذا حدث بالفعل لبعض الروايات التي فازت بهذه الجائزة. ومؤخرا قرأت عن كتاب يفوزون بجوائز لا أعرف عنها شيئا، إنها جوائز للكتابة لم تصادفني إعلاناتها من قبل، ولا أعرف حجمها، وهي كثيرة وليست قليلة، ولعل هناك صحوة ما، أو التفاتة ولو سريعة على الإبداع، لدرجة أن ترصد له جوائز بأسماء كتاب حققوا شعبية ما في زمن ما، ورحلوا تاركين وراءهم منتجا ثريا، لتأتي جوائز بأسمائهم، وتخلدهم أكثر.
وقد شاركت منذ أشهر مع عدد من زملائي، في التحكيم في الدورة الأولى لجائزة الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، وهي جائزة كبرى أرسلتها وزارة الثقافة الفلسطينية، ولفتت الأنظار من دورتها الأولى كما يبدو.
كان ثمة كم كبير من المؤلفين قدموا لها، بعضهم مرموق وبعضهم ربما يكتب لأول مرة، ولا أقول إن الكتابة كانت جيدة أو مبهرة، لكن هناك ما هو مبهر، وما هو مجرد مشاركة بلا دراية في جائزة، قد يقول من قدم لها في نفسه: عسى ولعل، ونقول معه: عسى ولعل، فقط ننبه إلى أن الكتابة الإبداعية الحقيقية هي شيء في الدم، كرية من الكريات، أو لنقل إنها مرض من الأمراض الرائعة التي تسبب الكآبة والفرح في آن، وليست كتابة تسعى لنيل جائزة. ولعل ما يزيد صعوبة التحكيم في مثل هذه الجوائز، ذلك الكم الكبير من المؤلفات، الذي يرسل للجائزة، والتزام الجائزة بقراءة كل ما يرسل حتى لو كان مجرد خواطر، ولن يتصور أحد حجم الوقت الذي يضيع في الوصول إلى كتب تصلح للتنافس.
معظم القراء ما زالوا يعتقدون أن النصوص الحقيقية هي التي تظهر في الجوائز فقط، وبالطبع هذا اعتقاد خاطئ، لكن من الصعب تغييره.
وأذكر مرة أن وجدت من بين الكتب التي أرسلت لي بوصفها روايات، خواطر باللغة العامية في ثلاثة وثلاثين صفحة، قرأتها بصدق، واستغربت ولصق اسم مرسلها في ذهني لا أدري لماذا؟ ثم كان بعد عام من ذلك، وأنا أتجول في أحد معارض الكتب العربية، أن التقيت شابا في عشرينيات العمر، حياني ببرود دون أن يمد يده، ووجه لي سؤالا حادا: لماذا لم تفز روايتي؟
سألت: ما اسمك؟
وكان هو مرسل الخواطر التي قلت إن اسم كاتبها لم يفارق ذهني، وتلك اللحظة فقط، تركت كل ما كنت أبحث عنه، أخذته إلى ركن قليل الحركة داخل المعرض، ووضحت له بتأن معنى الرواية، وكيف تكتب، وماذا يجب فعله قبل اعتبار ما ننتجه رواية نرسلها للجوائز، وكانت حوالي نصف ساعة، قضيتها معه، ولم يتعدل أي شيء، كان الشاب ما يزال حادا، وغير مقتنع بكل ما ذكرته له، وما اقترحته عليه.
أعود لقوائم الشيخ زايد، وأؤكد ملاحظتي عن موضوع التقديم للجوائز، الذي يفوق التصور، ففي فرع الآداب وحده أكثر من ستمئة وثمانين رواية وكتاب شعري وقصصي، تم تقديمها، إنها حملة قاسية من أجل جائزة، سينالها كما قلت في النهاية شخص واحد، حتى لو كانت كل المؤلفات الداخلة إلى القائمة الطويلة والقصيرة في ما بعد، في مستوى عال من الجودة والرقي، تنافس رهيب فعلا، لكن المكافأة المفردة هي المكافأة المفردة، وأظن أن جائزة الشيخ زايد حسب بنيانها وهيكلها، تظل هكذا، بمعنى لا يمكن تجزئتها إلى مكافآت تمنح للذين يصلون القائمة القصيرة، ثم مكافأة إضافية للفائز كما يحدث في جائزة البوكر، فهي هكذا أكثر بريقا، ويجب أن تظل هكذا.
وكنت مرة اقترحت على مسؤولي جائزة كتارا في قطر اعتماد نظام القوائم، أي تكون هناك قوائم طويلة وقصيرة، ثم فائز نهائي، ثم فكرت في الأمر، كتارا أيضا لها شكل من الصعب تغييره، وتبدو جاذبيتها من كون عدد من المبدعين يستفيدون منها بعيدا عن إحراج القوائم الطويلة والقصيرة.
مؤكد تظل الجوائز الأدبية هاجسا كبيرا، لنا كلنا، من خاض تجربة كتابية سنوات طويلة وينظر إلى مكافأة ما في نهاية مشواره، ومن يبدأ خطواته الأولى في الدرب على أمل الوصول، ودائما ما أقول إن القوائم الطويلة والقصيرة، تلفت النظر إلى النصوص، وتنادي القراء إليها، لأن معظم القراء ما زالوا يعتقدون أن النصوص الحقيقية هي التي تظهر في الجوائز فقط، وبالطبع هذا اعتقاد خاطئ، لكن من الصعب تغييره.
كاتب سوداني