الخليل: يقول القائمون على التكية الإبراهيمية في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة إن عدد المستفيدين منها زاد هذا العام بنحو 30 بالمائة؛ جراء الظروف الاقتصادية الصعبة، في ظل تداعيات الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
ويعاني المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية من أوضاع متدهورة للغاية؛ بسبب فرض إسرائيل إغلاقات وإقامة حواجز وفصل محافظات الضفة عن بعضها، بموازاة الحرب المتواصلة على غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبحدة، تراجع الاقتصاد الفلسطيني في الربع الأخير من عام 2023، بنسبة تتجاوز 20 بالمئة؛ في ظل تراجع الإيرادات المالية المحلية، بحسب أرقام رسمية.
مع احتضانها للتكية الإبراهيمية، يردد الفلسطينيون أن الخليل مدينة لا ينام فيها إنسان وهو جائع
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يتسلّم الموظفون العموميون في فلسطين، وهم 147 ألف موظف مدني وعسكري، أجوراً منقوصة؛ بسبب عجز الحكومة عن توفير إيرادات مالية تكفي كامل فاتورة الأجور.
وصعَّد الجيش الإسرائيلي، منذ بدء حربه على غزة، عمليات الاقتحام والاعتقال والقتل في الضفة الغربية؛ بما فيها مدينة القدس الشرقية المحتلة؛ ما أدى حتى الثلاثاء إلى استشهاد 436 فلسطينياً، وإصابة نحو 4 آلاف و700 آخرين، واعتقال حوالي 7 آلاف و670، بحسب بيانات فلسطينية رسمية.
وتحت وطأة هذه الأوضاع، يحتشد مئات الفلسطينيين يومياً، منذ بداية شهر رمضان في 11 مارس/ آذار الجاري، في زقاق قرب المسجد الإبراهيمي وسط البلدة القديمة لاستلام وجبات الطعام المطهي.
قبيل حصوله على وجبات طعام لأسرته المكونة من 8 أفراد، قال أحد المعوزين إن “الأوضاع صعبة للغاية، لا يوجد عمل، الحياة توقفت منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”.
وأوضح أنه فقد مصدر رزقه؛ جراء تعطل الحياة الاقتصادية، وبات غير قادر على إعالة عائلته، مضيفاً أن “التكية تقدم وجبات إفطار يومياً (وهذا هو) ملاذي الأخير”.
ووفق مدير التكية حازم مجاهد، فإن الإقبال على استلام الوجبات تزايدَ هذا العام بنحو 30 بالمائة.
وأضاف أن “هناك أسراً لأول مرة باتت تعتمد على ما تقدمه التكية من وجبات إفطار هذا العام”.
مجاهد أرجع ذلك إلى تزايد عدد العائلات المعوزة، خاصة في البلدة القديمة من الخليل، التي تعاني من فرض إسرائيل قيود على العمل والحركة منذ 7 أكتوبر الماضي.
وتابع أن تمويل المتبرعين المحليين والفلسطينيين المغتربين للتكية لم يتوقف، و”رغم التزايد على طلب الوجبات لا يعود أحد دون استلام وجبة طعام أسرته”.
وزاد بأن “هذه التكية، والتي أُسست قبل نحو ألف عام، تقدم الطعام لضيوف نبي الله إبراهيم عليه السلام”.
بينما ينشغل في إعداد الطعام مع الطهاة، قال ساري جعبري، الموظف في التكية: “نحرص على أن نقدم وجبات طعام تليق بالمعوزين، من خبز ولحوم وشوربة والأرز”.
وأردف أن التكية تقدم كل يوم وجبة طعام مختلفة عن اليوم السابق، حسب برنامج يُنفذ طوال الشهر، بالإضافة إلى يوم أسبوعياً تُقدم اللحوم ومكونات الوجبة نيئة، لتعطى العائلات فرصة طهي الطعام الذي تريده في منزلها.
تعددت وظائف التكايا بين إقامة حلقات الذكر وإطعام الفقراء وعابري السبيل، ثم اقتصرت وظيفتها في العصر الحديث على إطعام الفقراء، خاصة في رمضان
ومنذ ساعات الفجر الأولى تبدأ عملية الطهي في التكية، الخاضعة لإشراف وزارة الأوقاف الفلسطينية، ويتطوع فيها فلسطينيون.
وعلى الرغم من ضغط العمل في مطبخ التكية، إلا أن العامل رامي أبو ارميلة يعبر عن سعادته بعمله.
وقال أبو ارميلة: “الحمد لله نوزع يومياً وجبات من اللحم والدجاج للمعوزين. ندخل البسمة على وجوه الناس في شهر الخير والبركة”.
وأضاف أن “هذا العام الأعداد زادت، والجهد تضاعف، والتبرعات كذلك، وجوه الخير لم تقطع دعمها عن التكية”.
ومع احتضانها للتكية الإبراهيمية، يردد الفلسطينيون أن الخليل مدينة لا ينام فيها إنسان وهو جائع، فالتكية تعمل على مدار العام، وتضاعف نشاطها في رمضان.
وتكتسب التكية شهرة محلية، ويعود اسمها إلى المسجد الإبراهيمي المجاور لها في البلدة القديمة بالخليل، والذي يحمل اسم النبي إبراهيم الخليل عليه السلام.
والتكية أُسست إبان حكم الأيوبيين، بين عامي 1174 و1250 ميلادية، إلا أن التكايا ازدهرت في ظل الحكم العثماني، وتعددت وظائفها بين إقامة حلقات الذكر وإطعام الفقراء وعابري السبيل، ثم اقتصرت وظيفتها في العصر الحديث على إطعام الفقراء، خاصة في رمضان.
(الأناضول)