التمثيل بالجثث

تصف وكالة رويترز المشهد السوري الراهن اوصافا بشعة يندى لها الجبين بسبب ممارسات النظام والمعارضة معا، وطرق الانتقام الوحشية من الخصوم، سواء كانوا مدنيين او عسكريين.
قبل ان يشحذ البعض سكاكينه، أيا كان موقفه، في خندق النظام او المعارضة، نؤكد اننا لا نقارن هنا بين الجانبين، ولا نبرئ طرفا وندين آخر، ونؤكد مرة اخرى ان النظام يتحمل المسؤولية الاكبر، ولكن لا بدّ من توجيه اللوم في الوقت نفسه الى المعارضة لأنها من المفترض ان تقدم نموذجا افضل في التسامح وضبط النفس، وعدم الاقدام على ممارسات انتفضت بسببها، حتى لا تخسر تعاطف الكثيرين مع قضيتها العادلة، سواء داخل سورية او خارجها.
تفاصيل المشهد السوري التي تنقلها الوكالات الاجنبية الى العالم بأسره تقدمنا ،كعرب ومسلمين، جزارين قساة القلوب، لا نعرف الرحمة، ولا نمتّ الى الانسانية بصلة، وكل همنا هو الذبح وسفك الدماء و.
جنود سوريون يطعنون رجلا ببطء في ظهره عشرات الطعنات حتى يلفظ انفاسه الاخيرة، ويقدم زعيم معارض على قتل جندي، وتقطيع جثته، وانتزاع قلبه ويقضمه امام الكاميرا، ويقدم فتى لا يتجاوز العاشرة من عمره على جزّ رأس سجين، بينما يقوم جندي بقطع العضو التناسلي لجثة رجل مذبوح.
اصحاب هذه الممارسات التي لا تمتّ للاسلام والعروبة والقيم الانسانية، يتباهون بوحشيتهم هذه، ويوثقونها بالصوت والصورة، ويعرضونها على موقع ‘اليوتيوب’ لكي يراها العالم بأسره لنشر الرعب والخوف والكراهية.
‘ ‘ ‘
لم نقرأ مطلقا ان جيشا اسلاميا مثّل بجثة، بل قرأنا عن اروع صور التسامح مع الأسرى والجرحى، وما زالت جميع كتب تاريخ الحرب الصليبية المؤلفة من قبل غربيين تشيد بممارسات صلاح الدين الايوبي محرر القدس، واخلاقياته الرفيعة في التعاطي مع الاسرى والخصوم.
لا نعرف من اين اتت هذه الكراهية وثقافة ، وذبح الضحايا امام الكاميرات، ولكن ما نعرفه انها ليست قطعا ثقافة اسلامية، فقيم الاسلام قيم تسامح، وقيم عفو ورأفة، قيم تمنع قطع شجرة ناهيك عن تقطيع جثة، او قطع عضو جنسي لقتيل.
مجازر النظام ومهما بلغت وحشيتها وقتلها للاطفال والنساء وتدمير بيوت فوق رؤوس اصحابها لا يمكن، بل ولا يجب، ان تبرر تمثيل الطرف الآخر بجثث الضحايا وسط صيحات الفرح والتكبير.
شخصيا لم اشاهد الشريط الذي سجل هذه الجريمة البشعة بالصوت والصورة، وتأكدت من دقته ومصداقيته مجلة ‘التايم’ الامريكية قبل بثه، لأنني لا اريد ان اصدق ان هناك من يقدم على هذه الممارسات، مثلما امتنعت عن رؤية كل الاشرطة التي تصوّر بشاعة ممارسات النظام ايضا.
هذه ليست سورية التي نعرفها وكانت واحة امان وتعايش واحتضان المظلومين والفارين بأرواحهم واعراضهم على مرّ العصور، ولا يمكن ان نتصور ان الانسان السوري الذي يحمل في دمائه جينات آلاف السنين من الحضارات يمكن ان يقدم على مثل هذه الافعال، ايا كان خندقه في هذه المأساة الدموية.
‘ ‘ ‘
لا يمكن ان نتصور حدوث مصالحة وتعايش بين ابناء هذا البلد المنكوب لعقود، ان لم يكن لقرون قادمة، مهما كانت ذاكرة الشعوب قصيرة مثلما يرددون دائما.
ندرك جيدا ان بعض اعمال القتل و هي اعمال فردية مبعثها الحقد الشخصي او الطائفي، ومن قبل اشخاص اطفأت الاحقاد كل مشاعر الرحمة في قلوبهم، ولكنها اعمال اجرامية تسيء الى قضايا اصحابها مهما كانت عادلة، مثلما تسيء الى امة وعقيدة سمحة انتشرت في كل بقاع الارض بسبب عدالتها وقيمها الانسانية العالية.
المؤلم، وفي ظل جرائم الحرب هذه وحالة الاستقطاب الشرسة، سياسيا وطائفيا، التي تنهش استقرار المنطقة بأسرها، وتتجسد بأبشع صورها على الارض السورية، اننا لا نرى ضوءا في نهاية هذا النفق الدموي المظلم، بل المزيد من الضحايا وسفك الدماء في الحاضرالأليم والمستقبل المنظور الذي ربما يكون اكثر دموية.

Twitter:@abdelbariatwan

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد ظافر:

    التعاطف الذي تتحدث اخي المحترم هو السبب لهذا المشهد..السوري الذي تتحدث عنه يقول لك و بكل جيناته لقد ضعنا بين حلم من يود العيش الكريم بمساعدات الغرب و الخليج ومعهم دولة الكيان أو من خلال التعاطف الذي تحدثت عنه فسار بالكثير منا الى شوارع العين بالعين و القلب زيادة.

    حرب الباطل مع الباطل لا تنتهي و معركة الحق مع الحق لا تقوم و معركة الحق مع الباطل لاتدوم.. و الذي تتحدث عنه من قتل هو عين الباطل و التعاطف مع الطرف على حساب طرف هو سبب تسعير نار فتنه لا ينجوا منها الا القليل و لله الامر من قبل و من بعد.

  2. يقول احمد سعيد:

    تحية للسيد عبد الباري على هذا التحليل، صدقت فلا يمكن تبرير جرائم المعارضة بحجة قسوة النظام، في الحروب هنالك اسرى حرب لمن يستسلم او يرمي البندقية وكذلك هناك حرمة لجثث القتلى واللي يقول غير هيك فهو بلا مؤاخذة انسان همجي وبربري!!!

  3. يقول شاكر محمود الشمري:

    الاستاذ الفاضل عبد الباري عطوان حياك الله على حرصك على أمتك وقضايا من خلال اختيارك لمواضيع في غاية الاهمية من أجل غدها المشرق إن شاء الله …فقد عهدنا قلمك وهو يترجم الحقائق بالاتجاه الصحيح .
    مستنقع الدم…وعقلية الانتقام من جثث الأعداء
    عندما فتح سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مكة فقد دخلها بخلق عظيم وعفى عن الذين ناصبوه العداء من قريش .
    يبدو أن عقلية الانتقام والتمثيل بالجثث ليست غريبة عن بعض العرب والمسلمين …إن إسقاط الأنظمة شيء والتمثيل بالجثث وقطع أعضائها وحرقها وسحلها ليست من شيم العرب …فقد كان فرسان العرب يأنفون منازلة الجبان في ساحات الوغى ..وكانوا يعفون عند المقدرة..وكانوا يعاملون الأسرى بالحسنى… وقد كانوا حتى قبل الإسلام يتباهون بأكرم الأخلاق والفروسية والكرم والشجاعة وقول الشعر ….
    لا يستطيع المرء أن يعرف على وجه الدقة عقلية الانتقام من الخصم بعد استسلامه ..وتقطيع جثته والتمثيل بها بعد موته … إلا بالشذوذ والانحراف …فإذا كان هدف المنتقم هو البناء فليست هكذا تتم إعادة البناء…فإعادة البناء تتم من خلال إعطاء بديل مقنع من أن برنامجك أفضل من الواقع….والطامة الكبرى تكون أعظم إذا كان المرء يرفع شعار التخلص من الدكتاتورية والاستبداد.
    عند قرأت التاريخ الحديث للمنطقة العربية يمكن أن نلاحظ اتجاهين الأول الاتجاه العقلاني بالتعاون مع الخصم السياسي وكان ذلك واضح من الوقائع التاريخية الكبرى في حياة شعبنا العربي ومنها على سبيل المثال لا الحصر تسفير الملك فاروق بعد ثورة يوليو 1952في مصر والانقلابات العسكرية المتتالية في سوريا نفسها ، أما الاتجاه الثاني فقد تجلى بالدموية والوحشية المطلقة في ثورة 14تموز في العراق فقد تم إطلاق النار على أفراد العائلة المالكة بعد اقتحام الثوار لقصر الرحاب واستسلام جميع الموجودين بالقصر ومنهم الملك فيصل الثاني وما تبع ذلك من سحل رئيس الوزراء نوري السعيد في شوارع بغداد وجثته عارية تماما …وتقطيع جسد الأمير عبد الإله إلى قطع وتوزيع بعضها على المتظاهرين ليحرقوها بعد ذلك في احتفالات مشينة لا يمكن للإنسان العاقل أن يجدد مبررا لها .
    بعد احتلال العراق وقطع ظهرت من جديد هذه الثقافة من جديد في بلاد الرافدين وتم إضافة قطع الرؤوس لها وإلقاء الجثث بالشوارع حتى باتت بقايا طعاما للكلاب السائبة في أيام الفوضى العارمة التي ضربت العراق و لازالت .
    إن كلمات الإدانة والشجب لهذه الأعمال النكراء هي غير كافية وستؤدي حتما إلى تأكيد المخاوف في عقلية الشعوب الأخرى و خوفها من الإسلام وإعطاء المبررات الواقعية والمجانية لجميع القوى المعادية للعرب والمسلمين بالتعامل معهم بأقصى درجات القسوة والعنف …وسيكون ذلك مفهوما ومبررا للرأي العام العالمي من أبواق الدعاية الصهيونية من ان العرب لا يفهمون إلا لغة القوة والرد الحازم….ندعو من منبركم الحر هذا لجميع الفرقاء في سوريا بالكف عن هذه الأعمال الشنيعة والرجوع لديننا الإسلامي الحنيف الذي يعطي للميت حرمة … ولم يمكن استبعاد شيء في هذا الموضوع هو فضلا عن كون هذه الأفعال الشنيعة هي فردية عموما ،إلا أ، من الممكن جدا أن تكون في خضم الفوضى العارمة في سوريا الحادثة ألان ..أن تكون هذه الأفعال من قبل جهات هدفها إلى إسقاط شرعية نظام بشار نهائيا والمعارضين له من جبهة النصرة والمتحالفين معها ….وذلك لغرض أقناع الشعب السوري والشعوب الأخرى ..بأن البديل الوحيد للجميع هو نظام ثالث …هو ما تطمح له الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا….إن إسقاط مشروع الحركات السياسية الإسلامية هو خاتمة المطاف على ما يبدو إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه ألان والتلكؤ في التقدم في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في دول الربيع العربي مضافا إليها هذه الأفعال النكراء والتي نأمل أن تكون فردية وليست بداية ظهور ثقافة شاملة تشمل المشهد السوري المعقد . والسلام عليكم.

  4. يقول Monzer:

    أستاذنا عبد الباري هذه ليست أفعال فردية من المعارضة بل فكر وعمل تكفيري. متأصل بسلوكها ؟ والله منذ الشهر الثاني قامو بذبح جنود احد المفارز الأمنية وتعليق رؤسهم على سياج المركز في أدلب وبعدها تمى تصفية. أكثر من ١٢٠ عنصر امن عسكري ذبحا وقتلا ومازال الأمر كذلك وعندما كان النظام يتكلم بهذا منذ الشهر الثاني كان الإعلام البترودولار يكذب ويضلل ولما لا والهدف واحد تدمير سوريا وشعبها وصدقني المعارضة هي أبشع معارضة عرفها التاريخ أوجدها الأمريكي ودعمها الاسرائلي لي ومدها بالسلاح والمال والإعلام طغاة حكام الأمة ! فمن الذي جمع القاعدة وماكين وهنري وفرنسا وإسرائيل وأمريكا ومحمياتها النفطية فجأة في حب حق الشعوب والديمقراطية من ولماذا والبارحة اكتشف العالم عن فيلم كرتون أمريكي أذيع في ٢٠٠١ يصور مشهد عربة عسكرية أمريكية عليها علم الجيش الحر هل ألامو مصادفة أما كل شي يخطط لهذه الأمة والعرب في سباتهم العميق يعيشون على أماني الربيع العربي الذي لم يزهر سوى الدم والقتل والفرقة

  5. يقول سعيد:

    البارحة شاهدنا قتل ثلاثة جنود من جبهة الخلافة في العراق والشام في احدى ساحات الرقة السورية مع صيحات التكبير وسط جمع من المسلحين وقبلهت نحر 40 عسكري الواحد تلو الاخر في حلب وقبلها نحر جنود في دير الزور وغيرها وغيرها تملئ مواقع النت والتي يدشنها شيخ الثورة العرعور بان يفرم لحم المؤيدين ويطعم لحمهم للكلاب وهنالك شيوخ يدعون لنحر الجنود تنفيذا لشرع الله الذي يفسرونه على قياسهم وتجاوزات الجيش تعد على الاصابع اما من يقوم بها من المعارضة فهي شئ اساسي من فكرها فتفجير المفخخات يشبه واقسى من النحر وسوقة منبر وتدنيس جامع وتدميره ونبش قبر صحابي ليس اقل من النحر وسحل الناس وتكفيرها ليس اقل من النحر والعمالة للاعداءليس اقل من النحر وسرقة المشافي والمؤسسات والاثار لهو اشد من النحر وكل مايقوم بع المعارضون لايمت للعدل والحق والحرية والتحرر بصلة والسوريون ادركو هذا بدمائهم والنظام والجيش والشعب منتصر والله لا ينصر القوم المجرمين الذين يولون الغرباء مستقبل اهليهم وشكرا

  6. يقول علي محمد علي:

    وداعا سوريا . القوى الخارجيه الداعمه للطرفين هي المسؤوله وبشكل مباشر عن تحول افراد كثر الى حيوانات مفترسه .ماذا يهم حكام ايران او الخليج او بوتين من معاناه النساء والاطفال والشيوخ والمرضى والرجال ايضا ,فهي تفعل ما تفعل لتحقيق مصالحها الخاصه والشخصيه .
    الشعب السوري بكل اطيافه وقع في الفخ واضاع بلده وولده .سوريا التغت .لن يكون هناك منتصر في هذه الحرب وحتى وان انتصر طرف بعد حين فلا اعلم كيف سيتم بناء الانسان والشعب والحقل والدار من جديد .وداعا سوريا .احفادي واولادي سيدرسون في كتب التاريخ عن بلد كان اسمه سوريا ,مهد الحضاره والانسانيه والجمال ابنائه دمروه بايديهم واضاعو نعمه الله .وداعا سوريا .لا يكون لقاء بيننا في المستقبل .

  7. يقول الشامي الدمشقي:

    الأستاذ عبد الباري

    أعقب فقط على مقالتك باختصار شديد، قد يكونو هؤلاء عربا أو مستعربين ولكن ليسوا مسلمين……….

    كلا الطرفين المتنازعين المتناحرين في سوريا نحن منهم براء فالمسلم العربي السوري أ ايا كان انتماؤه المذهبي لا يقتل بتلك الوحشية وهؤلاء ما هم الا حسالة نبذهم المجتمع وهم ضحية الجهل الذي رزخنا تحت وطأته لقرون مضت.

  8. يقول محمود عمر:

    من يسمع كلام الجهات المعارضة في سوريا يعتقد أن الأمور في سوريا كانت فالتة تماما و هذا غير صحيح كنا نزور سوريا كثيرا و لم نرى أن الأمور فالتة تسير العائلات و تسير السيدات في منتصف الليل في شوارع دمشق بكل أمان لا يتعرض للنساء أحد أما الآن فالكل يحاول إبعاد نساءه عن سوريا لأن الخطف و الإغتصاب أصبحا سمة لسوريا في هذا الوقت و يحق لنا أن نسأل لماذا كلما دخل من يسمون أنفسهم الجيش الحر إلى منطقة رأيت أهلها يفرون منها بينما كانوا يعيشون فيها في أمان عهد من يسمونه نظام ظالم ؟؟ لماذا لا نرى إحتلال للجيش الحر و نرى معه عمارات مدمرة ؟؟ لماذا لا نسمع عن قصف لمنطقة إلا إذا تواجد بها الجيش الحر ؟؟ الإعلام كاذب و يحاول التأثير على رأي الناس بالتكرار و إظهار الجماعات المسلحة في سوريا على أنها ملائكة و كلنا نعلم أنهم ليسوا سوريين في معظمهم و أسلحتهم يمدهم بها نفس الأطراف التي تمد إسرائيل بالسلاح و من يدعم قضيتهم نفس من يدعم الإسرائيليون في المحافل الدولية أما تركيا فقد كشفت عن وجه قبيح لم نكن نتمناه لها ففي نفس الوقت الذي تتصالح به مع إسرائيل تقوم بتدمير سوريا بدعم المسلحين و تدريبهم و مدهم بالسلاح و للغرابة الشديدة بين بعض العرب المتأسلمين أن يصبح تحرير سوريا طريقهم لتحرير فلسطين و كإننا لم نرى السوريين المعارضين مربحين بالصلح مع إسرائيل مرارا و تكرارا و كإننا لم نعرف أن المسلحين الجرحى يعالجون في مشافي إسرايلية و كإننا لا نلاحظ أن السلفية التي ترفض الجهاد في فلسطين و تعتبره واجبا في سوريا و تعتبر من هزم إسرائيل عدوا لها نجدهم حتى المظاهرات ضد إسرائيل يحرمونها . نحن نتعرض لغسيل دماغ يومي و بشار أهم من المسجد الأقصى الذي يهود يوميا ..يا للعار

  9. يقول سعيد:

    الان وفي اليوتوب فديو جبهة النصرة تعدم اكثر من عشرة مدنيين وجنود الفديو بعنوان جبهة النصرة تقوم باعدام مواطنين ابرياء في دير الزور+18

  10. يقول خالـــد الشـــحام:

    مسلخ حــي على الهواء !!

    شكرا لك لمواقفك الوطنية والعربية الصادقة .
    سيدي عندما نستعرض ساحة القتال السورية وندرس خارطة الدوافع وراء كل ما يجري في داخل مدن الموت فما هي فئات المقاتلين حسب دوافعهم ؟ ……الفئة الأولى هي فئة النظام وتجهيزاته البشرية مهما اختلفت تسمياتها و التي تقاتل من أجل البقــــاء وبأية سبل متاحة ، الفئة الثانية هي فئة من انضم إلى الجيش الحر لدوافع ثأرية من النظام نتيجة لقتل أبيه أو أمه أو أخ أو قريب ما على يد قوى النظام ، الفئة الثالثة هي فئــة المرتزقة والمستوردين من وراء التضاريس والذين يمتلكون دوافع مهنية أو ايديولوجية خاصة بهم حفزتها وطورتهــا وامتلكت حقوق اختراعها الحصرية أعمال النظام وفضائيات التآمر العربي الشامل ، ماذا بقي بعد ذلك من دوافع ؟ هل يمكن أن نصدق أن أحـــدا في سوريا المأساة اليوم يقاتل من أجل عروبة سوريا مثلا ؟ أم من أجل تحقيق كيان اسلامي –عربي اشـد قوة ومنعة من النظام الحالي ؟ أم من أجل حرية وكرامة المواطن السوري المسكين ؟ لم يعــد لأي من هذه المصطلحات من مكان ولا محل من الإعراب في هــذا الذبح الجنوني بين أبناء البلـد الواحــد .

    ليس من الصواب بشكل من الأشكال أن نصف ما يجري بأنه معركة أو قتال لأن هذه الألفاظ تناسب جو معركة يعتليها هدف شريف ما في نهاية المطاف ، ما يجري في سوريا هو مسلخ حي ومباشر على الهواء ، تناحـــر عبثي ونزف أليم تلعنه كل مقاييس الإنس والجن و حتى الحيوان ، وفي ظل هكــذا دوافع وهكــذا نوعية من المقاتلين تتبدل القيم القتالية العليــا ( مهمــا كان مصدرهــا ) من الطبقة العليا المقدسة في تاريخ الصراع الانساني إلى الطبقة الموحلة والمعكرة من الطبيعة البشرية الوحشية التي تعافها حتى فطــــرة الحيوان ، وهنا يمكنك أن تجــد فيها التمثيل بالموتى والأعمال الفظيعة التي تترجم قيم الحقــد على الإنســـان المستهدف ومعايير التدني في نفسية من يفعل ذلك ، لم يعد هنا اي هدف أودافع شريف نظيف .

    في الساحة السورية المنظورة لم يعد لقيمة الإنسان اي معنى أو رقم شأنه في ذلك شأن الإنسان العراقي ومن قبله الفلسطيني وفي مرحلة ما اللبناني والسوداني وغيرهما ولاحقــا الكل ، يموت العربي في كل زمان ومكان كالجراد وبالجملــة والمفرق وبأبشع أشكال الإهانة والانحطـــاط ورمزية وسخرية الأقدار الشيطانية التي ترسم كل ذلك .

    هذه المشاهد المؤلمة التي تتساقط على عيوننــا وتسبب لنا الخوف من هذه الحياة وهذا الزمن وهذا العمر وتجرح الفطرة التي أودعها الله في نفوسنا ليست هي الأشــد ألمـا في جوهر الأمر وليس فاعلوها هم الأشــد وحشية وإجراما ، دوما تفترض مسرحيات الدم وسيناريوهات الموت وجود من هو أشــد فتكا وأشد قسوة وفرطا في الاجرام ، فكما فوق كل عالم عليم ، ففوق كل قاتل من هو أشــد شراسة من الضباع والذئاب وآكلي لحوم الموتى ، وفي حالتنا المزرية ها هنا داخل سوريا يتحمل المسؤولية بشكل مشترك النظام وكل من يقفون في خندق القضاء على سوريا وتمزيق وحدتها وشعبها وهم يتفرجون ضاحكين ملىء الأشداق كرما عربيا لجماعة صهيون .

    الشعب السوري طالب بحريته وحقوقه في العيش الكريم والمستوى اللائق من الكرامة التي تليق بتاريخه ومواقفه وسجله المشرف ، لكن ما نراه اليوم هو انقلاب كامل على كل ذلك واستجرار للثورة السورية لتكون وبالا على أهل الشـــام وعلى المنطقة بكاملها ومهمـــا تكن من تسميات فمن المؤكــد أن كلمة ثورة رحلت بمعية أول روح أزهقتها أيدي المعارضة المسلحة بتلك الصورة الموحشة ، دعواتنا أن ينجي الله الشــام وأهل الشــام .

1 3 4 5 6 7 10

إشترك في قائمتنا البريدية