التناغم الغريب بين النظام الصدامي ونظام المحاصصة

حجم الخط
0

كان البعث في بداية حكمه يتخبط في سياساته الداخلية والخارجية، حتى تمكن من الوقوف على قدميه عندما أقنع الحزب الشيوعي العراقي، بضغوطات من قيادة الاتحاد السوفييتي السابق، بالانضمام الى الجبهة الوطنية التقدمية، وظل الحزب الشيوعي تابعا لا يحرك ساكنا وهو اشبه ما يكون بشاهد زور، حتى كان الشارع العراقي يتندر على تلك الجبهة الصورية بالقول هنا مقر الحزب الشيوعي العراقي لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي. لقد تمكن البعث من ترسيخ اقدامه بعد عدة سنين وطرد وزراء الحزب الشيوعي بعد نفاد حاجته منهم. لم يكن للطائفية آنذاك اي دور يذكر، انما كانت المودة السائدة في ذلك الوقت هي هيمنة ودكتاتورية الحزب الواحد والفرد الواحد، سواء في العراق او غيره.
يسير قادة حزب الدعوة على خطى قادة حزب البعث، فعندما استلموا الحكم اضطروا الى تقاسم الكعكة مع المجلس الاسلامي والتيار الصدري والحزب الاسلامي، ضمن قاعدة المحاصصة الطائفية التي ارسى قواعدها المحتل الامريكي بمباركة تلك التنظيمات، لكن تشظي مبدأ المحاصصة، بسبب رفضه من قبل الشعب العراقي بشيعته وسنته وعربه واكراده وتركمانه ومسلميه ومسيحييه، أعطى للحكومة الحالية فرصة الاستحواذ على السلطة طيلة السنوات الاربع الماضية، مما سمح لها تهميش حلفائها من الحزب الاسلامي وغيرهم، رغم قبولهم اللعبة الطائفية ‘عراق المكونات سنة شيعة اكراد’.
من النفاق السياسي ايضا ان تتبجح الحكومة بعدائها لحزب البعث، عندما تسبه وتلعنه وتجرمه لتقول للشعب نصف الحقيقة، لأنها بواقع الامر تعادي وتجرم بعثيي المكون الاخر فقط، في حين تتستر وتساند وتوظف بعثيي مكون الحكومة، فنرى بأن اغلب قيادات الجيش والشرطة والكثير من البرلمانيين والمقربين من مكتب رئيس الوزراء كانوا بعثيين/،وكان من المفترض اجتثاثهم. لكن السكوت على نصف الحقيقة الاخر كونهم من مكون الحكومة كان شفيعهم. لذا فانهم لم يفعلوا شيئا بعد الغزو، سوى المبالغة في سب ولعن النظام السابق بعد ان خلعوا البدلة الزيتونية ليلبسوا مكانها اللباس الاسود، وأطالوا اللحى وغيروا شكل الشوارب من 8 شباط الى شكل آخر، بل عمل بعضهم على كي جبهته ليوهم الناس على انه من المصلين المؤمنين المتقين. وفق الآية القرآنية القائلة ‘سيماهم في وجوههم من اثر السجود’. من المحزن والمؤلم حقا ان يصل بعض العراقيين الى هذا الدرك.
يقول قادة الدعوة اليوم انهم مع مبدأ حكومة الاغلبية مع انهم يعلمون علم اليقين أن مثل هذا الطرح سيكون ستارا لقيادة الاحزاب المتماثلة طائفيا، او العودة الى المحاصصة، من دون التصريح بها. في حين يعلم اي سياسي أن معيار الاغلبية والاقلية واضح المعالم في علم السياسة، ولا يمكن ان تنطبق في العراق هذه المعايير على اغلب الاحزاب المنضوية في العملية السياسية لما بعد الاحتلال، لأنها ببساطة احزاب دينية طائفية، مما يعيد العراق الى المربع الاول، من دكتاتورية الحزب القائد الى دكتاتورية الطوائف والاعراق.
تحذو حكومة حزب الدعوة خطوة بخطوة على طريق حكومة حزب البعث البائدة. فأغلبية الشعب العراقي يعلم أن حزب البعث أسدى لحزب الدعوة، من حيث يدري او لا يدري خدمة دعائية كبرى، عندما كان يتهم كل معارض لسياساته بالانتماء لحزب الدعوة منذ بداية الثمانينات فأكسبه شعبية اكثر بكثير من حجمه الحقيقي والطبيعي في العراق. اليوم يرد حزب الدعوة الجميل من حيث يدري او لا يدري ايضا، لمنح حزب البعث شعبية سبق ان فقدها منذ بداية التسعينات. فنرى هذه الحكومة كانت تصف كل من يقاوم الاحتلال بالأمس على انه بعثي، واليوم تتهم كذلك كل من يعارض سياستها بالانتماء الى ذلك الحزب، وكل متظاهر او معتصم في نظرهم اليوم بعثي تكفيري طائفي تنطبق عليه مادة 4 ارهاب.
حتى هذه اللحظة لم يستجب رئيس الوزراء العراقي لأي مطلب من مطالب المتظاهرين، لاسيما المعتقلين، فان اطلق سراح البعض الا انه اعتقل ويعتقل اضعافا مضاعفة غيرهم. يبدو ان الحكومة تبحث عن أية فرصة للمواجهة المسلحة واستباق الاحداث، وتصر على تشويه سمعة التظاهرات والاعتصامات وإلصاق الاتهامات اللاوطنية بها، وتؤكد ربط نشاطاتها وتحركاتها بالخارج، كقطر، تركيا الجيش السوري الحر، جبهة النصرة الخ. لا تريد الحكومة ان تسمع الا من يصفق لها ويسير على نهجها، مثلها مثل النظام السابق عندما كان نائب الرئيس عزة الدوري يتملق لرئيسه بالقول خطأك صحيح عندنا. تفرض هذه الحكومة كسابقتها على معارضيها التهميش والبطالة وقطع الخدمات فما أشبه اليوم بالبارحة.
لقد انطوت الحكومة العراقية على نفسها وترفض سماع أي رأي اصلاحي يخرج البلاد والعباد من عنق الزجاجة، حتى باتت العملية السياسية بحاجة الى تغيير شامل ابتداء من الدستور والمحاصصة وهوية الدولة. لكن حتى تغيير هذه المعطيات الثلاثة لا يمكن ان تعطي اكلها دون الغاء طائفية الدولة وتبني المفهــــوم المدني لها.
لكن الوصول الى هذا الهدف يحتم استحقاقات قد تبدو صعبة المنال لكنها اساسية ولا بد منها، وهي اصدار قوانين للأحزاب السياسية تتواءم مع المبادئ الاساسية للديمقراطية تمنع فيها تأسيس تنظيمات على خلفية دينية او طائفية. شأن هذه الحكومة شأن حكومة البعث اواخر ايامها عندما عطلت كل محاولة للإصلاح، واغلقت كل الافاق امام الشعب العراقي مما مهد للاحتلال الامريكي البغيض وتبعاته.

‘ كاتب من العراق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية