نحن نعيش في عالم مليء بالتناقضات، التي تبدو أحيانا ككوميديا ساخرة مضحكة، وأحيانا تظهر كتراجيديا تبعث على الغثيان واليأس. لننظر إلى موضوع بعبع الإرهاب في واقع العالم الحالي.. اجتماعات دولية من دول منتقاة بعناية فائقة، تنعقد في شتى بلدان الغرب وبلدان الوطن العربي، ودائما تحت جناح ومراقبة الولايات الأمريكية المتحدة، لتصدر بيانات وتوصيات بشأن مكافحة الإرهاب ودحر قواه في الأرض العربية على الأخص، وبشأن منع انتشاره على الأخص في بلدان أوروبا، لكن في صور مجزأة ومبهمة.
لا يتعب المجتمعون أنفسهم، ولو مرة واحدة، بذكر تعريف واضح وشامل لكلمة الإرهاب. تجنب التعريف سيبعدهم عن ذكر إرهاب الدولة، الذي يتمثل في أقصى وأبشع صوره في شتى أنواع الإرهاب الجسدي والمادي المباشر، والإرهاب المعنوي الحقوقي الذي تمارسه يوميا سلطات الاحتلال الصهيوني في فلسطين.
التناقض هو في العملية الانتقائية التي تذرف دموع التماسيح على الضحايا العرب في سوريا والعراق وليبيا ومصر والصومال واليمن، ولكنها بتعمد ووقاحة، تتجاهل الضحايا العرب الفلسطينيين. لا يقف الأمر عند موضوع تجنب التعريف وما سيشمل، وفي ممارسة الانتقائية بالنسبة لضحايا الإرهاب، وإنما يتعداه إلى السكوت التام عن أي إشارة إلى جهات التمويل والتسليح والتدريب، وتسهيل الانتقال للقوى الإرهابية. ليس لأن المجتمعين ومصدري البيانات يجهلون ذلك، بل لأن بعضا من الحاضرين هم الممولون والمسلحون والمدربون والمسهلون لسفر المجرم إلى ساحات الإرهاب. بهذا التجاهل يبدو التناقض واضحا من خلال المعالجة الجزئية بمواجهة أعراض المرض دون أسبابه ومسبباته، ومن خلال مشي القاتل وراء جنازة المقتول، بدون أن يصرخ أحد: «قاتل، قاتل!».
التنديد بالإرهاب واجهة تخفي هدف إنهاك وذبح أمة العرب ولا نستطيع أن نصدق بأن استخبارات كل الدول عاجزة عن حسم موضوعه
بل يبدو التناقض الصارخ بين ما يقال ادعاء عن المواجهة وما يراد أن يستمر بألف شكل وشكل، لإنهاك المجتمعات التي تواجه الإرهاب. التنديد بالإرهاب واجهة تخفي هدف إنهاك وذبح أمة العرب. لا نستطيع أن نصدق بأن استخبارات كل تلك الدول المجتمعة، العاملة بتناغم وتعاضد عندما تشتهي، والقدرات التكنولوجية الهائلة عند البعض، تبقى، سنة بعد سنة، عاجزة عن حسم موضوع الإرهاب. تلك القدرات الهائلة تتناقض مع النتائج المتواضعة. ذلك الحماس في البيانات والتوصيات يتناقض مع التكهنات بأننا سنعيش مع ظاهرة الإرهاب لعقود مقبلة. ثرثرة اللسان تتناقض مع عجز اليد. لننظر إلى موضوع الصواريخ الباليستية الطويلة المدى. في كل يوم نسمع ونقرأ عن الأخطار المحدقة بالعالم من جراء تصنيع أو امتلاك مثل تلك الأسلحة من قبل هذه الدولة أو تلك، لكن وبصورة مفاجئة تفضح التناقض بين الأقوال والفعل، تنسحب أكبر وأكفأ جهتين صانعتين للأسلحة الصاروخية من اتفاقية الحد من تطوير الصواريخ، وتقرران علنا بأنهما في طريقهما لمزيد من التطوير وإنتاج أسلحة باليستية أفتك وأسرع وأكثر رعبا. إنه تناقض القول مع الفعل عندما يصب في المصالح الوطنية الضيقة. عند ذاك يصبح الخوف على العالم كله ثانويا بالنسبة للأمن الوطني المحدود. هذه الثنائية فيما الأنا والآخرون أصبح رذيلة مقبولة في الساحة السياسية العولمية. لننظر إلى الطهارة التي يجب أن تتجسد في مؤسسات وعلماء الدين كبديهية لا تنفصل عن متطلبات السمو الإنساني من خلال الدين.
يوميا تنفجر في وجوهنا فضائح رجالات الدين المالية والجنسية، والتغطية على رجال السياسة الفاسدين المستبدين، ما يجعلنا أمام تناقض صارخ بين ما تدعو له الديانات من طهارة القول والفعل والالتزام الخلقي، وما يمارسه بعض رجالات الدين أو تزخر به بعض مؤسسات الدين من ابتعاد تام عن الطهارة، بل أحيانا من انغماس تام في النجاسة.
لننظر إلى الحرب الشرسة التي شنتها النيوليبرالية الرأسمالية العولمية على كل ما سبقها من أيديولوجيات اشتهر بها القرن العشرين على الأخص. وكان الادعاء يقوم على أساس أن الأيديولوجيات تتصف بالاصرار على نظام سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي شمولي لا يقبل التجزئة. لكن النيوليبرالية تتناقض اليوم مع أقوالها السابقة، إذ تقدم نفسها كأيديولوجية شمولية. فما عادت موضوعا اقتصاديا بحتا، بل أصبحت لها مواقف سياسية من الدولة واجتماعية من خدمات الرعاية الاجتماعية للمواطنين، وسلوكية لا تقبل إلا الحرية الفردية المطلقة، وإعلامية لا تقبل إلا الرأي الواحد الذي يبرر فساد الشركات والبنوك، ويغطُي على طمع وأنانية الأغنياء. لقد أصبحت أبواقها الانتهازية ضد اليسار ورجالاته ومؤسساته، بل ضد كل ما هو إنساني في اليمين، بل تجرأت على التاريخ وأوصلته إلى نهايته، وعلى الحضارات غير الغربية فدعت إلى إنهاء وجودها.
مرة أخرى، نحن أمام ثنائية التناقض بين الموقف مما يرفض والموقف مما يطلب. إنه تناقض الكذب والتلفيق مع حقائق الحياة، فإن يملك واحد في المئة من أغنياء العالم نصف ثروة العالم فهو مقبول، وأن يعيش الباقون في فقر مدقع يزداد سوءا وفجيعة فهو مقبول أيضا، إذ يمكن تعايش النقيضين في أيديولوجية النيوليبرالية الزاحفة بثقة وجبروت. سمة العصر ليس أنه عصر المعلومات، كما يدعي البعض، إنها سمة التناقضات التي يراد لها أن تكون مقبولة من الناس، بلا مراجعة ولا مقاومة.
كاتب بحريني
الغرب المخاتل لم يكن يوما إلى جانب العرب
السيد الكاتب المحترم
شكراً لقولك :” التنديد بالإرهاب واجهة تخفي هدف إنهاك وذبح أمة العرب”
الإرهاب في منطقتنا نتيجة حتمية لتفاعل الثقافة المحلية مع تدخل الغرب الغبي الإجرامي ، إن لم نقل المُتعمّد و المخطط له أن يُخرج الجني من القمقم . و أوضح مثال غزو و إحتلال العراق ، إذ قبل عام ٢٠٠٣ كان الإرهاب مقنن و على يد الدولة التي كانت سليمة ، بل و كان البعض يحاجج أن ذلك الإرهاب ضرورياً للحفاظ على الدولة و النسيج المجتمعي ، و مع عدم إتفاقي مع ذلك ، إلا أنهم يشيروا إلى ما حدث من إرهاب أسود و جريمة بعد الغزو لدعم ما يقولوا .
لذا بريطانيا و أمريكا و غيرهما لا يستطيعوا غسل أيديهم من هذا الإرهاب.
أما نحن الضحية فنحتاج أن نجد طريق الخلاص من هذا الشرك الذي وقعنا فيه ، جزئياً بأيدينا
ماذا يقول الإنسان يا أستاذ محمد شهاب تقيم في قلب الغرب النابض متمتعا بما فيه من حرية وأمان وكرامة ورفاهية وتصفه بالغرب الغبي الإجرامي؟
أستاذ خليل
و هل معيشتي في الغرب و أداء عملي المهني يبرر أن أُطبّل لأعمال إجرامية مثل غزو العراق بلادي
لا يا أخي
و أقترح أن تقرأ أشعار شاعر القطرين خليل مطران
مع التحيات
أستاذ محمد
لم أطلب منك أن تمدح الغرب على جرائمه ، ولكن تمنيتك لو أنك خصصت من تعنيه بالغرب فقلت مثلا المجرمان بلير وبوش هما سبب نكبة العراق ، مع أن السبب الحقيقي هو صراع النظام مع المعارضة على الحكم ، والمعارضة هي التي توسلت للغرب وأميركا لتقضي على صدام.
نعم إنه عالم التناقض، وإن أضفنا إليه النفاق في ما يدعون من قيم ومبادئ وما يقومون به من نقيض لكل القيم والمبادئ يصبح الموضوع أكثر خطورة على القانون الدولي والعالم أجمع، وما إسرائيل وأمريكا سوى مثال.