الرباط- “القدس العربي”:
غرة رمضان في المغرب، يوم طبع باستثناء صحافيي المؤسسات الإعلامية المستقلة من الإجراءات الاستثنائية للتنقل ليلا، التي أعلنتها وزارة الداخلية المغربية.
شهر رمضان الذي بدأ يوم 25 نيسان/ أبريل الجاري، إلى 25 أيار/ مايو المقبل، وهي فترة أتت تقريبا بالتوازي مع ايّام التمديد في حالة الطوارئ، المستمرة حتى 20 أيار/ مايو المقبل.
** بيان الداخلية
بعد صدور قرار منع الحركة الليلية في إطار حالة الطوارئ الصحية، أعلنت السلطات العامة بالمغرب عن إعفاء العاملين في المجال الصحي والطب وشبه الطبي والنقل الطبي والصيدلاني من هذا القرار، بحسب بيان صادر عن وزارة الداخلية.
وتتعلق هذه الاستثناءات أيضا بعملاء ومعاونين للسلطة، والخدمات الأمنية، وخدمات القوات المسلحة الملكية، وخدمات الحماية المدنية، وخدمات إدارة السجون وإعادة الإدماج وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يضيف نفس المصدر، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين هم في حالات طبية طارئة معفون أيضا.
أما الأشخاص الذين يعملون في خدمات الحراسة في الإدارات العامة وموظفي المؤسسات الإعلامية العامة والإذاعات الخاصة، فيجب أن يكون لديهم شهادة موقعة ومختومة من قبل رؤسائهم في المؤسسات المعنية تبرر عملهم الليلي.
** اعتداء على حرية الصحافة
لم يستسغ الصحافيون المغاربة هذا الاستثناء الذي أقصى صحافيي المؤسسات غير الرسمية، وانتقدوا الخطوة التي اتخذتها وزارة الداخلية.
وقال الصحافي المغربي، نور الدين مفتاح، في تدوينة نشرها على صفحته الشخصية في فيسبوك: “عيب عليك السيد وزير الداخلية، علّقتم طبع الصحف الورقية، فقلنا آمين، واستمرت المؤسسات الصحافية تعمل بإصدار نسخ الكترونية مجانية، وفيما يقارب رقم معاملات الصحف الالكترونية والورقية الصفر، بسبب الجائحة، يواصل جل صحافييها الشجعان المخاطرة بالعمل في الميدان للمساهمة في جهود محاربة الفيروس ومحاربة الفايك نيوز”.
وأضاف ناشر صحيفة “الأيام” الأسبوعية: “وفيما تحملت مقاولات صحافية تعاني كل تكاليف عملها المجاني بشهامة، فيما تضامن صحافيون ومستخدمون بنبل مع مؤسساتهم التي تصافح كل يوم شبح الإفلاس، ورغم أن الحكومة لم تقدم على أي مبادرة لدعم هذا القطاع بمقاولاته الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ما عدا الإعلان عن تسبيق موعد دعم عمومي قديم لقطاع الاتصال -الذي خلق الإبهام لدى الرأي العام وكأنه دعم مرتبط بالجائحة والواقع أنه لا علاقة له بها ولا أثر له على مخلفاتها القاسية- ورغم استمرار إبحار سفن الصحافة في لجاج مخاطر اليوم ومجاهل الغد، ظللنا متحمسين لكتابة ملحمتنا الصغيرة ضمن معركة الوطن”.
“وليلة رمضان، سيوقظنا بلاغ للسيد لفتيت من استيهاماتنا ليقول لنا إن من لهم الحق في الخروج للعمل في ليالي رمضان هم صحافيو القطاع العام والاذاعات الخاصة، وأما أنتم فاشربوا الحريرة وابقوا في بيوتكم تصلون التراويح وراء إمام في التلفزيون!!”، يوضح مفتاح.
وزاد قائلا: “شكرا يا حكومة العجائب، شكرا على هذا الابداع الخارق ، فبغض النظر على أنه مخالف للمواثيق الدولية وللدستور وأبسط الحقوق، وأن فيه تمييزا مضحكا بين الصحافيين حسب قطاعاتهم، فإنه في العمق طعنة في الظهر للعشرات والمئات من الصحافيين الشباب في الصحف الورقية والالكترونية الذين اعتقدوا أنهم في دائرتهم الإعلامية الصغيرة يقومون بعمل بطولي يستحقون عليه التنويه”.
وأكد مفتاح على أنه “لا يمكن في دولة الحق والقانون أن يتحول وزير الداخلية إلى رئيس تحرير للصحف، فدور الصحافة هو مساءلتكم في زمن السلم كما في زمن الحرب على الوباء، وكل منع للصحافيين أو لصنف منهم بدعوى الطوارئ هو اعتداء على حرية الصحافة وإهانة للجسم الصحافي.
وختم قائلا: “لقد ولى عهد الجمع بين وزارتي الداخلية والإعلام”.
** تمييز غير دستوري
في ذات السياق، يرى الصحافي المغربي، رشيد البلغيتي، أن “هذا التمييز فيه مس صريح بالفصل 28 من الدستور المغربي”.
وقال في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك: “قرار حظر التجوال ليلا في رمضان أمر يستحق التنويه، لكن الدولة سمحت للعاملين في المؤسسات الصحافية العمومية (snrt، 2M، MAP..) والإذاعات الخاصة بالحركة وقت “حظر التنقل الليلي” المتخذ في إطار “حالة الطوارئ الصحية” دون غيرهم من المهنيين المشتغلين بالإعلام في المغرب”.
وأشار البلغيتي، إلى أنه “بهذا القرار تكون السلطات العمومية قد أعطت وضعا تنافسيا تفضيليا لهذه المؤسسات دون غيرها من (أخواتها)، في المشهد الإعلامي المغربي، وضربت حقا أصيلا لباقي الصحافيين المهنيين في التنقل لإدارة مؤسساتهم أو تغطية الأحداث، التي قد تقع ليلا، والتي قد تقدم للجمهور بعين أخرى لا تنظر منها قنوات الدولة الرسمية وجل الإذاعات الخاصة”.
** نقابة الصحافة تدخل على الخط
وأصدرت نقابة الصحافة المغربية، بلاغا بشأن ما وصفته بالقرار “التمييزي لوزارة الداخلية بحرمان الصحافيين من حرية التنقل المهني ليلا طيلة شهر رمضان”.
وقال بلاغ النقابة إن الجسم الإعلامي فوجئ بحيثيات “قرار وزير الداخلية القاضي بمنع السواد الأعظم من الصحافيين من ممارسة مهامهم خلال فترات من اليوم”، وذلك في سياق ما وصفه بلاغ وزارة الداخلية، بتعزيز إجراءات “حالة الطوارئ الصحية” خلال شهر رمضان المعظم، عبر “حظر التنقل الليلي” يوميا ابتداء من فاتح رمضان، من الساعة السابعة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا.
وأضاف البلاغ أن الداخلية وفي حصرها لهذه القطاعات الأساسية تعاملت “بانتقائية غير مفهومة”، للصحافة والصحافيين واستعملت عبارات “أطر المؤسسات الإعلامية العمومية والإذاعات الخاصة”، في “تمييز وحصر لا علاقة له، لا بحقيقة الجسم الإعلامي المغربي المتواجد ميدانيا في الصفوف الأولى لمواجهة هذه الجائحة، ولا بالوضعية العالمية التي اختارها المجتمع الدولي لقطاع الإعلام كأحد القطاعات المعنية والأساسية بمقاومة هذه الجائحة”.
واعتبرت النقابة ما قامت به الداخلية “خرق دستوري لواحد من أقدس الحقوق في البلدان الديمقراطية المؤمنة بحق المواطنين في الإخبار بدون تقييد”.
وأشارت إلى أن قرار وزارة الداخلية إلى جانب “خرقه لمقتضيات الفصل 28 من الدستور، والذي ينص بصريح العبارة التي لا تقبل التأويل، أن حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأن للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة، فهو يجانب الصواب ويساهم في خلق تشنج لا داعي له خلال هذه المعركة الوطنية الجامعة، ولم يظهر منذ بداية هذه الجائحة من سلوك داخل الجسم المهني ما يستدعي هذا الإقصاء والمنع غير المبرر”.
وأكدت النقابة، أن الجسم الإعلامي المغربي الذي عبر بشجاعة معتبرة منذ بداية الجائحة عن نضج وطني كبير في مواجهة ما هو أخطر من جائحة كوفيد-19، عبر حرب مفتوحة على الإشاعة والتضليل، “لا يمكن التعامل معه بهذا القرار، لأنه من دون سقف مفتوح للبحث عن الأخبار ومتابعة تداعيات الجائحة، ستكون بعض نوافذ نقل الحقيقة مغلقة، وسيكون حبل التقييد الزمني الوارد في القرار عبئا مهنيا وأخلاقيا لتقديم شهادة صادقة عما تبذله البلاد من جهود خلاقة لمحاربة الجائحة”.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قالت بصراحة إن “الصحافيين لا يمكنهم تغطية الأحداث بالتقيد بالحجر الصحي، لأنه وضع يتنافى وطبيعة عملهم، لا يمكنها القبول بهذا القرار التمييزي”.
وشددت النقابة على أن “الحكومة المعنية بهذا القرار مدعوة لمراجعة هذا القرار التمييزي، للاعتبارات التي سردناها، لأنه قرار تمييزي غير واقعي ولا قانوني، ولم تقترفه حتى الحكومات العاجزة عن مواجهة هذه الجائحة، ونأمل أن تتم الاستجابة بمراجعته بما يسمح للصحافيين الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية من ممارسة مهامهم، ومواصلة معركتهم الخاصة في مواجهة هذه الجائحة، ومن ضمنها ممارسة فعلية للسلطة الرابعة في مراقبة ما تقوم به باقي السلط ونقل الحقيقة بعيدا عن طوفان الإشاعة”.
وفي انتظار تفاعل ايجابي ينهي هذا التشنج، قالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أنها “ستبذل ما بوسعها من اتصالات لتحقيق هذا المبتغى، وستواصل الدفاع عن حق كل الصحافيين الحاملين لبطاقة الصحافة، في ممارسة واجبهم المهني، طبقا للقانون وأخلاقيات مهنة الصحافة”.
اظهر القرار بشكل لا لبس فيه العداء التاريخي لوزارة الداخلية تجاه الصحافة المستقلة…