التهديدات الإسرائيلية باغتيال قادة المقاومة.. بين إعادة الاعتبار للمقاومة وخفض سقف الخطاب السياسي

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله- “القدس العربي”:

جددت دولة الاحتلال الإسرائيلي تهديداتها لقادة المقاومة الفلسطينية بالاغتيال، جاء على ذلك على لسان أطراف عدة في الحكومة الإسرائيلية وكان التهديد الأخير موجها إلى الشيخ صالح العاروري، القيادي في حركة حماس والذي يقيم في بيروت.
ورغم أن ذلك التهديد ليس جديدا، إلا إنه يعكس إمكانا لمزيد من التصعيد في الوضع الفلسطيني، وهو ما دفع المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) إلى تنظيم جلسة عصف ذهني حملت عنوان: المطلوب فلسطينيًا في ضوء التهديدات الإسرائيلية باغتيال قادة المقاومة”، حضرها نشطاء ومحللون وأكاديميون وسياسيون في كل من رام الله وغزة وجاهيا وعن بُعد.
واستهل مدير مسارات المحلل السياسي هاني المصري الجلسة حديثه عن التهديد الإسرائيلي القادم من أعلى المستويات الإسرائيلية بتصعيد العدوان على الفلسطينيين بشكل عام، واغتيال قادة فلسطينيين في داخل الوطن أو خارجه، حيث أشار إلى أنه “لا يجب التعامل مع التهديدات وكأنها غير جدية، رغم أن هناك مؤشرات ألا تكون جدية”.
وطالب المصري بأخذ التهديدات على محمل الجد في ظل صعوبة التعامل مع سلوك العدو الإسرائيلي بدقة، فالمنطق مثلا يقول ألا تعلن إسرائيل نيتها باغتيال القادة، وهو ما يدفع بالتحليل إلى القول إن الموضوع ليس من أجل التنفيذ، إنما تحمل رسائل إلى قادة المقاومة، بحيث تضعهم تحت ضغط التهديد وفي حالة استنزاف”.
وتابع المصري أن الموضوع في جزء ثان يحمل رسائل داخلية للإسرائيليين، فإسرائيل قوية وتمتلك زمام المبادرة، لكن قد يكون التصعيد مرتبط بالرغبة في التأثير على المعارضة في دفعها إلى معركة على الأبواب، إلى جانب تصدير الأزمة الداخلية وتوحيد الإسرائيليين في ظل حالة الصراع الدائرة”.
أما النقطة الثالثة التي يتحدث عنها المصري فيرى أنه قد تكون التهديدات بشكل أكبر لحزب الله وإيران، وهي جزء من حالة تهديد مستمرة منذ فترة طويلة. وهي مسألة تحقق أيضا فوائد للاحتلال، فالتهديد يدفع بإيران وحزب الله إلى أن يكونا منشغلين بالإعداد واستنزاف القوة.
وحذر المصري من تنامي الحديث عن حرب شاملة سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين، حيث طالب فصائل المقاومة إلى الاحتياط في هذه المسألة، واعتبر أنه لا يمكن الذهاب لحرب إقليمية من دون موافقة الأطراف الكبرى، سواء بالنسبة إلى إسرائيل أو الفلسطينيين.
ويرى المصري أنه قد تكون أحد أسباب التصعيد والتهديد هو حالة من الضغط الإسرائيلي على الإدارة الأمريكية عبر مزيد من التوتير من أجل أن تمارس هذه الإدارة ضغوطا على الأطراف المؤثرة على مثل السلطة الفلسطينية وإيران.
وشدد على ضرورة أن تتروى المقاومة في أحاديث الحرب الشاملة، معتبرا أن التوترات التي تعيشها المنطقة منذ عام 2006 جعلتها تصل في كثير من الأحيان إلى حد إعلان الحرب من دون أن تحدث، والسبب في ذلك أنها لم تعد حربا غير مضمونة النتائج وتحديدا بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، في ظل واقع عدم ضمان تحقيق الاحتلال لأهدافه.
وقال: “لا يجب على المقاومة التهديد أنه وفي حال نفذ الاحتلال اغتيال قائد فإنها ستفجر الدنيا” معتبرا أن هذا يعكس مفارقة بين رد المقاومة على ما يفعله الاحتلال على الأرض بشكل يومي وبين ردها عند اغتيال القادة.
وختم قائلا: “الذهاب للحرب ليس قرارا سهلا، فله متطلبات كثيرة، أما الخطوط الحمراء التي تعلن عنها المقاومة فيجب أن تكون خطوطا حمراء بشكل جدي، وألا ترتبط باغتيال قائد من أي فصيل سياسي”.
وطالب فصائل المقاومة بأن تطبق فلسفة المقاومين الفيتناميون الذين كانوا يرفعون شعارا مضمونه “الحكي بصوت منخفض وتقديم أعمال مدوية”، معتبرا أن المقاومة ما زالت في مرحلة دنيا مقارنة مع الاحتلال، وهو ما يحتم عليها ألا تقفز قفزات كبيرة، وألا يجب دفع إسرائيل للحرب الشاملة، فما يناسب الحالة الفلسطينية هو حالة أقل من الحرب الشاملة، حالة من المواجهات وحرب العصابات”.
ومن قطاع غزة تحدثت الدكتورة مريم أبو دقة، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث حاولت الإجابة على سؤال: “ماذا يفعل الفلسطيني في مواجهة التهديد بالاغتيال؟”، فقالت إن الأمر الأول الذي يجب فعله يتمثل في إعادة الاعتبار للعمل السري والعسكري بشكل خاص.
وتابعت: “المقاومة الفلسطينية لا تعمل في أرض محررة، بل الاحتلال يسيطر على كل شيء، في حين تعمل هذه الفصائل وكأننا في جغرافيا من دون الاحتلال، وهو ما يحتم إعادة الاعتبار للعمل السري، فالمقاومة ليست جيشا نظاميا، فيما حربنا ضده حرب تحرير شعبية طويلة الأمد تقوم على قاعدة “اضرب واستمر””.
وتابعت أبو دقة أن هناك ضرورة للعمل على تعزيز الاشتباك بأكثر من محطة ومكان، بحيث تتجسد حالة نضالية كفاحية تجسد تناغم كل أنواع المقاومات وفي كل المحاور وهو ما يحقق تنويع ميادين الاشتباك.
وتابعت: “لا يجب علينا الانتظار لحل مشكلاتنا مثل حالة الانقسام، فهذا أمر صعب، أما الميدان فيخبرنا أنه يقرب الفلسطينيين من بعضهم بعضا، ويوحدهم”.
وعقبت على مسألة الخطاب السياسي ذي السقف المرتفع، مشددة على وجوب عدم تقديم أنفسنا بصورة كبيرة، فكما يقول القول المأثور: “لا يجب أن نضرب أنفسنا بحجر كبير”، “كما أن من يريد العمل يفترض به ألا يتحدث، وهو أمر يفترض أن يكون بناء على عمل نوعي مقاوم وعصاباتي في ظل امتلاكنا لوسائل قتال بدائية، يعززها امتلاك الفلسطيني إرادة القتال والمقاومة”.
وحول التهديد بالاغتيال قالت: “يبدو لنا أن الاحتلال يوحد صفوفه من خلال التهديد بقتلنا، واغتيال القيادات، وهو أمر يفعله طوال سنوات احتلاله، لكن المهم التأكيد عليه هو أنه عندما تتاح له فرصة اغتيالنا فإنه لا يفكر في أحد، وهو ما يجعل المعركة مع الاحتلال مفتوحة، يقابلها حتمية أن نكون جاهزين بدهاء المقاوم وذكائه الذي يدفعه إلى أخذ كل تهديد على محمل الجد”.
وختمت قائلة: “أما استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فهذه مسألة يجب منعها بشكل نهائي بين والمقاومين والنشطاء، هذا أمر يجب أن نفكر فيه بشكل جدي”.
أما الناشط السياسي عمر عساف، عضو التجمع الوطني الديمقراطي، فرأى أن التهديد بالاغتيال يأت في إطار التهديد في إطار الحرب الشاملة التي تطال القدس والأسرى والأرض الفلسطينية..الخ، مطالبا أن يتم التعامل معها من هذا المنطلق.
ويرى أن الحكومة الإسرائيلية التي تعمل وفق نظام توزيع الأدوار داخليا عبر استثمار التباينات التي تظهر بين المعسكرين الصهيونيين، معتبرا أن التعامل مع الاغتيالات والتهديد بها سيكون الكفة الراجحة فيه هو للمستوى الأمني.
وتابع عساف: “سينظر الأمن إلى زاوية التبعات التي تترتب على تنفيذ الاغتيالات، فإذا كانت ستذهب باتجاه الحرب الشاملة، فإن المستوى الأمني لن يغامر بالموافقة عليها، أما إذا كانت الاغتيال حدثا يمكن أن يمتص بردات فعل هنا أو هناك فإنهم سيذهبون إليه، فهم بحاجة إليها لترميم ما يسمى “تآكل الردع” وللحفاظ على الحكومة وتماسكها”.
وانتقد القيادة الفلسطينية قائلا: “المشكلة أننا إزاء قيادة فلسطينية مهزومة، فهذه إشكالية أولى، ويترتب عليها عدم توفر أي إمكان لتحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة مواجهة ومقاومة الاحتلال”.
وختم أن الفلسطينيين اليوم في مرحلة فرز، وأن المطلوب من كل القوى الفلسطينية المعنية بالتغيير الداخلي أن تلتقي وتجتمع وتعمل معا لإحداث التغيير، وهو ما يمكن من تعزيز قوة الفلسطيني سواء في مواجهة سياسة التهديد بالاغتيال أو مواجهة التطبيع العربي.
أما الدكتور وليد القدوة فاعتبر أن التهديد باغتيال القادة يأتي في إطار الحرب النفسية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني.
وعقب أنها فعلا لن تؤثر على خيار الفلسطيني المقاوم، وضرب مثالا في استشهاد القائد المقاوم الليبي عمر المختار، حيث تحول حدث اغتياله إلى حالة من تجذر المقاومة ضد الاستعمار، فزاد عنفوان المقاومة وتضاعفت قوتها ضد الاستعمار الإيطالي.
أما الباحثة آلاء هاشم فأكدت على ضرورة إعادة النظر في الخطاب السياسي الفلسطيني مع التهديد الإسرائيلي باغتيال القادة.
وقالت: “كلنا نتذكر تهديد القادة السياسيين في غزة بفعل كذا وكذا في حال فعل كذا وكذا، والنتيجة أن الاحتلال فعل كل ما خطط له، فيما لم تقم المقاومة بتنفيذ رفع سقف خطابها السياسي المقاومة”.
وعقب الباحث خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية- مسارات، بضرورة تبني إستراتيجية وطنية في مواجهة التهديد بالاغتيال وليس حالة من ردة الفعل الآنية.
وختم شاهين: “نحتاج حالة إستراتيجية شاملة ومتوافق عليها تحدد وتجيب عن أسئلة متى؟ وكيف؟ وأين؟ يمكن الرد على التصعيد الاحتلالي، في ظل أننا أمام تصعيد شامل في كل الضفة الغربية والقدس المحتلة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية