التهديد الإسرائيلي لإيران، لم يكن وليد التطورات الأخيرة في ملف الصفقة النووية، بل بدأ منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الآن، لكنه اشتد في الأيام الأخيرة، وأخذ طابع التهيؤ بالتنفيذ الفعلي على أرض الواقع؛ باستهداف منشآتها النووية، بالاستعانة بالقوة الجوية؛ لإنهاء طموحات إيران في امتلاك سلاح نووي، وتدمير البنى التحتية النووية الإيرانية.
كما أن إسرائيل، وعلى لسان جميع مسؤوليها، وبالذات رئيس أركان جيشها أفيف كوخافي؛ تؤكد على أنها عازمة على منع إيران من حيازة السلاح النووي. في المقابل؛ فإن أيا من هذه التهديدات لم ينفذ، إذا ما استثنينا العمليات المخابراتية التي نفذها الموساد في السنة الأخيرة، التي ألحقت ضررا في المنشآت النووية الإيرانية، لكنه لم يكن ضررا استراتيجيا، ولم يؤثر تأثيرا جديا وحاسما في برنامج إيران النووي، إذ أن برنامج إيران النووي يسير بخطوات متسارعة في التوسع في الإنشاء، وفي زيادة كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وتاليا بنسبة 60%، إضافة إلى مراكمة الخبرة في هذا الاتجاه.
في عام 2005 هددت إسرائيل إيران بضرب برنامجها النووي، لكنها لم تنفذه، وتاليا بعد عدة سنوات؛ عادت إلى النغمة ذاتها من التهديدات، وتحديدا في عام 2012، لكنها أيضا لم تنفذ تهديداتها. وتكاد لا تمر سنة، وربما لا يمر شهر، إلا ونسمع عن تهديد جديد إسرائيلي لإيران، لكنها كما هي العادة، لم تحَوله الى إجراء تنفيذي على أرض الواقع، ونقصد هنا عملا عسكريا مباشرا، باستخدام القوة الجوية، بما يشبه ما قامت به، قبل عدة عقود؛ من تدمير مفاعل تموز العراقي في 7 يونيو/حزيران 1981. الآن عادت إسرائيل لتهديد إيران بضرب برنامجها النووي بالقوة العسكرية المباشرة، أي القوة الجوية. أعتقد أن هذا التهديد، مستبعد جدا، أن يحدث؛ لأسباب تتعلق بالشكل السياسي المنتظر حدوثه في إيران، على صعيد المستقبل، من وجهة نظر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى الوضع الإقليمي والدولي، وبالأخص الوضع في الخليج العربي، وفي العراق وسوريا، وفي لبنان، لجهة ردود الأفعال الخارجة عن السيطرة، بما يعرض الكيان الإسرائيلي لخطر حقيقي، كما يعرض المصالح الأمريكية في تلك الدول؛ لأخطار حقيقية. بينما، في الوقت الحاضر، وفي السنوات التالية من هذا العقد، كل من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لا تحتاجان إلى عمل عسكري مباشر لمنع إيران، أو حرمانها من امتلاك القنبلة النووية؛ عندما تتم إعادة العمل بخطة العمل الشاملة والمشتركة للصفقة النووية بين القوى الدولية الكبرى وإيران، وهذا هو ما سوف يكون في الأشهر القليلة المقبلة. صحيح أن المفاوضات المقبلة حول الصفقة النووية، ليست سهلة أبداً.. هذه المفاوضات، مفاوضات الجولة السابعة، سوف تبدأ من جديد في سبتمبر/أيلول من هذا العام، أو قبله بقليل، عندما يتسلم رسميا إبراهيم رئيسي، الرئاسة في الثامن من أغسطس/آب.. ليتم بعدها تشكيل فريق تفاوض جديد. في حكم المؤكد سيكون فريق تفاوض متشددا؛ لذا سوف تكون مفاوضات عسيرة وصعبة؛ لكنها في النهاية؛ ستنجح في إعادة العمل بالصفقة النووية؛ لحاجة كل من إيران والولايات المتحدة لهذا النجاح.. الولايات المتحدة تحتاج له بشدة، وبوقت تحاول أن لا يطول كثيرا؛ لضمان المراقبة الدولية لبرنامج إيران النووي، وعودتها إلى الالتزام بما كانت عليه قبل انسحاب أمريكا ترامب من الصفقة النووية؛ بما يؤدي إلى الحيلولة بينها وبين صناعة القنبلة النووية. وتحاول الولايات المتحدة؛ تمديد زمن خطة العمل الشاملة والمشتركة، زمنا كافيا من وجهة نظر صانع القرار الأمريكي، كي يتيح لها الحركة بمرونة كافية؛ تساعدها في برمجة حساباتها في الداخل الإيراني؛ بمد الجسور الخفية فيه؛ لإحداث التغيير الذي تريد له أن يكون واقعا على الأرض، قبل نفاذ زمن الصفقة النووية، إنها بحق لعبة تشتبك فيها؛ المداخل والمخارج، في نوايا وخطط محملة بالأهداف المزدوجة في آن، وبمسارين متوازيين. أما ايران فهي من جانبها تسعى وتعمل وتريد أن تتم إعادة العمل بالصفقة النووية؛ للتخلص من ثقل العقوبات على اقتصادها المنهك أصلا، لكنها وفي الوقت ذاته تتعامل بصبر فريد؛ لانتزاع أكبر قدر من التنازلات الأمريكية، وتؤسس لقاعدة الانطلاق الحر لبرنامجها النووي بعد انتهاء زمن الصفقة، لذا، فإن إيران تحاول أن تقلص زمن الصفقة، بينما الولايات المتحدة تحاول أن يكون زمن الصفقة ليس قصيرا؛ أي ما يكفي لممارسة اللعبة الأخرى الموازية، التي تتمحور حول إمكانية تغيير الشكل السياسي في إيران. إسرائيل من وجهة نظري؛ لن تقوم بعمل عسكري مباشر، لتدمير منشآت إيران النووية، ليس الآن، ولا في المستقبل، الذي ينحسر في حدود المدى المتوسط، أو أكثر قليلا، والذي ربما يحمل لنا الكثير من التغيرات في المشهد السياسي في إيران وعموم المنطقة. في المقابل فإن إسرائيل تعمل بكثافة وقوة في مهاجمة برنامج إيران النووي، سواء بالهجوم السيبراني، أو بواسطة عملاء الموساد من الإيرانيين؛ كما حدث في تفجير منشأة نطنز النووية، التي تصنّع فيها أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وفي قتل عالم الذرة الإيراني في طهران العاصمة، وفي سرقة الإرشيف النووي الإيراني من قبل أحد الإيرانيين المتعامل مع الموساد، الذي ساعده في الخروج من إيران مساء يوم التسليم، حسب تصريح يوسي كوهين الرئيس السابق للموساد، وغير هذا الكثير في ظرف عام واحد.
الاختراق الإسرائيلي لمرافق ذات أهمية حيوية واستراتيجية إيرانية؛ يعني أن الوضع في الداخل الإيراني هش
هذا الاختراق الإسرائيلي للأمن الإيراني، وفي مرافق ذات أهمية حيوية واستراتيجية؛ يعني أن الوضع في الداخل الايراني هش، وقابل للاختراق، من جهة، ومن الجهة الثانية؛ يعكس وبوضوح تام، اهتزاز الداخل الإيراني، أي أنه لا يمثل كتلة صلبة غير قابلة للاختراق، بل العكس هو الصحيح، وإلا ما معنى؛ أن إيرانيين يتعاونون مع الموساد في مهاجمة مواقع ذات أهمية استراتيجية قصوى، وفي ظرف حساس كالذي تعيش فيه إيران في الوقت الحاضر، هذا يغذي ويقوي الاعتماد الأمريكي والإسرائيلي؛ على ما سوف يأتي به فعل الزمن من تغييرات، ونتحدث هنا عن الرؤية الأمريكية والإسرائيلية المبنية على التنبؤ المستقبلي في ما يخص الوضع الإيراني وتحولاته. الإيرانيون تعاملوا بذكاء وصبر استراتيجي، رغم العقوبات القاسية على بلدهم وتأثيراتها في شعوبهم خلال الثلاث سنوات المنصرمة. فقد استفادوا من حماقة الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية في إدارة ترامب؛ بتوظيف هذا الانسحاب، وهو حجة ساعدتهم كثيرا، إضافة إلى تغير البيئة السياسية في الإقليم وفي المجال الدولي؛ إذ، رفعوا درجة التخصيب، وزادوا من كمية المخزون منه، وراكموا الخبرة، وزادوا أجهزة الطرد المركزي المتطورة؛ وأصبحوا على بعد مرمى حجر من صناعة القنبلة النووية، ما وضع الولايات المتحدة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الموافقة على الشروط الإيرانية، أو القبول بإيران القنبلة النووية. نعتقد أن أمريكا سوف ترضخ في نهاية المشوار للمطالب الإيرانية، لأن خيارات استعمال القوة العسكرية، سواء من قبلها بصورة مباشرة، أو من قبل إسرائيل بضوء أخضر منها؛ أمر بعيد الاحتمال، إن لم نقل إنه مستحيل، وتلك هي الحقيقة التي لا غبار عليها، بسبب البيئة السياسية الإقليمية والدولية بجميع تحولاتها الحادة في الوقت الحاضر؛ وبروز قوى دولية ذات ثقل سياسي واقتصادي وعسكري، في مواجهة السياسة الأمريكية في المنطقة العربية وجوارها وفي العالم، لناحية مصالحها المتنامية (الصين وروسيا) هذا أولا، وثانيا؛ التوزيع المتعدد للبرنامج النووي الايراني، في عدة أمكنة من أرض إيران الشاسعة، والجبلية منها؛ ما يعني أن أي ضربة، مهما كانت قوتها وحجمها؛ فهي عاجزة عن القضاء على البرنامج كاملا. عليه فإن الحديث عن ضربات جوية إسرائيلية، الهدف منه، توجيه رسائل اطمئنان إلى أنظمة التطبيع العربي المجاني، الرسمي والسري، لدول المنطقة العربية، وإلى الداخل الإسرائيلي. ومن الجانب الثاني هناك تعاون استخباراتي إسرائيلي أمريكي باحتواء البرنامج والحيلولة دون بلوغه منصة صناعة القنبلة النووية، عبر العودة إلى خطة العمل الشاملة والمشتركة للصفقة النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى في العالم، وبالتوازي؛ تطلق الولايات المتحدة يد إسرائيل في العمل الاستخباراتي، وبالتعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين؛ لقص أذرع البرنامج الايراني قدر الاستطاعة، بدون ان يظهر الفعل الأمريكي في المشهد، بل الحرص على ان يظهر الاختلاف في الرؤيتين في الفعل والتنفيذ، بفعل قصدي هادف لخلط الأوراق وتضبيب الصور في المشهد. سوف تتواصل هذه اللعبة، وغيرها، خلال زمن الصفقة النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى، التي سيتم إبرامها في الأشهر القليلة المقبلة.
الولايات المتحدة واسرائيل تعملان على صناعة واقع جديد في إيران، حسب رؤيتهم لهذا الوضع وتحولاته المستقبلية، لذا، ستنتظران فعل الزمن المشحون بأعمالهم المنتجة قصديا؛ ما سوف يأتي به الغد، بعد عقد أو أكثر من الآن..
كاتب عراقي
منذ أربعين سنة وأنا أسمع بأن أمريكا وإسرائيل ستزيحان إيران من الخارطه وإن إيران ستمحو إسرائيل من الوجود. النتيجه إن أنظمه زالت و دولا سيطرت عليها إيران بدلاً من زوالها هي.