الرباط ـ ‘القدس العربي’ من محمود معروف: يعاني الاقتصاد المغربي من ظاهرة التهريب بمختلف اشكاله، مما يزيد من تفاقم ازمته التي ولدتها تداعيات الازمة المالية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاديات الاوروبية او من سوء التدبير خلال السنوات الماضية بالاضافة الى التهرب الضريبي والريع. وتحتل ظاهرة تهريب الاموال رأس قائمة الحكومة المغربية، وقال نزار بركة وزير المالية والاقتصاد المغربي ان لدى حكومـة بلاده عزيمة قوية لمحاربـة الظاهرة، بجميع أشكالها وتـفعيــل أنجـع الوســائل والمساطـر للحد منهـا بعد ان بات ‘الحد من مصادر التهريب، متمثلة في تضخيم الفواتير عند الاستيراد وعدم احترام الآجال القانونية لاسترجاع قيمة المواد والخدمات المصدرة’ ضرورة لحماية الاقتصاد الوطني. واضاف بركة امام البرلمان اول امس الاثنين، إن تهريب الأموال ظاهـــرة مشتركــة بين مختـلف دول، نظرا لكثافة الأنشطة الإنسانية، خاصة تلك المرتبطة بالمجال الاقتصادي والمالي، سواء تعلق الأمرُ بالمشروعة منها؛ كالتبادل التجاري والمالي أو غير المشروعة، والتي تتحقق ضدا عن المقتضيات القانونية. وأوضح أن الظاهرة تتجسدُ في الاتجار الدولي بالمخدرات، ومحاصيل التهرب الضريبي، وتبييض الأموال، والتحويلات غير القانونية، وقال ان ‘التنـافس الاقتصادي وتفاوت الفرص التي تتيحهــا الدول للاستثمار الأجنبي عن طــريق الامتيازات الضريبيـة وخفض التكلفـــة المـالية للتـمـويل’، التي قــد تكـــون في بعض الأحيــان سببا لهجــرة الأمــوال من منطقـــة إلى أخــرى من العالم. وقال الوزير المغربي ان بلاده فطنت في السنـوات العشـر الماضيـة لما يشكــله تهريب الأموال من خطر على أمنه واستقراره الاقـتصادي، فلجأت إلى إبرام اتفاقيات في إطار الأمم المتحدة، للحد من الآثار السلبية لتهريب الأموال، دون المس بمبدأ حرية تنقل الأشخــاص والأمــوال ذات المصدر المشروع. واعتبر نزار بركة ان الأرقام المقدمة بخصوص تهريب الاموال، غير دقيقة، حيث يتم احتساب موجودات المغاربة المهاجرين بالخارج والأرباح المرخص بها للمقاولات والشركات الأجنبية، وغيرها في القيمة الإجمالية لهذه الأموال. واقر نزار بركة، بأن الحدود المغربية مع الجزائر، تتخللها عدة نقط اختراق طرقي عبر قرى وتجمعات سكنية تتواجد على الشريط الحدودي، وقال ان هذه المنطقة تشكل مسرحاً لعمليات تهريب مختلف المواد الإستهلاكية، التي يمثل البنزين أخطرها فضلاً عن تهريب مواد أخرى كالأدوية والمنتوجات الفلاحية والصناعية وحديد البناء. واعتبر أن ‘وتيرة تهريب المواد الإستهلاكية وغيرها تعرف تفاوتاً على حسب المادة المهربة حيث أن تهريب بعض المواد ينشط في مواسم معينة نتيجة ارتفاع الطلب عليها لاستهلاكها، كموسم الشتاء وشهر رمضان بالنسبة للقطاني والتوابل’. وقال ‘إن عملية تهريب الوقود لا تفتر طيلة السنة نتيجة الطلب المتزايد على هذه المادة وتشتد في موسم الصيف بفعل الرواج السياحي الذي تعرفه المنطقة الشرقية لبلادنا’، مشيرا أن تفاقم ظاهرة تهريب هذه المادة الأكثر حيوية بالجهة الشرقية إلى تاريخ إغلاق الحدود البرية مع الجزائر أواخر الثمانينات وارتفاع وثيرة نمو الطلب بالسوق الاستهلاكية المحلية مدفوعة بثمن الوقود المهرب مقارنة مع نظيره الوطني’. وأضاف الوزير المغربي ‘أن الجمارك تعمل على مستوى الخطوط الخلفية من خلال تنظيم عمليات تدخل مستهدفة، علماً أن الخطوط الأمامية تخضع للحراسة العسكرية’ ويهدف هذا التدخل ‘إلى محاولة الحيلولة دون دخول السيارات المحملة بوقود التهريب إلى المدارات الحضرية وحصرها بعيداً عن التجمعات السكنية والطرق المستعملة من طرف المواطنين، لما تشكله هذه السيارات من خطورة على السلامة والأمن العام’. وقال ‘يتعمد هؤلاء في أحيانٍ عديدة إلى إشعال النار في السيارات المحملة بالوقود أو الإصطدام بسيارات المصلحة لترهيب أعوان الجمارك والمواطنين من مستعملي الطرق الذين يشكلون غالباً ضحايا هذه الحوادث’. وقال تقرير لاسبوعية الحياة الاقتصادية المغربية ان السلطات ضاعفت جهودها في السنوات الأخيرة، من أجل مراقبة أنشطة التهريب. وهو ما كان لهُ انعكاسٌ مباشر على السوق، ففي 2012، موضحا أن سعر المحروقات في مدينة وجدة المستقدمة من السوق الجزائرية شهدت ارتفاعاً، فمن 120 درهماً لبرميل تبلغ سعته 30 لتراً، تجاوز السعر 200 درهم في الشرق. واضاف ان الزيادة التي عرفها سعر المحروقات في المغرب، شهر حزيران/ يونيو 2012، جعل التهريب يستعيد عافيته على عجل، بالنظر إلى بيعه، وفق تقديرات رسمية، ما بين 3 و4 دراهم للتر الواحد، أي أقل بكثير من الثمن الذي يسوق به في المحطات المرخص لها، ووفق التقديرات، فإن في منطقة وجدة لوحدها، صادرت السلطات المغربية ما يزيد عن مليون لتر من المحروقات المهربة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، في حين لم يتخط ما صادرته في سنة 2012 بأكملها 1.2 مليون لتر. أما بالنسبة إلى سيارات التهريب التي تم حجزها فبلغ عددها 850 في الأشهر الخمسة الأولى لسنة 2013، بخلاف 1200 عربة في 2012، لكن عمليات الحجز هاته تبدُو رديفةً لسيزيف في سعيه إلى إيصال صخرته. وحسب نفس المصادر فإن انخفاض مبيعات البترول، منذ بداية السنة، مردهُ إلى التهريب، في جانب منه، بحيث تظهر معطيات جزائرية رسمية، أن تهريب المحروقات صوب المغرب يدر شهرياً ما بين 3.5 و4.2 مليون دُولار شهرياً. وفيما يتعلق بتهريب السجائر الواردة من دول افريقية ومن الجزائر فلقد بلغت في اذار/ مارس الماضي، 3 مليارات درهم (350 مليون دولار) فيما تشيرُ المعطيات الرسمية المتوفرة إلى أن التهريب يكبدُ الصناعة الوطنية، خسارةً تربُو على 16 مليار درهم سنوياً، الى جانب الخسائر التي يولدها التهريب من امتناع المستثمرين عن المغامرة في تصنيع المواد المشابهة للمواد المهربة.