في تسارع مع الزمن تسعى حكومة “نفتالي بينت” الإسرائيلية الى استكمال فرض الامر التهويدي في الداخل الفلسطيني؛ والمشهد يتكرر في منطقة النقب وفي مقبرة بلد الشيخ في قضاء مدينة حيفا وغيرها من المقابر؛ ومحاولة منها لاختلاق رواية صهيونية؛ سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تزوير وتهويد المعالم الإسلامية في فلسطين، وفي المقدمة منها المساجد؛ ويلحظ المتابع للسياسات الإسرائيلية تجاه المساجد في فلسطين أنها كانت محكمة ومدروسة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، التي قامت بالسيطرة المتدرجة على أراضي الوقف الإسلامي؛ حيث بلغت مساحته عشية نكبة عام 1948 نحو (179) ألف دونم.
المخططات
قامت إسرائيل بوضع خطط منذ إنشائها لمصادرة وتهويد أراضي الوقف الإسلامي والممتلكات والمواقع الملحقة، ولهذا اتبعت سياسات محددة يمكن إجمالها بما يلي:
حلت إسرائيل المجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الأوقاف الإسلامية؛ كما أصدرت قوانين جائرة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ومن بينها ما يسمى قانون أملاك الغائبين، وسيطرت السلطات الإسرائيلية من خلاله على ممتلكات الأوقاف، إضافة إلى ذلك تم إنشاء ما يسمى سلطة التطوير الإسرائيلية التي وضعت يدها على الأوقاف الإسلامية، من خلال شراء تلك الأوقاف من حارس أملاك الغائبين، الأمر الذي جعل القسم الأكبر من الأوقاف الإسلامية تحت سيطرة سلطة التطوير.
ومع استمرار عمليات إحراق المساجد في الداخل الفلسطيني؛ بدعم من قبل الجيش الإسرائيلي للمجموعات الإرهابية المشرفة على ذلك؛ يتأكد بكل وضوح مدى إصرار إسرائيل على ترسيخ فكرة يهودية الدولة بعد قوننتها قبل عدة سنوات ؛عبر تهويد المساجد ، بغرض فرض الرواية الصهيونية – الإسرائيلية المزيفة.
أملاك الغائبين
يمكن الجزم أن السياسات الإسرائيلية السابقة كانت بمثابة مقدمات لتدمير وتهويد المساجد في الداخل الفلسطيني؛ وقد عزز التوجه الصهيوني القانون الصهيوني الصادر في عام 1953، والذي بموجبه تم تبرير المبيعات من قبل حرس أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير، وذلك بغية قوننة المصادرة للأملاك والأوقاف الإسلامية؛ كما يحدث أخيراً في مقبرة بلد الشيخ والأوقاف في مدينة حيفا. وتبعاً لسياساتها التهويدية؛ استطاعت إسرائيل هدم وتدمير (130) مسجداً خلال الفترة الممتدة خلال الاعوام (1948-1967)، وتمثل (41.5) في المائة من إجمالي عدد المساجد في الداخل الفلسطيني، التي وصل عددها إلى 313 مسجداً، إضافة إلى ذلك بات نحو8400 معلم عربي إسلامي في مواجهة سياسة التزوير والهدم الإسرائيلية.
ومن الإجراءات التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية لتهويد المقدسات الإسلامية وفي المقدمة منها المساجد؛ القيام بحملة واسعة النطاق طالت عددا كبيرا من المساجد والمقابر الإسلامية في الداخل الفلسطيني، وتمّ تحويل مسجد بئر السبع إلى متحف للآثار، وكذلك هي الحال بالنسبة لمسجد صفد في الجليل الفلسطيني. وحولت السلطات الإسرائيلية مسجد قرية قيسارية في قضاء حيفا على الساحل الفلسطيني إلى خمارة للشباب اليهود، في حين تمّ تحويل مسجد ظاهر العمر في مدينة طبريا في الجليل إلى مطعم، أما مسجد قرية عين حوض في قضاء حيفا عروس الساحل الفلسطيني ؛والذي لا يبعد أهل القرية عنه سوى أمتار قليلة، فبات مرقصاً ليلياً لليهود.
عز الدين القسام
وفي مدينة حيفا حوّل الجيش الإسرائيلي مقبرة الاستقلال هناك إلى حي سكني لليهود. وثمة محاولات حثيثة من قبل إسرائيل منذ سبعينيات القرن المنصرم لهدم مقبرة قرية بلد الشيخ في جنوب شرق مدينة حيفا على سفح جبل الكرمل ، حيث يوجد ضريح الشهيد المجاهد الكبير عز الدين القسام، الذي استشهد في أحراج يعبد قضاء جنين في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1935، وهو المجاهد الذي أسس لثورة فلسطين الكبرى عام 1936. لكن لم تستطع إسرائيل تدمير المقبرة وجرف ضريح المجاهد عز الدين القسام، بسبب الوقفات من قبل الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني والحراكات الشعبية الفلسطينية الدورية، كما كان لمؤسسة الأقصى قبل إغلاقها الدور البالغ في ذلك .
استمرت إسرائيل بتنفيذ مخططاتها ، حيث قامت بجرف العديد من المقابر الإسلامية في عكا ويافا والأقضية محاولة تهويد المنطقة. إضافة إلى سياسة هدم المقابر والمساجد وجرفها، قام الجيش الإسرائيلي؛ تحت حجج أمنية وتطويرية؛ بتحويل المساجد المقامة التي لم يستطع هدمها في الداخل الفلسطيني إلى معابد لليهود.
وتشير الدراسات المتخصصة إلى أن الجيش الإسرائيلي حوّل 14 مسجداً إلى معابد يهودية، ومنع المسلمين من الصلاة في عشرين مسجدا، لتحول فيما بعد إلى مرتع للقمار أو مطعم أو حظيرة خنازير أو خراف، مثل مسجد البصة ومسجد عين الزيتون في قضاء مدينة صفد، وهناك ستون مسجداً ومقامًا إما مغلقا أو مهملا أو مهددا بالهدم والإزالة من الوجود في الداخل الفلسطيني .
لم تتوقف سياسة تهويد المساجد عند حدود المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، بل تعدت ذلك لتطال المساجد في الضفة الغربية، فخلال نحو خمسة وخمسين عاماً من الاحتلال للضفة الغربية بما فيها القسم الشرقي من القدس، حصلت اعتداءات متكررة على العشرات من المساجد، وبشكل خاص المسجد الأقصى في القدس، والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وكان من أبرز تلك الاعتداءات محاولة إحراق الأقصى في عام 1969، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1993.
بعد هذا العرض للسياسات الإسرائيلية تجاه المقدسات الإسلامية في فلسطين؛ وفي المقدمة منها المساجد؛ والتي أدت إلى تدمير العشرات منها، فضلاً عن تغيير أسماء المواقع المقدسة الأخرى، وكذلك محاولات حكومة بينت تهويد ما تبقى منها، تحتم الضرورة الإسراع في حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين وفي المقدمة منها المساجد، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس ومعالمها التاريخية المقدسة؛ ومدينة الخليل. وقد يكون من باب أولى توحيد الخطاب العربي والإسلامي إزاء خطر السياسات الإسرائيلية التي تهدد المساجد في فلسطين التاريخية، فضلاً عن مطالبة المنظمات الدولية ذات الصلة، بالحفاظ على دور العبادة والمقدسات عبر الضغط على إسرائيل وانصياعها للقرارات الدولية والأعراف الخاصة بالمقدسات والأوابد التاريخية.
كاتب فلسطيني
المقاومة الفلسطينية بغزة حررت القطاع كاملاً 100% بدون مستوطنات, أو بؤر إستيطانية!
لماذا لا يكون الوضع كذلك بالضفة الغربية؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
إنما يعمّر مساجد الله من آمن بالله…، ويدمرها من زعم أنه “شعب الله المختار”، وبين التعمير والتدمير جولات بين الحق والباطل حتى يحرر شعب فلسطين وطنه المختار بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.