تعد رسالة «التوابع والزوابع» لابن شهيد الأندلسي (382هـ/ 426هـ) من الكلاسيكيات اللافتة في الأدب العربي. وقد وجه ابن شهيد رسالته إلى صديقه أبوبكر بن حزم، وأخبره أنه مات له قريب فرثاه بشعره، لكنه ارتج عليه، وإذا بجني اسمه زهير بن نمير يتمثل له ويكمل له أبياته ثم صار صاحبه بعد ذلك، فسأله أن يصحبه في رحلة إلى أرض التوابع والزوابع فأخذه على فرسه وطار به إلى أرض الجن.
والتوابع مفردها تابعة ومعناها الجني والزوابع مفردها زابعة ومعناها الشيطان.
وهذه الرسالة تتكون من أربع كتل سردية يسلم بعضها إلى بعض: الكتلة السردية الأولى عبارة عن حوار مع شياطين الشعراء، والكتلة السردية الثانية هي حوار مع شياطين الكتاب، والكتلة السردية الثالثة حوار مع نقاد الجن في حين جاءت الكتلة السردية الرابعة والأخيرة حوارا مع حيوانات الجن، وجاءت هذه الكتل السردية الأربع ضمن إطار من السرد القصصي المتماسك.
ومن هنا فإن القائم بالرحلة هو الراوي الذي يتماهى مع ابن شهيد نفسه، ومعه شيطانه زهير بن نمير، الذي ينهض بدور المساعد والمعين على هذه الرحلة العجيبة.
ومن المعروف أن المفهوم العربي عن الشعر كان يسنده إلى قوى مفارقة للعالم الإنساني تنتمي لعالم الجن، ولذا جعلوا لكل شاعر شيطانا يلهمه الشعر. وقد عاش ابن شهيد الأندلسي في قرطبة وأدرك عصر الفتنة 399هـ / 422هـ الذي انتهى بسقوطها. وقد تعرض لغبن كبير من أدباء عصره، فقام بهذه الرحلة الخيالية التي انتزع فيها اعترافا واضحا بموهبته الأدبية الفذة من أساطين الإبداع العربي وأساتذته الكبار. وبذا يتضح أن الهدف الأساسي من هذه الرسالة هو التصدي لهؤلاء الخصوم، وإثبات تفوقه اللافت في فن القول. وقد رصد ابن شهيد الكتلة السردية الأولى للقاء شياطين الشعراء الكبار، مثل شيطان امرؤ القيس وطرفة بن العبد وقيس بن الخطيم وأبو نواس والبحتري وأبو تمام والمتنبي، وأقام معهم حوارا شعريا استمع لهم واستمعوا له وأجازوه شاعرا كبيرا.
أما الكتلة السردية الثانية فقد رصدها للقاء شياطين الكتاب مثل شيطان الجاحظ وعبد الحميد الكاتب وغيرهما، وقد حصل على إجازتهم له في عالم الكتابة النثرية. أما الكتلة السردية الثالثة فقد رصدها الكاتب للحوار مع نقاد الجن، وفي هذه الكتلة السردية تجلت قدرة ابن شهيد النقدية الواضحة أيضا، وكشفت هذه الحوارات عن حس نقدي مرتفع. وفي النهاية جاءت الكتلة السردية الرابعة فحاور فيها الراوي حيوانات الجن مثل البغل والحمار والإوزة، واستمع إلى أدبهم.
وعلى الرغم من أن فن الرسائل فن شهير في الأدب العربي فإنه عند قراءة هذه الرسالة يستطيع القارئ أن يلمس بسهولة تراسلها مع أنواع أدبية أخرى، لكن هذه الأنواع الأدبية المختلفة سلكها الكاتب ضمن تيار الفن القصصي.
وعلى الرغم من أن فن الرسائل فن شهير في الأدب العربي فإنه عند قراءة هذه الرسالة يستطيع القارئ أن يلمس بسهولة تراسلها مع أنواع أدبية أخرى، لكن هذه الأنواع الأدبية المختلفة سلكها الكاتب ضمن تيار الفن القصصي. وقد ظهرت سمات الفن القصصي في هذه الرسالة بوضوح، فوجدنا راويا مشاركا من بدايتها حتى نهايتها لديه سلطة الحكي، ووجدنا تشكيلات فنية للشخصيات، ووجدنا لغة السرد ولغة الحوار ولغة الوصف مع تشكيلات مكانية وزمانية يستطيع القارئ أن يلمسها بوضوح، فضلا عن الحدث المتطور فيها. وكانت لهذه البنية القصصية قدرة كبيرة ومرونة في استيعاب فن الشعر، الذي بدا حاضرا بقوة، خصوصا في كتلتها السردية الأولى، التي رصدها الكاتب للقاء شياطين الشعراء والاستماع إلى شعرهم واستماعهم إلى شعره وإجازتهم له، ورأينا فن الرسائل وفن المقامات وقصص الحيوان. وقد ظهرت في هذه الرسالة الثقافة الواضحة للكاتب ومعرفته بفنون القول في الأدب العربي. كما سجلت هذه الرسالة تعددية صوتية واضحة، فقد حفلت بالشخصيات المختلفة، ونقلت أصواتهم ورؤيتهم للعالم. وعلى الرغم من أن ابن شهيد كان يعيش في قرطبة في أرض الأندلس، وقد لاقى عنتا شديدا من أدبائها، فإن الأصوات المهيمنة في هذه الرسالة أصوات مشرقية، ولها حضور كبير جدا في الذاكرة الجماعية للأمة العربية، ما يكشف عن طموح كبير من صاحبها لمنافسة هؤلاء الكبار وإثبات تفوقه الإبداعي وأخذ الاعتراف منهم بذلك، مما يقيم الحجة الدامغة على أدباء عصره.
وتعد هذه الرسالة ردا تصويريا على منافسيه، وكان اختياره لشعراء من العصر الجاهلي والعباسي، ذا دلالة خاصة على احترامه الكبير لمن ذكرهم من شعراء هذين العصرين اللذين يمثلان قمة لا تضارع في الإبداع الشعري العربي. كما تظهر بوضوح ثيمة الرحلة في هذه الرسالة، وهي ثيمة لها حضور كثيف في الأدب العالمي، وكانت الرحلة هنا رحلة لافتة، لأنها رحلة إلى عالم الجن وما يمثله من غواية للبشر، وهي رحلة أفقية، وليست سماوية، لأنها من أرض لأرض حتى وصل صاحبها إلى أرض الجن. ومن هنا فإن الاتساع المكاني لا نعدمه فيها، حيث قطع الراوي مع صاحبه الجني مسافات مهولة من أجل الوصول إلى أرض الجن. وكانت أداة الرحلة هي الحصان، وما يتميز به من سرعة فائقة، جعلته يتراسل مع صورة الحصان الطائر في الميثولوجيات القديمة، واستطاع به أن يتغلب على هذه المسافات المهولة. وكان المعين على الرحلة هو ذلك الجني الصديق زهير بن نمير الذي كان معينا مطيعا للراوي، وعلى علاقة حسنة جدا معه. وقد سجلت هذه الرسالة اهتماما كبيرا باللغة، وتميزت بالتنوع في مستويات اللغة، وكانت سمة السجع سمة حاضرة جدا فيها.
وكان للخيال دوره الكبير في هذا النص، وهو خيال يتراسل مع مخزون التراث العربي، ذلك التراث الذي يجعل للجن حضورا مميزا، ويرى إمكانية لقائه والحديث معه بسهولة. وعلى الرغم من أن فن الرسالة معروف لدى العرب، فإن هذه الرسالة لا تأتي على النمط المعروف لفن الرسائل، وإنما جاءت نصا قصصيا يحمل في تياره العام ملامح فنون أخرى. ومن هنا فإنه يمكن القول إن رسالة التوابع والزوابع شكل جديد لكن له اسم قديم.
كاتب مصري
مقال متميز يحسن استثمار المناهج الحديثة ومفاهيمها ومصطلحاتها، ويوظفها في قراءة نص أدبي تراثي دون أن يحمله ما لايحتمل، أو يقوله ما لايختزنه من دلالات قابعة في بنيته النصية.
لولا تعليق الأخ أحمد عزيز لم أكتب عن رسالة الزوابع والتوابع لابن شُهيد الأندلسيّ.أمامي نسخة دار صادر للبستانيّ الطبعة الأولى…وسبق أنْ قرأت الرسالة لمرّتين.اسمها أكبر من قيمتها.ولا أتفق معك أخي الكريم باستثمارها في
مناهج التربيّة والتعليم…فهي تتناول حوارات افتراضيّة مع عالم الجنّ المنتمي إلى عالم الخيال.التربيّة والتعليم: علم
لا جنّ.هي تصلح للتسليّة وفيها أبيات شعريّة أندلسيّة ومقلدة لشعر المشارقة.ومؤلفها لا يُحتذى به؛ فهو ماجن متهتك معاقر لصاحبات الرايات الحمر…لذلك أصيب بأمراض ( الجنس ) وتوفّي عن عمر44 سنة.ليس كلّ التراث يصلح.
لا تنسى: نحن الآن في الثلث الأوّل من القرن الحادي والعشرين الميلاديّ؛ ياصاح؟