التوتر يخيم على كاليدونيا الجديدة على وقع أزمة متعددة العوامل تضرب هذا الأرخبيل الفرنسي

آدم جابر
حجم الخط
0

ما تزال أعمال العنف غير المسبوقة التي بدأت منذ يوم الإثنين الماضي تسود شوارع كاليدونيا الجديدة، على وقع الاحتجاجات الرافضة لإصلاح انتخابي تريده باريس، طعن فيه ممثلو السّكان الأصليين.

باريس ـ «القدس العربي»: ما يزال التّوتر سيدَ الموقف في كاليدونيا الجديدة التي وقعت منذ يوم الإثنين الماضي في خضم اندلاع أعمال عنف غير مسبوقة منذ أوائل الثمانينات، على وقع الاحتجاجات الرافضة لإصلاح انتخابي تريده باريس، طعن فيه ممثلو السّكان الأصليين لهذا الأرخبيل الفرنسي الواقع بجنوب المحيط الهادئ.

وأشعل شرارة هذا الغضب إصلاح الهيئة الانتخابية المحلية الذي تدرسه الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس والذي يهدف إلى توسيع القاعدة الانتخابية في انتخابات الأقاليم. وهو إصلاحٌ يحظى بتأييد معسكر الرافضين لاستقلال كاليدونيا الجديدة عن فرنسا التي استعمرتها في القرن الـ19 بينما يعترض عليه مُعكسر الانفصاليين، الذي يعتبر أن باريس تريد من هذه المراجعة الدستورية إضعاف شعب الكاناك الأصلي، الذي جرد من أراضيه أثناء استعمار الأرخبيل في عام 1853 من خلال إعطاء تمثيل أكبر للسكان القادمين من فرنسا.
ومنذ اتفاق نوميا (عاصمة كاليدونيا الجديدة) الموقع في الخامس من أيار/مايو عام 1998 لا يمكن إلا للأشخاص الذين يحملون جنسية كاليدونيا الجديدة وفقا لمعايير محددة المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات الإقليمية. على سبيل المثال، من الضروري أن تكون قد عشت في كاليدونيا الجديدة بين عامي 1988 و1998 أو أن تكون ابنًا لأحد الوالدين الذي يستوفي هذا الشرط للانضمام إلى لائحة الناخبين.
ويتعين أن تضمن هذه القواعد التمثيل المناسب لشعب الكاناك، السكان الأصليين، الذين يمثلون 41 في المئة من سكان كاليدونيا الجديدة، وفقاً لمعهد الإحصاء في كاليدونيا الجديدة. ونتيجة لذلك، أصبح الآن حوالي واحد من كل خمسة مواطنين مستبعدا من العملية الانتخابية. وارتفعت النسبة من نحو 7 في المئة من السكان عام 1999 إلى نحو 19 في المئة عام 2023 حسبما يؤكد مجلس الشيوخ الفرنسي. وهو وضع «مخالف للمبادئ الديمقراطية وقيم الجمهورية الفرنسية» حسب وزير الداخلية جيرار دارمانان. ويَنصّ الإصلاح الدستوري الذي صوتت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية في 15 أيار/مايو الجاري على رفع هذا القيد من خلال فتح حق التصويت للمقيمين الموجودين في الأرخبيل لمدة عشر سنوات على الأقل.
ويرى الانفصاليون أن هذا الإصلاح لا يحترم اتفاق نوميا، الأمر الذي دفعهم إلى دعوة أنصارهم إلى النزول إلى الشوارع لإسماع صوتهم. بدأت الاشتباكات الأولى بين المتظاهرين وقوات الأمن يوم الاثنين الماضي على هامش مسيرة داعية للاستقلال، وأدت أعمال الشغب هذه إلى سقوط قتلى وجرحى.
وفي مواجهة الوضع الذي اعتبره المفوض السامي للجمهورية في كاليدونيا الجديدة «تمردا» تم إعلان حالة الطوارئ، ونشر مئات عناصر الشرطة، ومُنعت كل التجمعات في نوميا وكذلك حمل الأسلحة وبيع المشروبات الكحولية في الأرخبيل وتم إغلاق المدارس المتوسطة والثانوية حتى إشعار آخر.
ويثير نقص السلع في الأرخبيل بسبب أعمال العنف مخاوف كبيرة من استمرار أعمال العنف والشغب. فأعمال الشغب هذه تحدث أيضًا في سياق الأزمة الاقتصادية، إذ يشهد قطاع النيكل، وهو أكبر قطاع توظيف في الإقليم، أزمة عالمية خطيرة مرتبطة بانخفاض الأسعار. واقترحت الحكومة «اتفاق النيكل» لكن الانفصاليين رفضوه، معتبرين أن التعويض مهم للغاية بالنسبة للأرخبيل.
كما ما تزال أوجه عدم المساواة صارخة بين شعب الكاناك وبقية السكان. فوفقا لتقييم اتفاق نوميا، يظل مؤشر التعليم للكاناك أقل من نظيره للأوروبيين. وفي الشركات، بلغت حصة الكاناك بين المديرين التنفيذيين 11.6 في المئة فقط في عام 2019 وبالنسبة لشباب الكاناك، من الصعب جدًا دائمًا العثور على عمل، كما يقول متحدثون باسمهم.
في مواجهة التوترات، أعلن إيمانويل ماكرون عن تأجيل موعد انعقاد الكونغرس الذي يجب أن يصادق على الإصلاح الدستوري في قصر فرساي العريق، في مسعى منه لتخفيف التوترات، ولإعطاء فرصة أخيرة للمفاوضات بشأن مستقبل كاليدونيا الجديدة. واقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة كلّ الأطراف في كاليدونيا الجديدة إلى باريس لعقد اجتماع يهدف إلى إعادة إطلاق الحوار حول المستقبل المؤسسي للأرخبيل، بما في ذلك مسألة الناخبين.
لكن خطر تسريع الجدول الزمني ما يزال قائما.
وتجدر الإشارة إلى أن تمثيل شعب الكاناك كان دائمًا في قلب النضال من أجل استقلال كاليدونيا الجديدة عن الدولة الفرنسية. ويتميز تاريخ كاليدونيا الجديدة بالثورات المناهضة للاستعمار. وعندما استولت باريس على هذه المنطقة التي يسكنها الكاناك عام 1853 حولتها إلى مستعمرة استيطانية، مثل الجزائر، قامت ببناء سجون هناك وأرسلت معارضين سياسيين. وفي عام 1878 اندلعت ثورة الكاناك الكبرى ضد استيلاء الأوروبيين على الأراضي.
وفي الآونة الأخيرة، تميزت فترة الثمانينات بأعمال عنف جديدة بين الكاناك والكالدوش (استقر الأوروبيون في كاليدونيا) والتي بلغت ذروتها باحتجاز رهائن من رجال الدرك والهجوم على كهف أوفيا في ايار/مايو 1988 والذي قُتل خلاله 19 من مقاتلي الكاناك واثنين من الفرنسيين. وفي حزيران/يونيو من العام نفسه، كان التوقيع على اتفاقيات ماتينيون بمثابة خطوة أولى في المصالحة وأدى إلى فترة من الهدوء.
ويرى مراقبون أن الطريق للخروج من الأزمة يمر عبر حوار السلطة التنفيذية مع الجهات المحلية المعنية، بما في ذلك رؤساء بلديات كاليدونيا الجديدة الذين هم على اتصال مباشر مع الناس. ويعتبر محللون أن مشروع القانون الذي أقرته الجمعية الوطنية يوم الثلاثاء الماضي له «قيمة ديمقراطية محدودة للغاية في الوقت الحالي».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية