التونسية منى خصخوصي تجهز على النسيج باعتماد اللون الدلالي

ترتكز التجربة التشكيلية للفنانة منى خصخوصي على نمط تجريدي تتقصد به خامات من النسيج على نحو من الإشكاليات الجمالية، التي تُطرح ضمن سياق اختلاف الخامات وتوافقها مع الاتجاهات التشكيلية، فالمبدعة تمتح مقومات أعمالها من هذا المنطلق الإشكالي، ومن الانفعال الباطني، حيث تتبدى أعمالها وصفا يعبر عن معان ذهنية وتصورات فنية، باعتبارها دكتورة متخصصة في جماليات الفنون في تونس، وقد قادتها تجربتها العلمية والمعرفية والممارساتية إلى اختيارات فنية وجمالية ذات مغزى عميق، إذ أن معظم تشكيلاتها تنزاح أحيانا نحو المبهم، مما يطرح إشكالية جمالية على مستوى الشكل، فبصنعها مجالا لونيا من النسيج وفق مسالك تعبيرية، وصياغتها في قوالب جمالية ذات الألوان المخففة والتنظيم الجمالي المحدد؛ يسعفها لتنتج منها المادة التعبيرية. ثم تشكل منها مواد رمزية هي أقرب للفصح عن ما ورائيات تعبيراتها التي تضمر معاني كثيرة، حيث تتستر بعض المضامين وراء حجب اللون وطرائق تشكيله في النسيج.
وللتدليل على بعض الإشكالات، تعمد إلى روابط علائقية لتشكيل الفضاء، وفق توازنات فنية قوامها اللون والرمزية الشكلية، التي تتراءى بين كتل من العلامات اللونية وما يحدثه النسيج من خربشات تتمظهر على قيم السطح بشكلها التقليدي الجميل.
ولا شك في أن المبدعة تسخر لعملية البناء عُدة من الأدوات التشكيلية، وتوظيف بعض التقنيات لإنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، خاصة منها النسيج واللون، فقد تحضر في اللوحة الواحدة مادتان مختلفتان، فتجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع طبعها بمساحات محجبة، وبذلك تفصح عن التراكمات الرمزية، والأشكال والدلالات المتنوعة، التي تؤصل لفلسفة قيمية تستجيب لضرورات العمل، حتى يتفاعل مع المحيط المحلي، ومع الشكل الفني المعاصر. وهو ما يحيل إلى أن ريشة المبدعة ترتهن بالمسار الكلاسيكي وتستهدف التوظيف الجمالي للألوان، واكتساح المساحات بعفوية وتلقائية، مع تمرير شحنات تراثية داخل الشكل الذي يخضع إلى عملية التنظيم الفارقي.
ويتبدى أن هذا التأطير يأتي في سياق تجربة فنية عالمة للمبدعة، التي تجمع بين الجانب العلمي والمعرفي، والممارسة التجريدية المعاصرة باستعمالات شكلية، وهي تجربة ذات مقصديات جمالية، وذات بُعد فني ورؤية تستند إلى مشروع تشكيلي ينتهل من الأصالة والحداثة. علما أن خاصية هذا المزج بين مفارقتين يُحدث مساحة تشكيلية قادرة على تغيير المنحى التعبيري، والانزياح به نحو تعددية القراءة، وهي بذلك تبلور العملية الإبداعية، وفق خاصيات كلاسيكية وأساليب معاصرة في التعبير. إنه منجز يقود إلى عوالم توجه الطريقة التعبيرية لدى المبدعة نحو عالم تشكيلي واعد.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية