تونس – «القدس العربي»: اعتبرت المعارضة التونسية أن نسبة المشاركة الهزيلة في الدور الثاني في الانتخابات البرلمانية تؤكد “رفض” التونسيين لمسار الرئيس قيس سعيد، والذي دعته حركة النهضة إلى الاستقالة استجابة لـ”رغبة” التونسيين.
وكان رئيس هيئة الانتخابات، فاروق بوعسكر، أعلن مساء الأحد النتاتج الأولية للدور الثاني للانتخابات البرلمانية، حيث بلغت نسبة التصويت 11.3 في المئة، وهي تقريباً نسبة المشاركة نفسها في الدور الأول (11.2 في المئة).
وعقب الإعلان عن النتائج، عقدت جبهة الخلاص الوطني مؤتمراً صحافياً، أكدت فيه أن نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية تؤكد “رفض” التونسيين لمسار 25 تموز/ يوليو ولمشروع الرئيس قيس سعيد كلياً.
وقال رئيس الجبهة، أحمد نجيب الشابي، إن “حوالي 90 في المئة من الشعب التونسي أدار ظهره لهذه المسرحية الانتخابية، كما أنه أعلن عن سحب الثقة من المسار الحالي”.
واعتبر أن “هذا العزوف الجديد والموقف الشعبي الرائع يؤكد أن تونس تعيش محنة سياسية كبرى، وجبهة الخلاص تريد الذهاب إلى الإصلاح عبر انتخابات تشريعية ورئاسية، تطلعاً إلى مستقبل أفضل”.
ودعا الشابي اتحاد الشغل وشركاءه في “رباعي الإنقاذ الوطني” إلى “الكف عن تقسيم التونسيين بين مدنيين وسياسيين”، مؤكداً أن “الجميع في مركب واحد وحل الأزمة يكون عبر قيادة سياسية جديدة، وعلى الإخوة في الحركتين السياسية والمدنية إحداث تغيير يدفع الرئيس قيس سعيد إلى مغادرة المشهد السياسي”.
مشروع الرئيس انتهى
واعتبرت القيادية في الجبهة، سميرة الشواشي، أن نتائج الانتخابات البرلمانية “قبرت مشروع الرئيس قيس سعيد ومسار 25 تموز/ يوليو الذي تمت مقاطعته من قبل الشعب. ونأمل أن تقف هذه المهزلة عند حدها وأن لا يتم جمع نتائج الدورين الأول والثاني من الانتخابات”.
وقال عبد اللطيف المكي، رئيس حزب العمل والإنجاز، والقيادي في الجبهة: “لو كان للرئيس قيس سعيد حد أدنى من الديمقراطية لاستقال”، معتبراً أن سعيد “أضاع على تونس نحو عام ونصف من الوقت للتوصل إلى اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي انطلق مع حكومة هشام المشيشي (وتوقف بعد إعلان الرئيس لتدابيره الاستثنائية)”.
واعتبرت حركة النهضة أن “الانتخابات المهزلة هي بمثابة المسمار الأخير الذي دقه الشعب التونسي الفطن في نعش الانقلاب البغيض والمنقلب وإنهاء شرعيتهما”، مطالبة سعيد بـ”الاستقالة وفسح المجال أمام الشعب الذي لفظه لإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة كمدخل لحل للأزمة الراهنة وكفرصة أخيرة قبل إعلان الإفلاس والانهيار الذي قاد إليه البلاد”.
كما أدانت “ما رافق العملية الانتخابية من إخلالات جسيمة كشفت عنها منظمات المجتمع المدني من حجبٍ متعمّد للمعطيات المتعلقة بأعداد المقترعين ونسب المشاركة في مختلف المكاتب ومراكز الاقتراع من طرف الهيئة المعينة للانتخابات وغيرها من الإخلالات، مثّل ضرباً صريحاً وفاضحاً لمبدأ الشفافية ونزاهة الانتخابات وعبّر بشكل جليّ عن عبثية العملية الانتخابية والهدر المتعمد للمال العام كانعكاس للعبث بالدولة والمقامرة بمصير التونسيين من طرف قيس سعيد ومن يقف معه”.
وقالت أن “برلمان قيس سعيد لا يعبّر إلا عن أقلية الأقلية وليس من حقّه أن يمارس السلطة التشريعية باسم الشعب أو باسم الأغلبية وباسم الناخبين وكل ما يصدر عنه لا معنى ولا مشروعية له وسيكون من الأجدر أن يعلن عن حلّ نفسه تمهيداً لحل جذري ينقذ البلاد مما ينتظرها من فوضى في حالة مواصلة تعمّد سلطة الانقلاب سياسة الهروب إلى الأمام”. وأضاف البيان: “مسار قيس سعيد الانقلابي قابله الشعب التونسي بكل فئاته بالتجاهل التامّ والمقاطعة من الاستشارة حتى مهزلة الانتخابات كما تؤكّد حالة تمايز بين سلطة الانقلاب الفردية وبين المجتمعين السياسي والمدني. ولم يعد من حق المنقلب التحدث باسم الشعب أو ادعاء التعبير عن إرادته التي عبر عنها من خلال العزوف ومقاطعة الانتخابات”.
وطالبت الحركة كافة القوى الحية السياسية والمدنية “بالتعجيل في توحيد جهودها الوطنية والاتفاق على أرضية مبادرة تُنهي مرحلة العبث بالدولة استجابة لرسالة الشعب العظيم في المقاطعة الواسعة للانتخابات وتساهم بجدية في إنقاذ ما تبقّى من أسس الدولة وإنهاء معاناة الشعب وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار والأوضاع الاجتماعية من الانفجار”.
وتحت عنوان “الشعب يسقط قيس سعيد ومساره رغم التعتيم والتزوير”، أصدرت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية بياناً أشادت فيه بـ”مقاطعة التونسيين الواسعة لهذا العبث (الانتخابات البرلمانية) في رفض مدني سلمي لهذا المسار المشوه ونزع حاسم لكل شرعية عن قيس سعيد ودكتاتوريته الرثة”.
كما عبرت عن إدانتها لـ”المناخ المشبوه الذي تم في الانتخابات في غياب واضح لقواعد التنافس النزيه وفي تعتيم كبير على ما يدور داخل مكاتب الاقتراع تمهيداً لإصدار نتائج على مقاس السلطة. ولسياسة الهروب إلى الأمام التي انتهجتها سلطة الانقلاب وتحميلها المسؤولية القانونية والسياسية لما أنجر عنها من إهدار للوقت والمال العام لقيس سعيد ولهيئة انتخاباته المنصبة”.
برلمان صوري
واعتبرت التنسيقية، التي تضم أحزاب الجمهوري والعمال والقطب والتكتل والتيار الديمقراطي، أن “برلماناً صورياً بلا صلاحيات تشريعية ولا رقابية فعلية ومكوناً من أفراد معزولين بلا برامج ولا تصورات لن يكون إلا ديكوراً بلا تأثير على السياسات العامة وعلى واقع التونسيين. كما أن البرلمان المنبثق عن هذه المهزلة هو فاقد للشرعية وعنوان من عناوين الأزمة”.
وطالبت بـ”الوقف الفوري لمسار الانقلاب وإلغاء الأمر الرئاسي 117 (الذي تمكن سعيد من خلاله من السيطرة على جميع مفاصل الدولة) وكل ما ترتب عنه ودعوتها سائر القوى الديمقراطية والتقدمية إلى مواصلة العمل المشترك على الخروج من الأزمة وتقديم بديل جدي يغير واقع التونسيين”. وكتب عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد: “نسبة مشاركة هزيلة جدّاً هي الأدنى وطنياً وقارِّياً وعالميّاً، وجزء كبير منها من جيل المتقاعدين، وبالرغم من توظيف إمكانات ومقدرات الدَّولة والإدارة ومن عديد التَّجاوزات والخروقات والجرائم الانتخابيَّة وغياب الحدود الدُّنيا من الشَّفافيَّة في عمل هيئة الانتخابات، وهذه النسبة تنتقص بدرجة عالية جدّاً من شرعيَّة برلمان الرَّئيس، الَّذي وُلد اللَّيلة ميِّتاً، ومن دستور الرَّئيس ومن مسار الرَّئيس، وتلتهم ما تبقَّى من مشروعيَّة رئيس الجمهوريَّة شخصيّاً”.
يبدو أن نتائج الإنتخابات المتدنّية لاتحرّك ساكناً لدى قيس سعيّد، وكأنه لم يقتنع بعد بأنّ تسع أعشار الشعب أعرض عن مشروعه. نتشوّق بشغف إلى خطابه المقبل.