الثقة… ذلك الغائب الأكبر عند الجزائريين

حجم الخط
16

في أحداث الجزائر الجارية منذ 22 شباط (فبراير) الماضي، كل شيء حاضر، من الطرفين، السلطة بقيادة الفريق أحمد قايد صالح ومعسكره من جهة، والمتظاهرون وموعدَيْهم الأسبوعيَين، الثلاثاء والجمعة، من جهة أخرى.
الغائب الأكبر هو الثقة. وفي غياب الثقة يستحيل أن يحدث التغيير التوافقي المنشود، حتى بتنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، التي تبدو كأمر واقع مفروض رغما عن الشارع المنتفض.
والثقة قصة طويلة جداً في علاقة الجزائريين بالنظام المفلس الذي حكمهم طيلة العقود الماضية. لا أحد من الطرفين وثق في الآخر منذ السنوات الأولى للاستقلال، ولا أحد يفعل الآن. ظلت علاقة مشحونة لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الشعور بالثقة والاحترام. كان الحاكمون يقولون شيئا ويفعلون عكسه. يكذبون دون أن يرف لهم جفن. يَعدُون ويخلفون في الساعة التي تعقب تلفظهم بالوعد. وكنتيجة حتمية ومنطقية، ذابت الثقة في كل ما يرمز للدولة والحكم، وأصبح الجزائريون يسخرون من رموز حكمهم ويحتقرونهم ولا يأبهون كثيرا بالقانون.
يصلح هذا الكلام اليوم أيضا، لأن المياه الراكدة التي تحركت في 22 شباط (فبراير) الماضي أعادت للجزائريين ثقتهم في أنفسهم، ولكنها لم تفلح في أن تعيد لهم ثقتهم في الذين يحكمونهم.
قطار الثقة الذي تحرك عموديا بعد تنحية الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته، توقف فجأة باعتقال عدد من رموز عهد بوتفليقة. كانت تلك المحطة الأخيرة لذلك القطار سيئ الحظ، كأن هذا كل المطلوب وأقصى الممكن بينما هو منتصف الطريق، والنصف الآخر هو بناء دولة مدنية ديمقراطية تسود فيها الحريات والقانون.
توقف القطار بضغط من قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، بداعي التمسك بدستور تعرَّض لكل أنواع الانتهاكات في ظروف أقل تعقيدا وخطورة من الظروف الحالية بكثير. تحت ذلك العنوان قرر الرجل القوي في البلاد الاحتفاظ برئيس ممسوح ورئيس حكومة يُعتبَر ركنا من أركان العصابة (مكانه الطبيعي هو السجن مثل عبد المالك سلال وأحمد أويحيى وغيرهما)، والذهاب إلى انتخابات رئاسية مهما كانت الظروف.
وسط هذا الإصرار على الانتخابات، وضمن جهود التعجيل بها، اتُخذت قرارات ومورست إجراءات من النوع الذي يقتل الثقة. من هذه الإجراءات مطاردة المتظاهرين السلميين واعتقال رموز الحراك والتضييق على الحريات الإعلامية واستفحال خطاب التخوين والتهديد والوعيد، وعودة الإعلام الحكومي والإدارة إلى ممارسات بائسة لا تختلف في شيء عن ممارسات عهد بوتفليقة.

الجزائريون الذين يخرجون كل جمعة متحدين وسلميين، لا يفعلون من أجل استبدال بوتفليقة بآخر. إنهم يفعلون من أجل هدف مشروع أسمى لبلادهم وأبنائهم

ترافقت هذه الإجراءات مع أخرى مشابهة، كان من ضحاياها لجنة الحوار والوساطة. تضررت مصداقية هذه اللجنة من إجراءات النظام، رغم أن السلطة رعتها وشجعتها ودفعت رئيسها كريم يونس إلى التفاؤل والتبشير بـ«قرب اتخاذ إجراءات تهدئة» من قبيل الإفراج عن معتقلي الحراك ورموزه، فإذا بالممارسة اليومية تكشف أن العكس هو الذي يحدث. وآخر حلقات هذا «العكس» بقاء حكومة بدوي واعتقال الناشط السياسي كريم طابو، والقائمة مفتوحة. بل انتهى الأمر بكريم يونس أشبه بناطق باسم الحاكم وبلجنته ملحقة إدارية بلا استقلالية.
وسط هذه الأجواء الخانقة ستجري الانتخابات. تمتلك الدولة الجزائرية من الإمكانات البشرية واللوجستية ما يمكّنها من إجراء الانتخابات الرئاسية بيُسْر كبير. من الصعب تصديق أن النظام لن يكون له مرشحه المفضل الذي سيرعاه ويوفر له أسباب وأدوات الفوز والتي غالبا ستكون هي ذاتها التي هللت لبوتفليقة في أربع انتخابات وكانت على وشك بدء التهليل للخامسة.
لقد عاندت السلطة حتى حوَّلت الانتخابات الرئاسية إلى غاية في حد ذاتها لكي يضاف إلى سجلها اقتراع رئاسي «طبيعي» تتباهى به، ورئيس «منتخب» بغض النظر عن عدد الأصوات (بوش الابن تفوق على أل غور بـ500 صوت في إعادة الحساب بولاية فلوريدا عام 2000).
لكن هذه الانتخابات، في هذه الظروف، لن تختلف عن الانتخابات التي جاءت ببوتفليقة إلى هرم السلطة وأبقته بعد ذلك عشرين سنة. تلك أيضا كانت انتخابات سليمة ومشهودا لها. لكنها كانت عقيمة لم تُفد البلاد في شيء، بل ساهمت بالنزول بها إلى النكبة التي هي فيها اليوم. لم تكن تلك الانتخابات (وحتى التي قبلها) مزوَّرة بمعنى العبث بالأصوات والتلاعب بصناديق الاقتراع، بل كانت مزوَّرة سياسيا وإعلاميا، وجرت في أجواء ملوَّثة سياسيا وعديمة الثقة في الاتجاهين: المواطن نحو الحاكم والعكس.
الرئيس المنتخب هو أيضا، لن يكون مختلفا عن بوتفليقة حتى لو لم يكن طاغية ومصابا بجنون العظمة مثله. صحيح أن السياق يختلف، لكنه سيكون مجرد رئيس «آخر» فرضه الصندوق مثلما فرض بوتفليقة واليمين زروال والشاذلي بن جديد وهواري بومدين قبله.
والجزائريون الذين يخرجون كل جمعة متحدين وسلميين، لا يفعلون من أجل استبدال بوتفليقة بآخر. إنهم يفعلون من أجل هدف مشروع أسمى لبلادهم وأبنائهم.

كاتب صحافي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول BRAHIM ALHOARI:

    الجميع يعلم ان الجزائر منذ عقود اصيبت بمرض مزمن وخطير جدا لا ينفع معه علاج الانتخابات ولا هم يحزنون ، هناك اولويات اساسية و مهمة يجب اتخاذها قبل اي انتخابات ، اولا يجب تنظيف الجزائر من التنظيمات التي اسست على ارض الجزائر بطرق غير شرعية وغير اخلاقية والتي اكلت اللحم والشحم والعظم ولن تشبع ابدا والتي اصبحت تتحكم في مصير الامة ، ثانيا اتقديم اعتذار رسمي و علاني لشعب الجزائري وشعوب المنطقة ، ثالثا اعادة المياه الى مجارها مع دول الجوار وخاصة المغرب والمغاربو ومن هناك يبدا الشفاء ان شاء الله.

    1. يقول عبد الوهاب عليوات:

      من ينظف الحزائر من تلك التنظيمات التي تدعيها؟ وعبر اي آلية قانونية يا سيد الهواري؟
      هل في الحزائر حاليا سلطة شرعية يحق لها القيام بما يقتضيه القانون للعمل علي تنظيف الحزائر الذي تتخيله؟
      ام انك نريد من الشعب ان يحمل سكاكينه وهراواته ويقيم مشانق شعبية لتعليق الفاسدين وتنظيف الجزائر من تلك التنظيمات لتتحول الي فوضى شبيهة بفوضي ليبيا؟؟
      قيل قديما دور لسانة سبع مرات قبل ما تنطق بالترهات.. لان الوضع لم يعد يحتمل التهريج..
      مع كل احتراماتي.

  2. يقول عبد الوهاب عليوات:

    تصوير الحالة السياسية في الحزائر على انها صراع بين الشعب والجيش لا يستند الى اي واقع.. فقد كان الحراك ينادي لأشهر في الطرقات والساحات بشعاره الذي يلخص كل شيء (جيش شعب خاوة خاوة)
    للتذكير فقط ان الذين يختلقون هذا الصراع الوهمي هم من اشاد طويلا بموت فخار رحمه الله وهو الناشط في حركة الماك واعتبروه بطلا وشهيد قضية واعتبروا ان الجزائر مستعمرة منذ 1962 كما يعتبرها الماك تماما ولكن بشكل جهوي.
    الواقع يثبت ان الحراك والجيش كانا في تماهي تام حتى تم تسييس الحراك بعيد سقوط بوتفليقة.. وبدات أولى عمليات التهجم على الجيش عندما رفض مخطط الذهاب الى مرحلة انتقالية وتمسك بالدستور وباقامة انتخابات رئاسية.
    وهنا تشويه آخر للحقيقة فالحراك الشعبي لم يطالب يوما بالذهاب الى مرحلة انتقالية وانما كان ذلك طرح مجموع أحزاب فرانكولائكية برر احد قادتها رفض الانتخابات في تصريح له موثق ان الديمقراطية لا تحفظ حقوق الاقلية.

    1. يقول محمودDZ:

      الی السيد عبد الوهاب يأخي المجرم فرحات مهني رٸيس بما يسمی الماك هو الوحيد الذي سمح له إلقاء ندوة عبر الستلايت لجامعة تيزی وزو وفی نفس اليوم رفضت ندوة السادة أحمد بن بيتور و مصطفی بوشاشي !!

    2. يقول هيثم:

      الحراك يقول الشعب والجيش خاوة خاوة لأن أفراد الجيش وخاصة الجنود هم أبناء الشعب. أما القيادات العسكرية فقد انسلخت منذ زمن بعيد عن الشعب بامتيازاتها ومصالحها الخاصة وبكونها جزءا من العصابة وحامية للعصابة. وحسب هذه التعليقات التي تنتقد فيه كتاب الرأي حول الحراك وهم جزائريون حقوقيون قلوبهم على الجزائر و تعمد إلى مهاجمة الجيران وفرنسا خصوصا بدون وجه حق للعب على وثيرة الخطر الخارجي التي أصبحت ورقة مخرومة وتعمد إلى مساندة القايد صالح رئيس الدولة والأركان الذي أصبح يخبط خبط عشواء في السياسة ويعتقل كل من يجهر بالحق…فإن النظام العسكري لن يجد شياتا أفضل لتوظيف الشيتة من أجل تبييض ومدح النظام.

    3. يقول عبد الوهاب عليوات:

      يا اخي محمود..
      مهني يومها لم يحضر بشخصه وإنما القى محاضرته في جامهة تيزي وزو عبر وسائط التواصل من خلال تقنية الفيديو..
      ويكذب علبك من يخبرك انه تم السماح بذلك رسميا ولكن حالة الفوضي وقتها هي التي سمحت لاتباعه في المنطقة ان يحققوا ذلك الاختراق الامني ويستغلها آخرون لأجل التهويل الاعلامي وخلط الاوراق..
      كثير من الجزائريين وقعوا ضحية تشويه اعلامي للحقائق من طرف قوى تسعى لضرب اي حل ممكن وادامة الازمة الى ان تسقط الجزائر في أيدبهم..

  3. يقول عبد الوهاب عليوات:

    إذن هي تراجيديا الضحية التي تدعي القمع والاعتقال بينما كل من تم توقيفهم خالفوا نصوص القانون بمن فيهم طابوا ويمكن التأكد من ذلك بسهولة.
    وإن كان الجيش الجزائري قد ساند الانتخابات فإن فرنسا هي من ساند الذهاب الى مرحلة انتقالية.. فمن ذا يدعي ان فرنسا احرص على الجزائر من جيشها.؟؟
    نقول ذلك ونعلن ان تدخل القايد صالح لتسريع الانتخابات مرفوض واي تاثير على الانتخابات او على نتائجها مرفوض.
    وبدل الشعبوية والتسطيح وبث المغالطات التي تخدم فقط أعداء الجزائر وتضر الشعب الذي رفض الهروب من الوطن نحو مقاهي الخمس نجوم كغيره فلنجد آليات لضمان بناء مؤسسات الجرائر الديمقواطية الجديدة الآمنة بجيشها وشعبها وسلطاتها كل في حدوده الدستورية.

    1. يقول أيوب:

      ياسي العليوات…فرنسا تتصرف بناء وطبقا لبعض مواد اتفاقية ايفيان (بنودسرية)أعطت لفرنسا كل السيادة وكل الصلاحية..اسأل الكابرانات…..

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    وهل هناك ثقة بالعسكر الذي إغتصب السلطة من الشعب؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول جزايري غيور:

    نعم الثقة معدومة بين السلطة و الشعب و لكن ما هو الحل كيف لنا الخروج من الأزمة هل بالخروج عن الدستور و هذا ما يطالب به القلة من الشعب مع أحزاب معروفة .تتذكرون عندما عطل الدستور في التسعينيات ماذا حدث و اعتقد انك ياسي ربحي تعرف ريس الحزب الذي انقلب علي الديمقراطية يومها و جرب حظه و يريد أن يفسد البلاد اليوم مرة أخري و ليس وحده .لنترك البلاد بلا قادة حتي يأتينا ريس من الفضاء .مؤتمر تأسيسي كما يطالب به البعض القليل من سيكون مشرفا عليه هل تعتقد ان الأحزاب ستتواصل علي روزنامته و منسقه.الجواب لا لن يتفقوا لأنهم لم يتفقوا في مازفران علي لي شي و لا غير مزفران.

  6. يقول المغربي-المغرب.:

    عندما نقرأ مايكتبه المدافعون عن النظام العسكري المنقلب على الشرعية منذ 60 سنة…؛ سواء من تقلدوا المناصب وتمرغوا في نعيم الحزب الوحيد. ..وزعيمه الذي ناضل وقاد الجيش وأصبح رئيسا دون أن يطلق رصاصة على جيش فرنسا…؛ أو من احترفوا تدبيج المديح والدفاع اللفظي. ..سواء تعلق الأمر بفاقد للإدراك والوعي. ..ونسبت إليه القرارات. ..أو لمسرحي سياسي كوميدي ملأ الدنيا اختلاقا وسفسفة وادعى صداقته بميركل. ..أو لرئيس حكومة احترف تفقير العباد..وافلاس البلاد…أو لقائد للجيش شكل تواجده صمام امان للعصابة وعهداتها قبل أن يقلب لها ظهر المجن حبا في الكرسي لاغير….؛ سندرك أن هؤلاء في صراع عصيب مع الزمن. ..في محاولة لإعادة قطار المفسدين والناهبين…وسدنة المعبد الاستعماري إلى سكتة السابقة. …تحديا لتطلعات المواطنين ورغباتهم. …تحت مسميات تدليسية تحاول أن تجعل من الانتخابات هذفا في حد ذاتها. ..ومسلكا للقضاء على مطالب الشعب ونخبه. ..وكأني بهم لم تصلهم بعد رسالة السودان …وتونس قبل يومين. …!!!!.

  7. يقول جزايري غيور:

    لماذا بعض الاحزابرفضت المشاركة في لجنة الحوار و أعطيت كل الصلاحيات .لماذا لا تشارك في الجنة الوطنية للانتخابات. لماذا ستقاطع الانتخابات لأنها مفليسةليس لديها ما تقدمه للجماهير .لذا تترك الساحة فارغة لغيرها في كل شي و عندها ستقول الانتخابات مزورة و غير شرعية .يااخي هناك الكثيرون من من ليس لديهم بطاقة ناخب و يتشدق و يقول بالفم المليان زورها و ما إدراك انها مزورة أو غير مزورة انت لم تشارك .الخل الوحيد من بين الحلول الموجودة علي الساحة الوطنية هو الانتخابات بشرط النزاهة و الشفافية و كثافة المشاركة حتي لا يبقي هناك مكان شاغر للخصم

  8. يقول محمودDZ:

    لا ثقة في حزب وجدة.. الثقة بالله ثم بشعبي الحر

  9. يقول ali:

    النظام الجزائري لجبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال هو نظام المافيا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

    نظام الإفلات التام من العقاب
    نظام فاسد تماما
    جيش وطني رائد لتهريب المخدرات والكوكايين
    إدارة غير متعلمة
    شرطة اللصوص

    كل ذلك تحت حماية العدالة.

    أقترح إعادة الجزائر إلى فرنسا أو وضعها تحت الحماية الدولية لتفادي حمام دم بحلول نهاية العام

  10. يقول الدكتور لبوز دردوري:

    انهم ينتظرون افلاس الدولة والشعب والوطن والامة
    لا يقدمون اي حل, ينتقدون اي حل, يشوهون اي متقدم بحل ويهاجمون اي مبادر, وليس لديهم اي مفهوم عن الازمة
    هدفهم ان تستمر الازمة وتتعفن الامور, حين ذاك يقولون لنا لقد اخبرناكم ان الامور ستتعفن
    يا سلام على هؤلاء الناشطون

    1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      الحل موجود و منذ مدة .. و يطرح بقوة .. و لا أدري لما لم ترونه و تسمعونه في المليونيات كل جمعة ..
      .
      الحل : مدنية و ليس عكرية .. مرحلة انتقالية على غرار تونس و السودان .. لتهيئة انتخابت و ليس مسرحيات ..

إشترك في قائمتنا البريدية