الثورات العربية.. زمن القياديين الثوريين ليس معصوما من الاخطاء

حجم الخط
0

لا شك ان عددا من القراء المنتمين لجيل تألق الرواية العربية المعاصرة سوف يتذكرون هذا العنوان، كعنوان لرواية مغربية بارزة للكاتب المغربي محمد شكري. ولم يكن المرحوم شكري الذي غادرنا منذ عشر سنوات ـ قبل ان يفارقنا ‘مرحوم’ و’شهيد’ يحمل شكري اسما – ليعرف أن العنوان الذي اختاره لروايته سابق لآوانه ولآوان قادمة شكّل ‘ربيع الثورات العربية’ مسرحا مثاليا للوقوف عندها.
فتجارب الحكم التي ولّدتها الأحداث العربية أفرزت مشهدا سياسيا غير مسبوق، تميز أساسا ولا يزال بتوليفات تظهر وكأنّها مجموعات حسمت اختيارها بفرض نمط حياة ونظرة لمجتمع وضوابط خادمة لمصالح معينة، بدل أن تترك اللعبة السياسية مفتوحة، بحيث تصبح موازين القوى في معادلة تضمن لها التوازن فعلا. أجل، فزمن الأخطاء هو الزمن الذي يتجاهل فيه الحكم الحكم المضاد عندما يدّعي أنّه يحترم توجّهاته، ولكنّه يضع أمامه في الوقت نفسه عشرات العراقيل ليتحكّم بآلياته تحكّما جامعا مانعا في نهاية المطاف. نبحث هنا في بعض من هذه العراقيل عسانا نفكّك فنفقه شيئا من أنظمة جديدة كنّا نأمل ونعتقد اعتقادا راسخا أنها أسقطت النظام فعلا، غير أن توالي الأيام أظهر لنا أنها أبدلت النظام الساقط بإسقاطاتها هي…
يبدأ زمن الأخطاء عندما نعجز بوضوح عن التحرر من منطق من ليس معي فهو ضدي، وهو منطق لا ينفك يطبع أزمنة ما بعد الثورة… فهو المنطق الذي شكّل فترة الرعب الشهيرة في الثورة الفرنسية مثلا، وهو المنطق الذي منع الآلاف من الكوبيين من تجريب حظّهم داخل وخارج حدود بلدهم، كما ذكرني سائق تاكسي في ميامي، ولا أزال أتذكّر في شبابي كيف أنّ صديقا لأبي تناولني بالتوبيخ والتقريع لأني وصفت فيديل كاسترو بالديكتاتور، فاستدرك الصديق بقوة علي و، بطريقة غير مباشرة، على نوعية التربية الذي أتلقّاها داخل أسرتي- فرجانّي رجاء أن اسمّي الرجل خير تسمية فعلمني عبارة قيادي ثوري.
ولكن يبدو أن زمن القياديين الثوريين أيضا ليس معصوما من الأخطاء…
أين وصلنا إذن من زمن الثورات العربية ومن أشجار ‘ربيعها’ التي قيل لنا إن براعمها على وشك التفتح وورودها دانية القطوف؟
وصل زمن ما بعد بطولية المدوّنين وما بعد براعة منشطي شبكات التواصل الاجتماعي إلى نقطة أطلّ فيها رأسه من جاء ليعلن نهاية ‘فترة الاستراحة ‘مذكّرا شبابنا وشابّاتنا بأنّ الثورة ليست لعبة اطفال وأنّ لعمليات الرشق بالحجارة والصدح بالحناجر حدود…
وكم نأسف لقول هذا الكلام ولكن للضرورة أحكام وإن أردتم بعضا منها فعلى الرحب والسعة:
– كنّا نعتقد بما لا يترك مجالا لارتياب ولا تشكيك بأنّ صفحة الإعلام المسيّر والمفصّل وفق طاقم ماسكي الأمور قد طويت.
– كنا نعتقد أن الدوائر الحاكمة الجديدة ستبين من أوّل لحظة أنّ سياسة دولة ما معنيّة أوّلا بتدبير اقتصاد تنافسي وبضمان جودة تعليم ورعاية صحة مواطنين وليس بزجّ علاقة الدين بالسياسة في أتون جدال عقيم….
– كنا نعتقد أن أنظمة الحكم الجديدة ستولي عناية خاصة لاستقلال الأطر المنظّمة لجهاز القضاء، لا أن تكيّف أطره الإدارية على الشكل الذي تراه هي، قفزا بذلك فوق مداولات القانونيين على بنود الدستور…
– كنا نتوقع أنّ أقليات لا تقلّ عروبة عن أكثرياتها ستجد آذانا صاغية من سلطات ما فتئ يدعو مسؤولوها الى وحدة وتماسك وطنيين يفترضان حظر الوقوف مكتوفي الأيدي عندما تتصاعد وتيرة التأزّم بين طرف وطرف أمام مكان للعبادة…
– كنا نتوقع ان نساء ميدان عاصمة عربية دخل التاريخ سيصبحن رموز تغيير نظام كنّا نتوقّع منه أن يجعل من المرأة ندّا للرجل في كل كبيرة وصغيرة ، لا أن يبلّغهن بعد حين بأن مساهمتهن في الثورة مشكورة فحان وقت العودة إلى البيت….
كنا نتوقع أنّ صيغة عربية حلمت حلما لمارتن لوثر كينغ سوف ترى النور بما يقطع الشك باليقين، لكننا أيضا كنّا نتوقّع أنّ من الصعب قطع الشك باليقين عن طريق الأحلام.

‘ كاتب فرنسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية