قدمت قيادات الثورة الإيرانية، وعلى رأسها آية الله خميني، مرافعة تاريخية ضد نظام الشاه رضا بهلوي عام 1979، كان من أهم نقاطها: الفساد المالي، إفقار الشعب، الانحطاط الأخلاقي، تعذيب المعارضين السياسيين، وارتكاب مجازر ضد الشعب، وأن «الشاه أعطى نفطنا وبنى بأمواله قواعد للآخرين» (حسب رسالة من الخميني للبابا يوحنا بولس الثاني)، فهل كانت هذه المرافعة صحيحة، وكيف كان أداء الثورة الإيرانية بعد استلام السلطة مقارنة بالشرور التي اتهم بها الشاه؟
كانت ثروة الشاه، حسب تصريح له للصحافية الشهيرة باربرا والترز تتراوح بين 50 إلى 100 مليون دولار، ولكن كان لدى «مؤسسة بهلوي» أملاك حتى سقوطه تقارب 3 مليارات دولار، وكانت هناك وقائع فساد مؤكدة، غير أن النمو الاقتصادي منذ عام 1972 حتى 1979 كان بنسبة 9.4٪ سنويا، وهي نسبة مشابهة لليابان في تلك الفترة، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي عام 1974 بنسبة 34٪ ثم 42٪ عام 1975، وارتفع الدخل الفردي من 176 دولارا عام 1960 إلى 1997 دولارا عام 1976، ولكن توزيع الثروة لم يكن عادلا وكان 10٪ من السكان يملكون قرابة 40٪ من الثروة.
بالنسبة لـ«تسليم النفط» و«بناء قواعد» للأجانب، فالحقيقة أن الشاه لم يسلم أو يهب نفط بلاده بل باعه بأغلى سعر ممكن، وعلى عكس شركائه في «أوبك»، فقد كانت لديه خطط كبيرة لجعل بلاده قوة عسكرية وصناعية كبيرة، وقد استخدم النفط في تنفيذ هذه الخطط.
كانت إيران في المرتبة 29 عالميا في شراء الأسلحة عام 1966، وأصبحت في المرتبة الثامنة بعد 10 سنوات. ومن العتاد الذي اشتراه مقاتلات إف 14، ومدمرات بحرية، وناقلات، كما اشترى أجهزة مراقبة إلكترونية للتجسس، وتطلب ذلك استدعاء قرابة 20 ألف مدني وعسكري أمريكي لتدريب جيشه لكنه، في الحقيقة، «لم يعط قواعد عسكرية لأمريكا» كما قال الخميني.
كان الشاه، إضافة إلى ذلك، هو من بدأ برنامج إيران النووي، كما بنى شبكة طيران دولية، وأعطى نظامه النساء حق التصويت، وسمح بالتعليم المختلط، وأدخل السينما إلى البلاد، لكن إصلاحات الشاه الصناعية أدت، من جهة أخرى، إلى إضعاف مكانة رجال الدين، فتسبب الإصلاح الزراعي بضربهم في مقتل بحرمانهم من أراضي الأوقاف، كما شهدوا تفكك مكانتهم التي حازوها عبر المساعدات التي تقدمها مؤسساتهم الخيرية، إثر انفضاض الفقراء الموالين لهم للعمل في قطاعات الصناعة المزدهرة، أو عبر شمولهم بقوانين الرعاية الاجتماعية، وفيما قامت المحاكم المدنية باستبدال محاكمهم الشرعية، فقد شكّل تحرر النساء تحديا كبيرا لهم.
أدت خطط الشاه الطموحة إلى تدفق الإيرانيين الشبان من الأرياف المهمشة إلى المدن ومشاريع البناء ومصانع السيارات والأطعمة والأدوية، التي أشرفت عليها دول صناعية كبيرة كبريطانيا وفرنسا وغيرها، وقد أدى التسريع الهائل للاقتصاد لاختناقات عديدة فارتفع التضخم 50٪ وأدى انحسار هذا الازدهار، في بعض المواضع، إلى عطالة أعداد كبيرة من العمال الذين ساهموا في رفد الاحتجاجات التي انطلقت، بدءا من يناير/كانون الثاني 1978، من مدينة قم، مقر الحوزات الدينية الشيعية، ثم وصلت إلى تبريز وأصفهان ومدن أصغر ثم إلى طهران نفسها، وفي كل مكان تقريبا، كان الجنود يطلقون النار على محتجين لم يكونوا مبالين بالموت.
كان الشاه، إضافة إلى ذلك، هو من بدأ برنامج إيران النووي، كما بنى شبكة طيران دولية، وأعطى نظامه النساء حق التصويت، وسمح بالتعليم المختلط، وأدخل السينما إلى البلاد، لكن إصلاحات الشاه الصناعية أدت، من جهة أخرى، إلى إضعاف مكانة رجال الدين.
من مؤسسة بهلوي إلى سيتاد
يبلغ عدد سكان إيران حاليّا قرابة 82 مليون نسمة، ويبلغ ناتجها القومي الإجمالي 452 مليار دولار، وقدّر نمو الناتج القومي في السنة الحالية بناقص 8.7٪، وبلغ معدل التضخم بين 2001 والآن قرابة 40٪، وقد انخفضت العملة الإيرانية بمعدل قياسي فأصبح الدولار يعادل 190 ألف ريال، وحسب معدل الدخل الفردي السنوي فيها (5491 دولارا) فهي في الترتيب 96 عالميا، وهناك 30 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، و10 ملايين منهم تحت خط الفقر المطلق.
من الظريف أن كبار المسؤولين لا ينكرون استفحال الفساد في بلدهم، فالرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عرض عام 2013 شريط فيديو على نواب البرلمان يكشف فيه قضايا فساد يشارك فيها رئيسا جهازي القضاء والتشريع، كما أن الرئيس الحالي حسن روحاني، ربط المشاكل الاجتماعية التي تعانيها بلاده بالفساد، وهو ما يمكن أن يعني أن الفاسدين أكبر من قدرة الرؤساء والنواب على وقفهم، فمن هم؟
للتعاطي مع العقارات التي تركها مالكوها في السنوات التي أعقبت ثورة 1979، وقّع الخميني عام 1989 قبل وفاته مرسوما أنشئت بموجبه هيئة لإدارة وبيع العقارات المصادرة، وقد تطوّرت هذه المؤسسة، في ظل المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي لتصبح كيانا تجاريا عملاقا، يملك حصصا في كل قطاعات الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك قطاعات المال والنفط والاتصالات وصولا إلى مصانع الأدوية وحتى تربية النعام. تقدر قيمة امبراطورية «استاد إجرائي فرمان حضرت إمام» («هيئة تنفيذ أوامر الإمام»)، التي يلقبها الإيرانيون بـ«سيتاد» بـ95 مليار دولار، وفي الوقت الذي يشيد مساعدو المرشد الأعلى بحياة الزهد والتواضع التي يعيشها والسجادة المهترئة في بيته، فإن نبع الإيرادات المتدفق هذا وفّر للمرشد الملاءة الماليّة التي تجعله مستقلا عن البرلمان وميزانية الدولة، وتضعه فوق الصراعات بين الساسة الإيرانيين أنفسهم، ولكن ذلك يساهم أيضا في احتلال إيران المرتبة 130 من أصل 180 في مؤشر الفساد العالمي.
قامت الثورة الإيرانية بقتل الألوف من السجناء السياسيين، كما واجهت المحتجين على نتائج الانتخابات عام 2009 بقتل المتظاهرين، وقد أدخلت تطويرات على آليات القمع، مثل المحاكم الجماعية التي يلقي فيها المتهمون «اعترافاتهم»، وأدخلت الاغتصاب في تقنيات التعذيب، لكن إيران، حسب المسؤولين الإيرانيين، «تملك أفضل سجل لحقوق الإنسان في العالم الإسلامي». أما سجلّ الثورة الإيرانية الطويل والبائس في التعامل مع النساء، فيلخّصه حكم صدر هذا العام بالحكم 24 سنة سجنا على صبا الشاري، التي هي بعمر 24 أيضا، بتهمة نزع الحجاب، كما يلخصه القانون الذي أقرّه البرلمان الإيراني بجواز زواج الطفلة بعمر 9 سنوات.
قبيل سقوط الشاه، وتحت عنوان «إيران: وهم القوة»، كتب صحافي بريطاني اسمه روبرت غراهام هذه الفكرة المثيرة: «اعتبار الشاه الشخص الشرير في الحكاية يمكن أن يكون مضللا. ليس هناك شيء يشير إلى أن قائدا أو مجموعة أخرى من القادة في إيران، كان يمكن أن يفعلوا أفضل أو يتصرفوا بشكل أفضل عند مواجهة الظروف نفسها. سيكون مفاجئا ألا تؤدي الأسباب إلى النتائج نفسها؛ ومنها رغبة الحفاظ على السلطة، الاهتمام بالهيبة، الغرور الشوفيني في حل المشاكل الإيرانية، وعدم الصبر على التفاصيل. يندد ناقدو الشاه بسلطويته، لكن التقاليد الليبرالية شبه معدومة في التاريخ الإيراني، فحتى مصدّق، في تجربته القصيرة في السلطة، قام بإغلاق البرلمان وأظهر ميلا إلى الحكم السلطوي».
تساهم الاستخلاصات الممكنة من هذه المقارنات في تفكيك المقاربات الأيديولوجية للثورة الإيرانية، بداية من حسبان خسائر الرأسمالين، الماديّ والرمزيّ، التي أراد رجال الدين الإيرانيون استرجاعها بالثورة، وكيفية أن توظيفهم لقضايا سياسية وإنسانية عامة: القمع والتعذيب للمعارضين الخ، والفساد المالي، كان لتخديم قمع وتعذيب لاحق وأشد سوءا بكثير لمعارضيهم، ولم يكن نقدهم للفساد السياسيّ للشاه وأعوانه، بدافع نقد الفساد بالمطلق، بل مقدمة وجسراً لتمكينهم من فساد أكبر وأشد شرا.
الشاه، بهذا المعنى، كان المرجع والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية اللاحقة، وهذا النموذج لا يختلف كثيرا ربما عن حال «الجمهوريات» العربية التي انقلبت على كيانات الاستقلال في سوريا وليبيا واليمن والجزائر وغيرها، وربما لا يختلف أيضا عن الحال الذي آلت إليه الملكيّات أيضا.
٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»
كثير من الإيرانيين يفضلون أيام الشاه على هذه الأيام السوداء! لقد كذب المعممون بوعودهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله
تعرية ( أخوية ) حقيقية للفاشية الدينية بزي الشاه.أحسنت ياحسام القدس.
مقال رائع من كاتب متميز . هذا المقال سوف يفيد كل طالب واستاذ ومفكر مهتم بالشأن الإيراني . جزاكم الله خيرا يا استاذنا الكريم
الإيرانيون اليوم هم أفقر بكثير من عهد الشاه، والإيرانيون اليوم واحدهم يقول لقد جعل الملالي منا شعب ينفر من الإسلام، و تسعون بالمئة منهم ضد ولاية الفقيه ويتمنون سقوط جمهورية الملالي ولكن القمع الرهيب يجعلهم يصمتون وما حدث في 2009 جعلهم يحسبون الف حساب للقيام بثورة على نسق ثورات الربيع العربي
تحية لالاستاذ حسام وللجميع
مقارنة صحيحية ومدعمة بالارقام لقد كان الشاه حاله حال النظام العراقي بعد انقلاب 68 البعثي فكل ما يخشاه النظامان هو ايات الله في قم والنجف ولكن هناك امر واحد ان الشاه ونظامه لم يخض حروب مدمرة لسنوات عديدة ادت الى كوارث في كل مجالات الحياة في ايران والعراق وكذلك فهو صديق امريكا والناتو ايام الحرب الباردة فلو قارنا الوضع العراقي من 1968 الى استلام صدام حسين السلطة المطلقة سنجد ان الفوارق معدومة بين المقارنة بين سنوات الشاه وتغير النظام بعده فقد عاش العراقيون احسن حالاتهم بين عام 68 الى عام 79
توزيع الثروة في عهد الشاه (١٠٪ من الشعب يملك ٤٠٪ من ٤٠٪)، كان أفضل من توزيعها في عهد الملالي (١٠٪ من الشعب يملك ٩٠٪ من الثروة). و كما كتب الأستاذ حسام، هذا الحال ينطبق على البلاد العربية.