تمر على إيران والمنطقة في شهر فبراير الجاري، الذكرى الأربعون على إطاحة الثورة الشعبية الإيرانية، حكم الأسرة البهلوية الذي امتد أكثر من نصف قرن من عام 1925 إلى عام 1979. ويؤرخ البعض لهذا الحدث على أنه الشرارة التي أطلقت مارد الإسلام السياسي في المنطقة من قمقمه.
كما تزامن الأمر مع الغزو السوفييتي لأفغانستان، جارة إيران الشرقية، بدعوى دعم السوفييت لحكم الحزب الشيوعي الافغاني في البلد المضطرب. هذا الغزو الذي فتح الأبواب على مصراعيها للجهاديين الإسلاميين، الذين خفوا من كل بقاع الارض للقتال هناك، تلبية لدعاوى مشايخ متشددين في الشرق الاوسط، اقنعوا شبابا متحمسا للقتال في أفغانستان.فماذا فعل الإسلام السياسي الذي سيطر على الحياة السياسية في إيران منذ اربعة عقود؟ وهل نجح في الامتحان طويل الأمد الذي خاضه في صراعاته طوال هذه الحقبة؟ وما هو دور الحرب العراقية الإيرانية في مسار الإسلام السياسي الإيراني؟
ربما كانت لمقولة آية الله شريعتمداري – وهو من آيات الله المعارضين إبان حكم الشاه وحكم الثورة – دلالة كبيرة إذ قال متهكما »لم يتوقع أحد أن يعود الإمام الغائب في طائرة نفاثة من طراز جامبو»، ويصف الدكتور علي مبروك ذلك في كتابه «لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا» فيقول معلقا على ذلك «رغم أن الغائب الذي عاد في الجامبو لم يكن هو الإمام المهدي الذي ظل الشيعة ينتظرون رجعته على مدى قرون ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما، بل كان آية الله الخميني، وهو أحد افراد السلالة المتمردة من الفقهاء المناضلين، الذين تصدوا للنهوض بعبء ما ظل الشيعة يعتقدون لقرون أنه من مهام الامام دون سواه. لم يجد آية الله شريعتمداري إلا هذا القول ليتهكم به على مشهد عودة آية الله الخميني إلى طهران بعد انتصار الثورة».
كان لنجاح الثورة الإيرانية في فبراير 1979 الأثر الكبير على حركات الإسلام السياسي الشيعي، فرغم أن طيفا واسعا شارك في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت حكم الشاه في طهران، تنوع بين الاحزاب الماركسية والليبرالية والإسلامية، التي اتفقت جميعها حينذاك على أن تتخذ من رجل الدين الأبرز الخميني رمزا وشعارا للثورة. لكن اللافت أن الإسلاميين سرعان ما رصوا صفوفهم وتكاتفوا، وانشأوا حزبا جديدا جامعا هو «الحزب الجمهوري الإسلامي» الذي بني على الأسس القديمة لحزب »الهيئات المؤتلفة» الإسلامي الذي تأسس عام 1962، وتم الاعتماد في تأسيسه على تشكيلات سياسية قديمة كانت فاعلة، لكنها تشظت في عدد من الحركات السياسية منذ منتصف الأربعينيات. وقد اختار الخميني أعضاء الحزب الجديد الذين عقدوا أول اجتماع لهم في بيته وبحضوره، وظل نشاط هذا الحزب سريا لمدة 16 عاماً، إذ عمل بطريقة الخلايا السرية، التي يصعب على قوات أمن النظام الملكي تعقبها، وكانوا يستغلون عضويتهم في جمعيات دينية واجتماعية غطاء لممارسة نشاطهم، لينبثق عائدا للحياة السياسية بعد الثورة باسمه الجديد.
كان لنجاح الثورة الإيرانية في فبراير 1979 الأثر الكبير على حركات الإسلام السياسي الشيعي
لقد انتهج «الحزب الجمهوري الاسلامي» منهجا يمينا متطرفا مع أصدقائه وخصومه على حد سواء، وشاعت على الصعيد الداخلي ظاهرة المحاكم الثورية التي صفت جسديا الالاف من المحسوبين على النظام الملكي، كما أشاع الحزب نمطا من سياسة القبضة الحديدية التي حاولت أن تسيطر على الدولة. وما أن انتهى شهر العسل القصير مع الجناح المعتدل من الثوريين الايرانيين، الذين كان يمثلهم رئيس الجمهورية المنتخب ابو الحسن بني صدر- الذي هرب قبل أن يصفيه خصومه الإسلاميون – حتى فرض آية الله الخميني رؤيته النظرية التي كان قد أعلنها منذ زمن طويل في كتابه المهم «الحكومة الاسلامية»، الذي شرح فيه رؤيته لنظرية الحكم في النظم الاسلامية الحديثة، التي مثلت انقلابا سياسيا في تاريخ الفكر الاسلامي الشيعي، نتيجة إحياء ما عرف بـ»الولاية العامة للفقيه» التي يتسلم بموجبها «الفقيه الأعلم «من بين الفقهاء منصب «الولي الفقيه»، مهام الامام الغائب ويمارس دوره في إدارة الدولة الاسلامية، إذ يمثل رأس الدولة ضمن نظام حكم شمولي ثيوقراطي، تساعده في ذلك مجموعة مجالس منتخبة، مع وجود هامش ديمقراطي يتمثل في انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسة الجمهورية.
أما على الصعيد الخارجي فقد انطلق العمل وفق النظرية الثورية للإسلام السياسي الشيعي، التي عرفت باستراتيجية «تصدير الثورة»، التي تمثلت بحراك محموم على دول المنطقة، التي يعيش فيها الشيعة مثل، العراق ولبنان وبعض دول الخليج لتثوير مجتمعاتها، وإسقاط نظمها الحاكمة والانضمام إلى الجمهورية الاسلامية في إيران تحت مظلة الولي الفقيه. كما تطور الأمر باتجاه دعم مختلف الحركات الإسلامية الثورية السنية والشيعية مثل، حركة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية التي خرجت من عباءتها في فلسطين، والحركات الإسلامية في لبنان الغارق حينها في أتون الحرب الاهلية.
وقد لعبت الحرب العراقية الإيرانية دورا محورا في تقوية النظام الاسلامي الحاكم في إيران، ومنحته شرعية مواجهة الخطر الخارجي، وجعلت الشعوب الإيرانية تتناسى خلافاتها مع النظام وتقف معه بوجه التحدي الخارجي. حرب الثمانينيات ابتدأ بمناوشات حدودية بين البلدين صيف 1980، وكان المراقبون يتوقعون التوصل إلى حلول تنهي النزاع بأسرع وقت، لكن نظام صدام حسين الذي تسنم الحكم في العراق قبل عام واحد انطلق في تنفيذ عمليات عسكرية خاطفة في سبتمبر 1980 محاولا استثمار حالة الفوضى التي كانت تمر بها إيران بعد الثورة، وحالة الصراعات الداخلية التي يخوضها الاسلاميون ضد خصومهم في الداخل.
كما حاول العراق أن يعيد ما تنازل عنه من أراض ومياه في معاهدة الجزائر 1975، وفعلا تمت استعادة راض واسعة في وسط وجنوب إيران، ومنها مدن ذات ثقل حيوي مثل مدينة المحمرة ومدينة قصر شيرين الاستراتيجيتين، ونتيجة حملة الاعتقالات والاعدامات التي طالت رؤوس جنرلات مهمين في الجيش الايراني مع بدء الثورة الايرانية، عانت المؤسسة العسكرية من خسارات كبيرة في السنة الاولى من الحرب، لكن وبفتوى النفير العام التي اطلقها المرشد، وتشكيل كتائب أو ميليشيا الحرس الثوري المرتبطة بالولي الفقيه، ابتدأ ميزان القوى يميل لصالح إيران منذ اكتوبر 1981 في معارك الطاهري – جسر حالوب، التي استعاد فيها الايرانيون أغلب اراضيهم التي فقدوها قبل ذلك، وابتدأوا يهددون مدن العراق الجنوبية المهمة كالبصرة وميسان.
وقد استثمر نظام الولي الفقيه الحرب لتكريس سلطته المطلقة، واستخدام حالة الطوارئ التي عاشتها إيران طوال ثماني سنوات للتخلص من خصومه السياسيين، وتكريس وجهات نظره الاجتماعية والسياسية التي انعكست كتطبيقات وسلوكيات يومية، حولت إيران من دولة متحضرة ذات سمات حداثوية لافتة نهاية السبعينيات، إلى بلد منغلق ذي تطبيقات اسلامية صارمة تسير الحياة اليومية للناس، الذين تماهوا مع الحراك الثوري في بداية عمر الثورة، ثم سرعان ما ابتدأت حالة التذمر من سطوة الحكم الشمولي الاسلامي في ايران.
بعد رحيل آية الله الخميني عام 1989 وتولي خلفه آية الله خامنئي سدة ولاية الفقيه، انقسم مشهد الاسلام السياسي الشيعي في إيران إلى تيارين رئيسيين هما: التيار الاصلاحي والتيار المحافظ، اللذان باتا يتنافسان ضمن هامش ديمقراطية ضيق، يتيحه النظام السياسي في إيران تحت نظام يتحكم به الولي الفقيه، ورغم أن هذا التقسيم قائم منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الان، إلا أن الغموض وعدم وضوح الحدود ما زال يكتنفه، فلا توجد تنظيمات سياسية واضحة ممثلة لكل تيار.
اللافت في الحياة السياسية الإيرانية اليوم، بعد مرور أربعة عقود على الثورة أن الحراك عادة ما يتم نتيجة الالتفاف حول شخصيات ممثلة للاتجاهات السياسية، فالمحافظون متمترسون بالمنظمات والتشكيلات القريبة من الولي الفقيه مثل الحرس الثوري والباسيج والحرس القديم لنظام الولي الفقيه في المؤسسات الدستورية، بينما التيار الاصلاحي ينتج عادة من التفاف حراك الشباب والطلبة حول شخصيات اصلاحية مثل الرئيس محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي، كما حصل فيما عرف بالانتفاضة الخضراء عام 2009 في التظاهرات التي خرجت رافضة نتائج الانتخابات الرئاسية، وقد تحول رموز التيار الإصلاحي إلى رموز ونماذج إصلاحية التف حولها الشباب لتشكيل حركتهم الإصلاحية التي أجهضت. ولم تزل جولات الصراع بين الاصلاحيين والمحافظين مستمرة حتى الآن، في ظل الولاية الثانية لرئيس الجمهورية الإصلاحي حسن روحاني، التي يبدو انها باتت تمثل المعلم الرئيس للاسلام الشيعي في ايران.
كاتب عراقي
ما فوجئت به بعد إنتصار الثورة هو حرقة الإنتقام الشديدة عند رجال الدين اللذين وصلوا للسلطة و سريعاً نصبوا المشانق للآلاف من رجال النظام السابق .
و أستطيع أن أقول هذه المشاعر الاإنسانية قد تكون ساهمت في إشعال الحرب و إستمرارها ثماني سنوات عجاف و مدمرة فقد خلالها ما يقارب المليون من شباب كلا البلدين حياتهم .
و مع شديد الأسف مثل هكذا مشاعر ظهرت في العراق بعد ٢٠٠٣ ، و هذا جزئياً يفسر تدهور الأحوال بعد ذلك
حل مشاكل إيران يتم بإعلان مرشد أعلى عدمية نظريات سلفه وتسليم سلطاته لرئيس الجمهورية لإلغاء دولة فوق الدولة تعادي شعوب إيران والعرب والمسلمين والعالم وإلغاء ما خلقته في 4 عقود بتبديل دستور مدني بدستور وقوانين شريرة وتفكيك أجهزة أمن تضطهد شعوب إيران وتفكيك مصانع أسلحة دمار شامل وصواريخ بالستية هدفها العدوان وإلغاء حرس ثوري وميليشيات مسلحة وخلايا إرهاب ومؤسسات جمع وغسيل أموال بدول عربية وإسلامية وبالعالم، وخفض موازنة حكومة وجيش للربع لإنقاذ اقتصادها وقصر إنفاق ثروات إيران على تحسين معيشة مواطنيها.