الثورة السورية.. وسياسة إعلان الانتصار

حجم الخط
0

من يسمع (خفيف الظلّ) وليد المعلم وزير خارجية النظام قبل أيام وهو يقول: نحن ذاهبون إلى مؤتمر جنيف المرتقب لوقف العنف في سورية وليس لنقل السلطة، ويشدد على أن الذهاب إلى جنيف ليس من أجل تسليم السلطة إلى الطرف الآخر وواهم من يعتقد ذلك. من يسمع كلامه ويسمع كلام رئيسه ديكتاتور الشام من قبل وكذا كلام شريكهما في التنكيل بالسوريين حسن نصر الله يظن أنّ المعركة قد حسمت، وأنّ النظام قضى على الثورة، وأنّ المسألة هي مسألة وقت فقط، أسابيع قليلة ويعود كل شيء كما كان عليه قبل ثلاثين شهراً.
نعم يحاول النظام وشركاؤه الدوليون والإقليميون هذه الأيام أن يظهروا بمظهر القوي المنتصر بعد أنّ جعلوا من معركة القصير (كحدث ميداني) معركة فاصلة حددت مصير الثورة السورية، وجعلت العد العكسي يبدأ لهزيمة الثوار ونهاية الثورة السورية كما يظنون، وكما ارادوا أن يصوروا ذلك في الإعلام ضمن استراتيجية الحرب الإعلامية التي يشنها النظام وشركاؤه بالتوازي مع الحرب العسكرية الوحشية.
ولكنهم حقيقة يعلمون أنّ معركة القصير على أهميتها النوعية كونها قريبة من الحدود اللبنانية ما هي إلا جولة واحدة من جولات وجولات، بل يعلمون أيضاً أنّه في الوقت الذي احتلت فيه القصير تحررت مناطق أخرى في الجنوب والشمال، وحقق الثوار مكاسب ميدانية كثيرة في أكثر من بقعة في جغرافية سورية.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: بعد ثلاثين شهراً من الثورة السورية: من يحقّ له أن يشعر بأنه القوي المنتصر؟ أو بعبارة أخرى: هل عدم سقوط النظام بعد هذه الفترة هو انتصار؟ أم استمرار الثورة وعدم قدرة النظام على القضاء عليها هو الانتصار؟
إن استمرار الثورة السورية بعد هذه الأيام الطويلة وبعد هذه التضحيات الجسيمة التي قدمها السوريون في ظلّ تخاذل الأقربين وصمت وإقرار الأبعدين مع استماتة حلفاء النظام وشركائه في الدفاع عنه من جميع النواحي وبجميع الوسائل أليس هو الانتصار الحقيقي؟
إذا نظرنا إلى الوقائع على الأرض سنجد أنّ الحال لم يتغير بعد احتلال القصير، صحيح أن النظام قد أخذ جرعة معنوية كبيرة بعد الدخول المكشوف لحزب الله في المعارك، وربما استطاع أن يأخذ زمام المبادرة إلى الهجوم في بعض المواقع، ولكن الواقع على الأرض يقول :إنّ الثوار ما زالوا يسيطرون على حوالي ثلثي جغرافية سورية الحبيبة.
إذن عن أي انتصار يتحدثون؟ إنّ مجرد استنجاد النظام بعناصر مليشيا حزب الله أحد علامات الضعف، ودليل على قرب الانهيار، وقد قال نصر الله هذا صراحة كما نقل عنه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي يقول: أنّ حسن نصر الله ابلغه بأن: التدخل في سورية تقرر بعدما وصل المقاتلون المعارضون إلى دمشق، وكادوا يحتفلون بالنصر.
من القوي المنتصر؟ الشعب السوري الذي صمد حتى الآن ثلاثين شهراً أمام قمع همجي وحشي لم يعرف التاريخ مثله، مدعوم بآلة عسكرية سخرتها قوتان عظميان إقليمياً ودولياً ، هيأت له كافة الإمكانيات العسكرية والاقتصادية والسياسية، في حين لا يجد هذا الشعب بعد ثلاثين شهراً من ثورته من يجرؤ أن يعطيه ولو بعض صواريخ مضادة للدروع أو الطائرات؟
من القوي المنتصر ؟ الشعب السوري الذي صبر أمام أساليب النظام الوحشية لكسر إرادته في طلب الحرية بدءاً من القتل والتنكيل بكلّ صنوفه وأنواعه، عشرات بل مئات المذابح الهمجية الطائفية التي قضى فيها أطفال ونساء وشيوخ بطريقة يندى لها جبين البشرية (آخرها ما يحصل اليوم في حمص المحاصرة وما حصل في القريتين وتلكلخ وغيرها) إلى القصف بالسكود إلى استخدام الأسلحة الكيمائية الذي بات أمراً من الماضي إلى التهجير والتشريد إلى تدمير المدن فوق رؤوس أهلها. من المنتصر: شعب استمر بثورته بعد أن هجّر وشرّد أكثر من ثلثيه من بيوتهم وأراضيهم ومدنهم ؟أم نظام يحتمي بقوة عظمى ويستنجد بالعصابات الطائفية و يجند عشرات ومئات الألوف من شبيحة اللجان الشعبية؟
إن فلسفة الانتصار الحقيقية التي يدركها البشر جميعاً تقول: أن العبرة بالخواتيم والنهايات، وتقول: يضحك كثيراً من يضحك أخيراً.
عبد عرابي
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية