الجامعة العربية إلي أين؟
د. محمد الجاغوبالجامعة العربية إلي أين؟ مرة أخري يبرهن الأمين العام للجامعة العربية علي أن جامعته هذه جامعة دول وحكومات، لا جامعة شعوب وجماهير، ويبرهن علي أنه مجرد موظف لدي حكومات هذه الجامعة، يأتمر بأوامرها وينتهي بنواهيها، ولم يعد يتمتع بهامش من الاستقلالية في اتخاذ القرار، أو التأثير في أحداث الوطن العربي وقضاياه المصيرية. فمتي ما أريد له أن يقاطع العراق ويمنع من زيارة بغداد فإنه يمتثل، وينسي محاصرة العراق والحشود التي أحدقت به، والأحداث الجسام التي روعت أبناءه. ومتي ما أريدَ له أن يزور العراق المقاوم، لا لدعم المقاومة والاطمئنان عليها، بل للمساومة عليها، وإنقاذ المحتلين من ورطتهم وخسائرهم، فإنه أيضاً يمتثل، ويخاطر بنفسه، ويلتقي رموز حكومة (فيشي) العراقية. ففي الحالة الأولي كان الأمريكيون يحاصرون العراق وقيادته وشعبه، ويتأهبون لمهاجمته، وكانت دول الجامعة العربية تخشي من التضامن مع العراق الشقيق ولو بمجرد كلمة، بل إن بعض تلك الدول ذهبت إلي أبعد من ذلك، فارتكبت خطيئة قابيل. وفي الحالة الثانية عندما وجد الغزاة أنفسهم متورطين، ويغرقون رويداً رويداً في المستنقع العراقي، وخسائرهم ترتفع يوماً إثر يوم، قالوا لأصدقائهم في المنطـــــقة: إنْ لم تسارعوا إلي إنقاذ الموقف فسنضطر في نهايــة المطاف للانسحاب من العراق، وربما من المنطقة كلها، وأنتم ولا شك تدركون عواقب ذلك. قال العرب (الأبرار): ما المطلوب إذن؟ وقال الأمريكيون: الحل أن تدفعوا بأمين عام جامعتكم إلي بغداد للتفاهم مع هيئة علماء المسلمين في العراق، لكي يخففوا من حدة مواقفهم وعدائهم للأمريكيين، وأن يتفاهموا مع الطائفيات والعرقيات الأخري، ويتقبلوا الوضع الجديد. لم يمانع السيد عمرو موسي في ذلك، فهرول إلي بغداد مخاطراً بنفسه بحجة حقن دماء العراقيين وإحلال الصلح بينهم، والعمل علي بناء عراقهم الجديد علي أسس من الأمن والديمقراطية. تري ألم يسأل السيد موسي نفسه: أي عراق هذا الذي يزوره؟ ألم يخطر بباله أن هذا العراق محتل وممزق ومنزوع السيادة علي أرضه، وأنه محروم من هويته العربية تحت ستار ما يسمي بالدستور الجديد، والرئيس الجديد. أليست هذه الهوية شرطاً أساسياً لانضمام أي دولة عربية للجامعة؟ ألم يصبح العرب العراقيون وفق المعادلة الجديدة جالية في وطنهم؟وما دام الأمر كذلك فإن جاليات عربية كثيرة تعيش في بقاع شتي من العالم، ليس لها رؤساء ولا حكومات تمثلها من جنسها، كما هو الحال في أستراليا وكندا وفرنسا. فلماذا لا تدعي هذه الدول للانضمام إلي جامعة الدول العربية؟! قد يقول قائل : إن هذه الجامعة جامعة دول عربية، والدول المذكورة ليست كذلك، وعند ذلك يقفز سؤال كبير إلي الواجهة يقول : هل العراق في صيغته الحالية والممزقة دولة عربية؟ فعلي ماذا ينص دستوره المفبرك أمريكياً، وأين رئيسه العربي ؟ لقد كان السيد عمرو موسي يتمتع بمكانة رفيعة لدي الجماهير العربية عندما كان وزيراً لخارجية مصر، وقد لمس العرب منه مواقف وطنية عديدة حيال ملف القضية الفلسطيـــنية، ولكنه عندما أصبح أميناً عاماً لجامعة الدول العربية راح يفقد المكانة التي كان يتمتع بها أسلافه من الأمناء العامين السابقين. لقد رضي لنفسه أن يكون مجرد موظف كبير تعينه الحكومات العربية، وتقبل استمراره أو تعمل علي إقصائه. لماذا ضحي السيد موسي بمكانته في الشارع العربي؟ وارتضي لنفسه الانخراط في دور لا يليق به ولا بالجامعة؟ لماذا لا يصارح الجماهير العربية بحقيقة الأمر، ويقول لهم: إن مجرد وزير خارجية عربي له الكلمة الفصل علي الجامعة وحكوماتها وشعوبها أكثر مما هو للأمين العام. لماذا لا يتنحي ويترك الحلبة، حتي لا يحكم عليه التاريخ حكمه علي الكثير من مسلوبي الإرادة والتابعين في هذا الوطن؟ أما الجامعة العربية فبعد أن أزري بها الزمان، وأضعفت حكوماتُها دورَها، وأهانتها وأجبرتها علي المساهمة في إقرار العدوان وتسويغه والسكوت عليه، ومن ثم الاعتراف بواقع الاحتلال، والتعامل مع نواتجه، وبعد أن صارت سيادة دولة عربية صغيرة من دول الجامعة أقوي من إرادة الجامعة والأمة، بعد ذلك كله الأَولي بهذه الجامعة أن تحل نفسها. 8