الجامع العمري الكبير.. شاهد على تاريخ بيروت

حجم الخط
0

بيروت- ناديا الحلاق: يقف الجامع العمري الكبير، شامخاً، وسط حي بيروت التجاري، منذ الفتح الإسلامي، إبان الخليفة عمر بن الخطاب، وأطلق عليه هذا الاسم نسبة للخليفة.

وإلى جانب أنه أكبر الجوامع الموجودة في قلب العاصمة، يبقى الشاهد الأول على تاريخ بيروت وما مرت به على مدى قرون.

وتوالت على المسجد أسماء كثيرة، اشتهر بها عند الناس في أزمنة مختلفة، ففي عهد المماليك كان اسمه جامع “فتوح الإسلام” أي انتصار الإسلام، وذلك عندما أخرج المماليك الصليبيين من البلاد.

وفي العهد العثماني كان يُطلق عليه اسم جامع “النبي يحيى”، وذلك يعود لاحتمالين، إما نسبة لما كان يطلق عليه عندما كان كاتدرائية صليبية، وإما توهماً بوجود جزء من رفات النبي يحيى فيه.

وقد أقيم عليه قفص حديدي على يد السلطان عبد الحميد الثاثي العام 1305هـ (1888 م).

وللجامع العمري الكبير مداخل عدة مفتوحة على مختلف الشوارع المحيطة به تسهيلاً لدخول الناس إليه.

فبابه ‏الرئيسي يطل على سوق العطارين، وله باب‎‎ثان يطل على سوق الحدادين، كما فتح له باب ‏ثالث يطل على شارع ويغان،‎‎وهو شارع الترامواي الكهربائي المستحدث أوائل القرن ‏العشرين.

كان الجامع العمري الكبير في بيروت المسجد الرئيسي للمدينة، والذي تقام فيه الاحتفالات الوطنية والدينية ذات الطابع الرسمي والشعبي.

وكان المسلمون بداية من الوالي، والمفتي، والوجهاء، والأمراء، إلى جانب قادة العسكر وعامة المسلمين يشاركون في هذه الاحتفالات.

وللجامع العمري أيضاً دور في النشاط الاجتماعي، حيث تأسست داخله جمعية الخلايا الاجتماعية، كما كان الجامع يضم أوائل القرن العشرين مكتبة عامرة، نُقلت مؤخراً إلى أزهر لبنان.

وعن تاريخ المسجد العمري الكبير، يقول إبراهيم الحوت، ستاذ جامعي و‘مام مسجد بيضون (حي الأشرفية ببيروت)، إن المسجد حول في عهد الصليبيين إلى كنيسة، ثم قام السلطان صلاح الدين الأيوبي العام 583هـ (1188 م) بتحويل الكنيسة إلى مسجد.

ويضيف، للأناضول، عندما استعاده الصليبيون عام 593هـ ( 1199 م) حولوه إلى كاتدرائية بقيت في حوزتهم فترة من الزمن.

واستعاده المسلمون ثانية في عهد المماليك، إبان الأمير سنجر مولى الملك أشرف خليل بن السلطان محمد قلاوون في العام 764هـ (1362 م) ومنذ تلك الأيام استقر مسجداً، وفق الحوت.

وأشار الحوت إلى أن المسجد شهد خلال تلك الفترة الكثير من التطورات، وبينها إنشاء المأذنة على يد موسى إبن الزيني في عهد الأمير‎‎الناصر محمد بن الحنش.

كما أضاف عبد الله بن الشيخ إبراهيم الخطيب عدة غرف له، وفي عهد حاكم ‏بيروت أحمد باشا الجزّار أنشأ الصحن‎‎الخارجي العام 1183هـ (1770 م).

وفي عام 1305هـ (1888م) أنشأ السلطان عبد الحميد الثاني ‏القفص الحديدي داخل المسجد‎‎المنسوب لمقام النبي يحيى.

وأشار “الحوت” إلى أن الجامع العمري الكبير احتوى، ولفترة من الزمن، على ثلاث شعرات للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك منذ أواخر عهد الدولة العثمانية وحتى بداية الحرب الأهلية 1975.

أما وصول هذه الشعرات النبوية إلى المسجد العمري، فكانت على مرحلتين: الأولى أيام السلطان عبد المجيد الأول ( 1861 -1823)، الذي أهدى بيروت إحدى شعرات النبي مكافأة لأهلها الذين بقوا على ولائهم للدولة العثمانية، والثانية قدمها السلطان محمد رشاد (محمد الخامس) (1918 – 1844) للمدينة خلال الحرب العالمية الأولى.

وأردف الحوت: قدمت الشعرات في صندوق ووضعت في غرفة الحجرة، وقد اعتاد أهالي بيروت على التبرك بهذا الأثر الكريم.

وأشار إلى أن الصندوق كان يفتح سنوياً في 26 رمضان، حتى فُقد الصندوق خلال الحرب الأهلية.

وتابع الحوت أنه بين عامي 1949، و 1952 خضع المسجد لبعض الترميمات، وبني المدخل الرئيسي لهذا الجامع من الجهة الغربية على الطراز الغربي.

كما زين بنقوش مرسومة بيد الفنان البيروتي علي العريس، منها ستة أسطر نحتت على لوح من الرخام الأبيض مربع الشكل تحيط به زخارف بأشكال نباتية سوداء اللون.

ويحيط بذلك كله إطار من الرخام، وهو مثبت على حائط القبلة.

واندلعت الحرب الأهلية العام 1974، وتعرض وسط بيروت لدمار شامل، وكان للجامع العمري حصته من هذا الدمار، فتعرض للسرقة وأصيب بأضرار كبيرة وحطّمت أسماء الصحابة التي كانت في نقوشه الأثرية وتوقفت فيه الصلاة.

وبعد انتهاء الحرب تبرعت كويتية بإعادة ترميم الجامع وتوسيعه بأحدث الطرق الفنية محافظاً على طابعه الإسلامي، بحسب ما أكد الحوت.

وقال الحوت إنه خلال الترميم تم اكتشاف مسجد سفلي يعود إلى العهدين الأيوبي والمملوكي كان مطموراً، وقد حُول هذا الطابق إلى منشآت تابعة للمسجد.

‎وأضاف “‎أوق أهل بيروت على هذا الجامع المئات من الأوقاف والأراضي للإنفاق عليه”.

وختم الحوت “الجامع العمري الكبير يلي جامع الإمام الأوزاعي من حيث القدم، وهو من أقدم الأبنية الأثريّة التي ما تزال قائمة على حالها في بيروت”. (الأناضول)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية