لن أتابع هذا الأسبوع موضوع بناء المرجعية للقيم، نظراً لفداحة وأهمية تطورات الموضوع الفلسطيني خلال الأيام الأخيرة. في هذا العالم هناك جبن مقبول إذا كانت تبرره فداحة الأخطار وأهوالها، ولكن هناك جبنا مذلا مستسلما لا تبرره إلا رذيلة غياب المروءة وموت الضمير. النوع الأخير من غياب الشجاعة وممارسة الجبن الذليل الانتهازي، أصبح ظاهرة لافتة لدى بعض أوساط الحكم في بلاد العرب، أمام الكيان الاستعماري الاستئصالي العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة، وعرابه وتوأمه التاريخي المماثل له، الولايات المتحدة الأمريكية.
وإلا كيف نفسر الاتصالات التلفونية المصاحبة بدموع التماسيح، والبيانات الصادرة من بعض وزارات الخارجية العربية، وعبارات المواساة من قبل بعض مثقفي الردة القومية، لتقديم التعازي لقادة الكيان الصهيوني، وللتعبير عن استنكارهم لمقتل سبعة من السكان المحتلين الصهاينة في مدينة القدس، من قبل شاب فلسطيني شجاع حركته النخوة، الغائبة عن عقول وضمائر وإنسانية أولئك المولولين، ليثأر لمقتل عشرة وجرح العشرات من شعبه في بلدة جنين ومخيمها قبل يومين فقط، ولمقتل الألوف من شعبه المغلوب على أمره، عبر عشرات السنين، ولسرقة وطنه ومياهه وأرضه، ولتدنيس مساجد وكنائس مدينة قدسه، ولدخول جند الاحتلال يومياً مدن وقرى فلسطينية لنسف البيوت وأسر الأطفال والنساء وحرق المزارع؟
ولا يمكن أن نفسر أو نصدق أن العرب والمسلمين ما زالوا يرون في أمريكا دولة وساطة شريفة قادرة على المساعدة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
حدث كل ذلك بينما كان من الشرف، ومن الأخوة والأمانة، ومن الالتزام القومي، أن يسحب بعض السفراء العرب من لدى الكيان، أو يطرد بعض سفراء الكيان من بعض العواصم العربية، أو يعلن التهديد بالتوقف عن الاستمرار في التطبيع المتحدي لمشاعر وعقائد كل العرب وكل المسلمين، سواء بعد مذبحة جنين، أو من قبل ذلك بعد مئات المجازر والاغتيالات التي ارتكبها جند الكيان بحق المدنيين الفلسطينيين العزل. الغريب أن المولولين أنفسهم يسمعون التصريحات اليومية من قبل الكثيرين من الأصوليين الصهاينة بشأن يهودية الكيان، وطرد الفلسطينيين الموجودين حالياً في الضفة الغربية وفي الجزء المحتل عام 1948، والتوسع في بناء مستعمرات الاستيطان الصهيونية إلى حين الاستيلاء على ما بقي من فلسطين التاريخية، ويرون الطائرات الحربية المهداة من قبل أمريكا إلى جيش الكيان وهي تدك غزة المرة تلو المرة، ويسمعون التهديدات العنترية من فم القاتل نتنياهو (ووزرائه) بشأن معاقبة عائلات كل مقاوم فلسطيني، ومع ذلك يستمرون في تقديم المبررات والتفسيرات ولا تهمهم مشاعر الغالبية الساحقة من شعوبهم، ولا التزامات هوية العروبة وأخوة الإسلام والمسيحية، ولا بكاء الثكالى الفلسطينيات، ولا عيون الهلع والرعب في وجوه أطفال فلسطين وهم يجرجرون إلى السجون ويفصلون عن أهاليهم وأحيائهم بغدر وقسوة شيطانية. وهكذا، ما عاد الدين ولا الأخلاق ولا القيم الإنسانية ولا أية فضيلة إنسانية تحكم رد الفعل المؤلم العبثي المجنون ذاك. لا يمكن أن نفسر أو نصدق أن كياناً من سبعة ملايين إنسان قادر على أن يجعل أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، وأن يجعل أربعمئة وخمسين مليون عربي ومليار ونصف مليار مسلم، يعيشون الذل والعجز والعبث الذي يريده لهم الكيان الغاصب الصهيوني، من دون أن نسمع صوتاً رسمياً عربياً يقول «كفى هذا الذل وتلك الضعة» ويخرج بتصريح غاضب واحد في أية مؤسسة عربية وإسلامية مشتركة. ولا يمكن أن نفسر أو نصدق أن العرب والمسلمين ما زالوا يرون في أمريكا دولة وساطة شريفة قادرة على المساعدة في حل هذا الصراع، مع أن أي حل تقدمه أمريكا ليس أكثر من إذلال أكبر واستسلام لا ينتهي ومحاصرة وتجويع لكل من يجرؤ ويقاوم بشرف وأمانة. ولكن، دعنا نذكر المعتمدين على أمريكا الاستعمارية بما كتبه في الماضي، بول كريج روبرتز، نائب صحيفة «وول ستريت»، ومسؤول سابق في شتى المراكز الحكومية الأمريكية، كشاهد عادل بحق دولته: «حكومة الولايات المتحدة الأمريكية هي المنظمة الإجرامية الأكثر اكتمالاً في تاريخ البشرية».
ودعنا نذكر بما قالته ضابطة اتصال الاستخبارات الأمريكية السابقة سوزان لندارو، من «أن وكالة الاستخبارات الأمريكية هي حاضنة للموساد الإسرائيلي». هل دولة كهذه تستحق أن يهلل البعض ويرحب بمجيء وزير خارجيتها ورئيس استخباراتها، أملاً في أن توقف المجازر الصهيونية، ويرتدع الصهاينة الأصوليون المتطرفون؟ هل سنحتاج إلى سبعين سنة أخرى لنعرف الجواب الصحيح ونرى ألاعيب هذا الكيان وربيبته الأمريكية؟
كاتب بحريني
مقال رائع وقوي يا أستاذ علي. . . ياحبذا لو يقرأه من ذكرتهم من (المولولين )) ويستحوا على أنفسهم ويسكتوا بدل تصريحاتهم الجبانة الخالية من النخوة والقوة . . . ضاعت الشهامة والرجولة في هؤلاء يشربوا الذل والمهانة للحفاض على مكانتهم الدنيوية. . . . لا بارك الله فيهم وأمثالهم . . حسبنا الله ونعم الوكيل
مقال رائع وقوي يا أستاذ علي. . . ياحبذا لو يقرأه من ذكرتهم من (المولولين )) ويستحوا على أنفسهم ويسكتوا بدل تصريحاتهم الجبانة الخالية من النخوة والقوة . . . ضاعت الشهامة والرجولة في هؤلاء يشربوا الذل والمهانة للحفاض على مكانتهم الدنيوية. . . . لا بارك الله فيهم وأمثالهم . . حسبنا الله ونعم الوكيل
أستاذ علي فخرو ، إسم على مسمى ، أنت فخر للعروبة بشعورك الوطني العروبي الصادق. نعتز بك وبالكثيرين من الوطنيين البحرينيين الذين يرفضون التطبيع مع الكيان الصهيوني.
كل التقدير للصوت العروبي الاصيل