‘الجبهة الإسلامية’ وجه معقول للثورة السورية وعلى الغرب التحاور معها سراً

حجم الخط
0

لندن- ‘القدس العربي’ جاء إعلان زعيم القاعدة أيمن الظواهري التبرؤ من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في ظل تطورات في المشهد السوري أهمها فشل مؤتمر جنيف 2 في تحقيق أي من أهدافه السياسية والإنسانية بحسب المبعوث الأممي الخاص لسوريا الأخضر الإبراهيمي الذي أعلن في المؤتمر الأمني الدولي الذي انعقد في ميونيخ ‘لم يحقق جنيف 2 أي شيء’ . وفي ضوء تصريحات لوزير الخارجية الأمريكية جون كيري الذي اعترف بفشل مسار الحل السياسي والحاجة للتفكير في مدخل جديد يقوم على تدريب وتسليح المعارضة السورية، أما التطور الثالث والأهم فهو شهاد مدير الأمن القومي الأمريكي أمام الكونغرس والتي اشار فيها إلى تحول سوريا لمركز للتطرف الإسلامي بدرجة أصبحت تهدد ‘الوطن الأمريكي’.

مدخل جديد

ودعت صحيفة ‘واشنطون بوست’ ومعلقون لديها الإدارة الأمريكية لباراك أوباما إعادة النظر في الإستراتيجية التي قامت على التبرير والحديث عن إنجازات تفكيك الترسانةالكيميائية للنظام السوري.
وتدعو الصحيفة في افتتاحيتها إلى انتهاز فرصة عقد الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي الروسية والدفع بقرار مع حلفائها في مجلس الأمن يدعو النظام السوري إلى تسهيل وصول المواد الغذائية والطبية للمناطق المحاصرة، ويفوض المؤسسات العاملة في الأمم المتحدة للعمل في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة السورية.
ووجه الربط بين سوتشي وقرار مجلس الأمن هو أن روسيا قد لا تجد مفرا وهي التي تستقبل الألعاب الأولمبية من الموافقة على القرار وعدم استخدام الفيتو، لأن فلاديمير بوتين- الرئيس الروسي لا يريد الظهور بمظهر من يرفض وصول المساعدات للجياع من الأطفال والمحاصرين.
وقالت الصحيفة إن تصريحات كيري حول السياسة الأمريكية في سوريا والتي نقلها كل من السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا جون ماكين، وليندزي غراهام، السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، ونقلها عنهما الصحافي في ‘واشنطن بوست’ فريد هيات، تستحق الثناء إن صحت، مع أن المتحدثة باسم الخارجية جينفر بساكي نفت هذا الكلام، وقالت إن كيري كان يتحدث بعمومية وأن أحدا في هذه الإدارة لا يعتقد ‘أننا نقوم بما فيه الكفاية لوقف الازمة الإنسانية والحرب الأهلية’، مضيفة أن ما نقله النائبان ‘لا يختلف عن رسالة وزير الخارجية كيري التي يتحدث عنها في لقاءاته الخاصة’.
ومجمل ما نقل عن كيري في اللقاء الخاص الذي حضره عدد آخر من النواب وهو أن كيري اعترف بأن عملية تدمير الترسانة الكيميائية تسير ببطء وأن الروس لا يزالون يزودون النظام بالسلاح مما يعني أن الإدراة وصلت ‘نقطة أصبحنا فيها بحاجة لتغيير استراتيجيتنا’. وفهم غراهام من كيري أنه يدعو لتسليح وتدريب المقاتلين’ السوريين.
وجاء اعتراف كيري أو حديثه كمناسبة من الصحيفة لإعادة النظر في مجمل الموقف الأمريكي من الحرب بعد الإعتراف بفشل المدخل الدبلوماسي للأزمة. وقالت الصحيفة إن كيري ظل يؤكد للعالم أن الحرب الأهلية السورية لا تحل إلا من خلال المفاوضات في جنيف. وأكد أكثر من هذا على هدف المفاوضات التي قال إنها لظهور حكومة انتقالية تحل محل حكومة نظام بشار الأسد.
وفي السياق نفسه تشير الصحيفة إلى موقف الرئيس أوباما الإعتذاري الذي أكد فيه موافقة سوريا تسليم أسلحتهاالكيميائية تحت تهديد الضربة العسكرية.

موقف لا يمكن الدفاع عنه

وفي تقييمها لتصريحات كيري ورئيسه أوباما تقول إن كلا المبررين لم يعد ‘يحمل مصداقية’ ولا يمكن الدفاع عنه، خاصة بعد اعتراف الأخضر الإبراهيمي نفسه بفشل جنيف في تحقيق أي شيء، حتى الهدف الإنساني، فلم يوافق النظام على فتح موضوع حكومة إنتقالية فحسب بل رفض تسهيل وصول العون الإنساني، وحتى الملف الكيميائي لا يسير حسب الخطة كما ذكر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن محاولات النظام السوري تعويق تدمير نسبة 4 في المئة من الترسانة الكيميائية.
وتناولت الصحيفة تصريحات جيمس أر كلابر، مدير الأمن القومي الأسبوع الماضي والتي أكد فيها على الدور الذي تلعبه في سوريا في خارطة التطرف، ومخاوفه من قيام الإرهابيين التخطيط وتدريب جهاديين من المناطق الخاضعة لسيطرتهم في سوريا للقيام بعمليات إرهابية داخل أمريكا. وعلى خلاف مزاعم أوباما التي تمسك بها والتي قال إن أي تدخل أمريكي في سوريا لن يزيد الأمور الإسوءا، وأن الأزمة السورية لن تحل إلا بعملية واسعة على غرار الغزو الأمريكي في العراق.
وتقول لو مارس أوباما ضغطا عسكريا كذلك الذي مارسه الصيف الماضي لأذعن الرئيس الأسد وسلم أسلحته الكيميائية بالكامل ولتم وضع حد للجرائم التي يرتكبها النظام تحت سمع ونظر العالم والتي تشمل تجويع الأطفال وإعدام السجناء بصورة جماعية، وحصار المدن والأحياء، وشن حرب بالبراميل المتفجرة وإطلاق صواريخ سكود.
وفي السياق نفسه كتب فريد هيات يقول إن سياسات الإدارة أدت لتحول سوريا وبكلمات أنطونيو غاتريز، مفوض اللاجئين في الأمم المتحدة إلى ‘أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم منذ مذابح الإبادة في رواندا’.
ووصف مدير منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) كينيث روث ما يجري في سوريا من تشريد وقتل وتجويع بأنها تمثل ‘استراتيجية جرائم الحرب’ وتقوم هذه الإستراتيجية على ‘تجويع الناس وتحويل الحياة في مناطق المعارضة لبؤس شديد’. ويشير هايت إلى أن روث عرض في مؤتمر ميونيخ شريطا يظهر فيه قصف النظام للمخابز والطوابير المزدحمة أمامها في انتظار الخبز.
ولم ينس الكاتب بالتذكير هنا بـ 55 ألف صورة كشف عنها تحقيق مستقل الشهر الماضي وأظهرت قتل 11 ألف سجين تحت التعذيب وبسبب سياسة التجويع. حدث كل هذا والرئيس أوباما يردد منذ عامين أنه يجب على الأسد ‘الرحيل عن السلطة’، وفي وقت تحولت فيه سوريا لمركز للراديكالية الإسلامية، وتتزايد فيها أعداد المقاتلين الإسلاميين في سورية 27 ألف مقاتل بحسب كلابر منهم 7 آلاف مقاتل أجنبي.
ولعل تصريحات كلابر كانت دافعا وراء حديث كل من ماكين وغراهام للصحافيين الأمريكيين منهم هيات وصحافي ‘بلومبيرغ فيو’ وآخر في ‘ديلي بيست’. ويأمل النائبان أن تؤدي تعليقات مدير الأمن القومي وصور التعذيب لإعادة نظر تقوم بها الإدارة في سياستها في سوريا.
وعن شكل التغير الذي يريده ماكين وغراهام، فهما يرغبان برؤية قوات أمريكية، غارات جوية تضرب مواقع القاعدة الآمنة وهو ما يدعو إليه غراهام أما ماكين فيريد إنشاء مناطق آمنة في داخل سوريا لتدريب الجيش السوري الحر، وتقديم العون للاجئين، وهناك خيار آخر وهو ما دعت إليه الصحيفة العمل من داخل الأمم المتحدة للضغط على نظام الأسد كي يسمح بمرور المواد الغذائية والأغطية الدافئة لمن هم بحاجة إليها. ويظل الخيار قائما هو ‘هل نلاحقهم بعد ضربنا أو نلاحقهم قبل أن يضربونا؟’.

مطلوب: قائد سوري

وهنا نأتي لموضوع القاعدة وقرار الظواهري التخلي عن أبي بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ‘داعش’.
ففي افتتاحية ‘التايمز’ البريطانية التي جاء فيها أن الظواهري أصدر من مخبئة المحروس بقوة من مكان ما في وسط آسيا أمرا بقطع العلاقات مع الفرع المتعطش للدماء في سوريا والعراق.
وتقول إن البيانات العامة من قيادة القاعدة يجب التعامل معها كدعاية لكن البيان الأخير يجب الترحيب به بحذر. وتظل حركة جهادية منقسمة على نفسها، أفضل من واحدة متحدة.
ويعتبر التنصل من داعش ‘تطورا إيجابيا’ سيجعل منها مثلا عابرا. ولا يلام على هذا التطور إلا داعش التي تحركت على مساحة أكبر من طاقتها وأصبحت عبئا على القاعدة وسبة بدلا من أن تكون رصيدا، وهناك أدلة قادمة من سوريا تتحدث عن تدهور موقف التنظيم. ويمكن النظر لهذه التطورات بارتياح، لكن الصحيفة تشير إلى أن داعش ليست الوحيدة التي تفقد الشعبية والقيادة التي نظر إليها السوريون واحتموا في ظلها بل الجيش السوري الحر، الجماعة المعتدلة ذات الرؤية العلمانية.
ففي داخل التنوع والإنقسام في طيف العمل العسكري السوري فالتنظيم الذي تتزايد قوته هو الجبهة الإسلامية والتي تشكلت من عدد من الفصائل الإسلامية المتشددة قبل شهرين تقريبا. ووجه الحديث عن الجبهة والجيش السوري الحر متعلق بجنيف 2، فقد انتهت الجولة الأولى من المفاوضات وستبدأ الجولة الثانية وعليه فهناك حاجة لأن يقرر الغرب مع من يتعامل ومن ستكون له القيادة والثقة من السوريين لأن الإجابة عليها وتحديد القيادة سيساعد في وضع حد للحرب الأهلية.
وتشير إلى أن كتابة نعي داعش سابق لأوانه لأن الحركة لا تزال تسيطر على حقول غاز ومدين الرقة وتسيطر على الفلوجة ويقوم أفرادها بعمليات إنتحارية قتلت 40 في حلب نهاية الأسبوع الماضي.
كل هذا لم يجعل داعش محبوبة من المواطنين الذين شاهدو الإعدامات وقطع الرؤوس تنفذ بناء على أوامره، وتتذكر النساء الأوامر من التنظيم لتغطية وجوههن ومنع التدخين والموسيقى على السكان. وفي الوقت الذي خسرت فيه داعش، كسبت جبهة النصرة التي كانت متحالفة معها، ولا تزال متحالفة مع القاعدة مما يعني أن أي دعم لها سيعطي للنظام السوري والكرملين مبررا للحديث عن دعم الإرهاب وتعزيز رواية النظام وأنه يخوض حربا ضد ‘الإرهاب’.

وجه جديد

وتجيب الصحيفة إن هذا الكلام ليس صحيحا لأن المسؤول الحقيقي هو النظام الذي بدأ الحرب أولا، وأطلق النار على المتظاهرين العزل، ولم يعد يملك شرعية كما كان يملكها عند بداية الإنتفاضة ‘وإذا كان النظام سرطان سوريا الرئيسي فإن المتشددين الإسلاميين هم سرطانها الثانوي، وليس لأي منها مكان في الدولة القادمة التي تشعر دول المنطقة بالأمان معها’.
وتختم بالقول إن الجبهة الإسلامية مختلفة عن ‘داعس’، فهي ليست مرتبطة بالقاعدة ولديها قوة مكونة من 60 ألف مقاتل وتحملت عبء مواجهة النظام في المعارك الأخيرة. فهل الجبهة الإسلامية هي القيادة الجديدة للفصائل السورية، ترى الصحيفة أنه من الباكر التفاوض مع قادتها علنا ولكن ليس مبكرا التحاور معها سرا للبحث معها وفهم هذا الوجه الجديد والممثل المعقول للثورة السورية، وقد تكون الجبهة تحمل المفتاح للإسلام المعتدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية