الجزائريون ينتخبون اليوم برلمانهم الجديد في ظروف غير مسبوقة ونسبة المشاركة امتحان حقيقي للسلطة وللحراك

حجم الخط
0

الجزائر – «القدس العربي»: يتوجه  اليوم السبت أكثر من 24 مليون ناخب جزائري للتصويت في أول انتخابات تشريعية  بعد  تفجر الحراك الشعبي الذي أطاح بنظام بوتفليقة، والأولى في عهد الرئيس عبد المجيد تبون. ولأول مرة يصعب فيها التكهن بهوية الفائز فيها، فيما تبقى نسبة المشاركة من أكبر التحديات التي تواجه السلطة وأيضا الحراك الذي دعا إلى مقاطعتها.
يتنافس في الانتخابات النيابية المبكرة اليوم السبت 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة من المترشحين الأحرار، يتنافسون على 407 مقاعد  في الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري.
وتجري هذه الانتخابات في ظروف ومعطيات خاصة أملتها معطيات عدة، جعلتها تتميز عن سابقتها من الانتخابات، فلاول مرة تجرى  وفق قانون الانتخابات الجديد، الذي يعتمد على القائمة المفتوحة والتي ساوت في حظوظ كل أعضاء القائمة الانتخابية على خلاف ما كانت تقدمه القائمة المغلقة من أفضلية لأصحاب المراتب الأولى، ما فتح الباب واسعا لأصحاب المال الفاسد، كما أعطت الفرصة للشباب على حساب كوتة المرأة التي كانت معتمدة في النظام القديم.
كما ان  أصحاب الاغلبية هم من يفصلون في هوية من يقود الحكومة، حسب ما  تنص عليه المادة 103 من الدستور، والتي تشير الى انه في حال كانت الأغلبية تتبع الرئيس الأخير  يعين الوزير الأول ويتبع برنامجه، أما في حال كانت الأغلبية للمعارضة فهي من تشكل الحكومة وتختار رئيس الحكومة.
إلى جانب قانون الانتخابات، فرضت جائحة كورونا منطقها على الحملة الدعائية وعلى يوم الانتخاب، حيث وضعت السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات شروطا مشددة  بخصوص تنظيم المهرجانات الانتخابية، وأيضا خلال عملية التصويت.
من خصوصيات هذه الانتخابات أنه لأول مرة تتفوق فيها القوائم المستقلة على الأحزاب السياسية بعد ان فتح لها  قانون الانتخابات الجديد باب المشاركة واسعا عبر الدعم الذي تمكن عبره الشباب من رفع حصته في الترشيحات ضمن القوائم الانتخابية إلى النصف بدل الثلث، ورفع حصة الشباب الجامعي إلى الثلث ضمن القوائم الانتخابية، إلى جانب تخصيص إعانات مالية قدرت بمئة مليون سنتيمم، أي حوالى 6 آلاف دولار للمترشحين من دون 40 سنة.
هذه التسهيلات جعلت من القوائم الحرة تغزو الساحة الانتخابية وتتجاوز من حيث  العدد الأحزاب السياسي.
في  الجهة المقابلة تجد الأحزاب الإسلامية نفسها في أحسن رواق لنيل أكبر عدد ممكن من المقاعد في ظل مقاطعة أحزاب الكتلة الديمقراطية للانتخابات. وتشارك كل الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي بما فيها المعارضة للسلطة كحركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية.
ويذهب ملاحظون إلى ان الأحزاب الإسلامية ستتحصل على  نسبة مقاعد معتبرة، لكن تشتتها لن يخدمها في الحصول على الأغلبية بحكم تباين خطها السياسي، بين المعارض والقريب من السلطة ما يجعل تكتلها أمرا مستبعدا.
ويذهب مراقبون إلى ان الأحزاب الجديدة على غرار حزب “جيل جديد”، وحزب “فجر جديد” الذي ينتمي إلى التيار الوطني، وحزب “صوت الشعب” وكذلك حزب “طلائع الحريات” يمكن ان تحدث المفاجأة.
في حين ستبقى الأحزاب التقليدية على غرار حزب التجمع الوطني الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني تجد صعوبة كبيرة في الفوز بمقاعد البرلمان في هذه الانتخابات، بعد ان خسرت رصيدها  خلال حكم بوتفليقة وفقدت ثقة الشعب بسبب ممارسات قيادات هذه الأحزاب التي يوجد أغلبها في السجن.

حملة انتخابية باهتة

وتباينت الآراء حول سير الحملة، حيث  يرى الإعلامي ومدير شبكة “أخبار الوطن” عبد العزيز تويقر ان الحملة الدعائية  “جرت في ظروف استثنائية صحية وسياسية تتعلق بهامش التحرك  الضيق الذي فرضه كوفيد ـ 19 وقدرة السلطات عبر وزارة الداخلية على منع الحراك الشعبي والآلاف من المواطنين الذين كانوا يخرجون إلى الشارع يومي الجمعة و الثلاثاء و أغلبهم كان رافضا للتشريعيات او على الأقل حسب اللافتات المرفوعة قبل ذلك”. واعتبر في تصريح لـ”القدس العربي” أن هذه المعطيات “جعلت الكثير من الذين خاضوا الحملة الانتخابية يعتمدون في الأساس على العمل الحواري، واللجوء لأول مرة بقوة الى وسائل التواصل الاجتماعي  في محاولة لإقناع المواطنين بضرورة الانتخاب”.
وقال عبد العزيز تويقر إن ” الخطاب السياسي كان باهتا، فقد ابتعد عن تقديم برامج واضحة بقدر ما اقترب من التهريج، خاصة من قبل كثير من الأحزاب التقليدية  التي أبانت عن عجز واضح في التواصل مع المواطنين فاتخذت من التهريج وقودا لها، بينما غابت القضايا الأساسية التي خرج من أجلها الجزائريون في 22 فيفري(شباط) كقضية الحريات والتشريع و طبيعة الحكم و غيرها، بينما ما زال الخطاب الانتخابي غارقا في وعود تنموية ليست أصلا من اختصاص الهيئة التشريعية”.
هناك معطى جديد في هذه الحملة وهو وجود عدد معتبر من القوائم الحرة التي يتصدرها و تتضمن بين ثناياها عددا معتبر من الشباب، ورغم الرغبة التي أظهرها هؤلاء في التغيير فإن خطابهم السياسي بقي بعيدا عن الإقناع بفعل قلة التجربة وغياب الأطر السياسية التي تسمح بتقديم خطاب مقنع .
في المقابل رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر البروفيسور إدريس عطية أن ” أداء الأحزاب والقوائم المستقلة في الحملة الانتخابية كان مقبولا ولم يشذ عن ميثاق أخلاقيات الممارسة الانتخابية التي حددت ضوابط خاصة بمجريات العملية الانتخابية من بداياتها الى نهايتها”.
وقال لـ “القدس العربي” أن ” الحملة الانتخابية كانت سابقة من حيث الحرية في تاريخ الجزائر، لأنها سجلت عددا هائلا من اللقاءات الحوارية، ناهيك عن اللقاءات الرسمية في كبريات القاعات، كما تم استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، وهذا راجع الى ان كل مترشح يرغب في ان يقدم نفسه ويعرض عرضه السياسي على المواطنين من أجل إقناعهم باختياره هو الاقتراع”.

نسبة المشاركة هاجس السلطة

 تعتبر نسبة المشاركة من بين اكبر الهواجس التي تواجه السلطة خلال انتخابات السبت، وحاولت ان تقدم كل الضمانات من أجل اقناع المواطنين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، حيث أكد الرئيس عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة على ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات، كما أعلنت المؤسسة العسكرية عشية الانتخابات حيادها وعدم تدخلها في الانتخابات. وشدد رئيس السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات محمد شرفي في أكثر من مرة على حماية  أصوات الناخبين.
ويرى الصحافي  في جريدة “لوكتديان دوران” الناطقة  بالفرنسية أن نسبة مشاركة في الانتخابات تحت 50 في المئة سيكون النظام  الخاسر الأكبر فيها”، مشيرا  لـ “القدس العربي” الى أن هذه ” الانتخابات “لا بد منها” لكن لن تفي بالغرض في ظهور برلمان حقيقي، يكون صوتا حقيقيا للشعب”، لكن حسبه “هذا لا يعني أن المقاطعين كانوا سيعطون “نكهة تمثيلية” للمجتمع”. ويرجع الصحافي محمد مهدي السبب الموضوعي الى ” غياب تام لحرية الممارسة السياسية في الجزائر.فلا يمكن لأحزاب شرعية القيام بنشاط سياسي حقيقي طالما هي مرتبطة بمزاج الإدارة التي تُصدر الرُّخص للقيام بتلك النشاطات”.
وتنبأ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ورقلة  البروفيسور بوحنية قوي أن ” تكون نسبة المشاركة مرتفعة بقليل عن الانتخابات الرئاسية الاخيرة” والتي بلغت 39.93 في المئة.
وتحدث عن عوامل ستساهم في رفع نسبة المشاركة كالعروشية السائدة، خاصة في المناطق الداخلية، إضافة إلى التنافس داخل القائمة الواحدة. في المقابل قال في حديث مع “القدس العربي” إن العزوف عن المشاركة لن يكون بالشكل المتصور” إلا في بعض المناطق بعينها، كمنطقة القبائل”. وتجري هذه الانتخابات في ظل مقاطعة أحزاب التيار الديمقراطي، وأيضا في ظل دعوات لأنصار الحراك بمقاطعتها، مبررة بذلك عدم وجود مناخ سياسي يسمح بتنظيم الانتخابات، ودعت إلى الدخول في حوار شامل قبل أي موعد انتخابي.
ويرى متابعون أن نسبة المشاركة بقدر ما هي هاجس بالنسبة للسلطة والمشاركين في الانتخابات وقدرتهم على التجنيد والإقناع، ستكون أيضا امتحانا لدعوات المقاطعة التي رفعها أنصار الحراك من ناشطين وأحزاب سياسية، لأنه في حال كانت المشاركة أكبر من النسب التي شهدتها  الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، ستكون بمثابة  خسارة للداعين إلى خيار المقاطعة. لكن برأي الصحافي محمد مهدي “الحراك ليس مطالبا بأن تكون له نتائج في مسار هو غائب عن تسييره”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية