الجزائر- “القدس العربي”: تتواصل القبضة الحديدية بين نقابة القضاة ووزارة العدل الجزائرية بسبب حركة التغييرات الأخيرة، التي تريد الوزارة تمريرها وترفضها النقابة، والتي تطورت إلى معركة بخصوص استقلالية القضاء ومكانته أمام السلطة التنفيذية، فيما تواصل وزارة العدل تنصيب القضاة الجدد بمنطق المرور بالقوة، وباستخدام قوات مكافحة الشغب لمنع القضاة المحتجين من الاعتصام داخل المحاكم والمجالس القضائية.
جاء الدور على محكمتي سيدي أمحمد وبئر مراد رايس ومجلس قضاء الجزائر العاصمة في إطار عملية تنصيب وكلاء الجمهورية ورؤساء المجالس والقضاة الجدد، الذين تم تعيينهم في حركة التغييرات الجديدة، إذ لجأت وزارة العدل إلى القوة العمومية مرة أخرى، بعد الذي حدث، يوم الأحد، في محكمة جنايات وهران، التي تم اقتحامها من قبل قوات مكافحة الشغب لإخراج القضاة المعتصمين، وهو السيناريو الذي تكرر مرة أخرى بطريقة مشابهة نوعا ما عندما تمت محاصرة كل المحاكم والمجالس القضائية من قبل قوات مكافحة الشغب من أجل ضمان عملية تنصيب القضاة الجدد.
ونظم قضاة المحكمة العليا اعتصاما أمام مقر المحكمة بـأعالي العاصمة احتجاجا على استعمال القوة، إذ اعتبر محمد روابحية، رئيس الغرفة الرابعة بالمجلس الأعلى للقضاء، أن ما حدث بوهران مهزلة ومأساة وفضيحة، وأنها جعلت الجزائر أضحوكة في نظر العالم، مشددا على أن استعمال القوة أمر غير مسبوق، ولم يحدث حتى في كوريا الشمالية.
من جهته، اعتبر يسعد مبروك، رئيس النقابة الوطنية للقضاة، أن القضاء لم يكن يوما مستقلا منذ استقلال البلاد سنة 1962، مشيرا إلى أن التعنت (في إشارة إلى وزير العدل) هو الذي أوصل الوضع إلى هذه الدرجة من التأزم، وأنه من الأفضل الإسراع في إيجاد حل لهذه الأزمة، لأن مصالح الناس هي التي تعطلت بسبب هذا الإضراب. وأعرب النقيب عن استيائه وأسفه لما حدث في محكمة الجنايات بوهران، واللجوء إلى استعمال القوة ضد القضاة، وانتهاك حركة القضاء والاعتداء على القضاة أثناء تأدية مهامهم، وهذا في حد ذاته اعتداء على القانون، مؤكدا أن الحوار يبقى الحل من أجل إيجاد مخرج في أقرب وقت.
وكانت النقابة الوطنية للقضاة قد أعلنت أن نسبة استجابة مختلف الجهات القضائية عبر الوطن في يومها التاسع للإضراب الوطني بلغت نسبة 98 في المئة. وذكر بيان صدر عن النقابة أنه “بالإضافة إلى المقاطعة، تميز نهار اليوم بتنظيم وقفة بالمحكمة العليا شارك فيها مستشارون بالمحكمة العليا ومجلس الدولة، وأعضاء المكتب التنفيذي للنقابة، وذلك للتنديد بالانزلاق الخطير الذي حدث نهار أمس بمجلس قضاء وهران، وتضامنا مع مجموع قضاة الجمهورية في مطلبهم الرامي لتحقيق استقلالية القضاء”.
من جهتها، أمرت وزارة العدل بإجراء تحقيق في الأحداث التي عرفها مجلس قضاء وهران الأحد “بهدف تحديد المسؤوليات، ولمنع تكرار مثل هذه الأفعال التي من شأنها المساس بسمعة القضاء”.
وأعربت الوزارة، في بيان، عن “أسفها للأحداث التي أدت إلى تدخل مصالح الأمن وإلى وقوع أحداث ما كانت لتحصل لو تحلى الجميع بالاتزان وبالتحكم في النفس”. وشدد البيان على أن وزارة العدل “تحث على تغليب لغة الحوار والتعقل في سبيل الوصول إلى حل يحقق مصلحة القاضي والمتقاضي والمصلحة العليا للمجتمع المقدم على استحقاق مصيري يتوقف عليه مستقبل البلاد.”
وكانت نقابة القضاة قد أعلنت قطع جميع مساعي الوساطة والحوار الرامية لحل الأزمة، مؤكدة عدم استئنافها إلا برحيل وزير العدل بلقاسم زغماتي.