الجزائر ـ «القدس العربي»: تحوّل مسلسل رئيس البرلمان الجزائري، السعيد بوحجة، الذي يصر على عدم الاستقالة، إلى دراما حقيقية، خاصة وأن هذه القضية التي اعتبر الكثير من المراقبين أنها لن تدوم إلا يومين أو ثلاثة، طالت أكثر من اللازم وأخذت أبعادا خطيرة، خاصة وأن مصداقية الدولة أضحت على المحك، والرئاسة التي تريد رأس بوحجة لأسباب لم يتم الإعلان عنها، تتصرف بطريقة مضطربة تعطي المصداقية لكل التحليلات التي تقول إن القضية أكبر من بوحجة.
أخذت قضية السعيد بوحجة الرجل الذي لم يتصور يوما أنه سيصبح رئيسا للبرلمان، والذي لم يتخيل يوما أن يجد نفسه في قلب زوبعة سياسية، أبعادا خطيرة، فوزارة الخارجية راسلت كل الهيئات الدبلوماسية المعتمدة في الجزائر من أجل إلغاء كل المواعيد التي كانت تربطها برئيس البرلمان السعيد بوحجة، وذلك في سابقة لم تعرفها الجزائر منذ الاستقلال، والتي تعطي صورة أكثر من سلبية بالنسبة للممثليات الدبلوماسية المعتمدة في الجزائر.
«فضيحة بوحجة غيت» تتحول إلى مسلسل درامي
ومع مرور الأيام وتأزم الوضع تتعزز فرضية التوجه نحو حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو الأمر الذي تحدث عنه عمارة بن يونس رئيس حزب الجبهة الشعبية الجزائرية، وواحد من الأحزاب التي قررت الانقلاب على بوحجة، أنه إذا استمر الجمود الذي يعرفه البرلمان، فإن الحل قد يكون هو الحل، وبالتالي إجراء انتخابات مبكرة، والذي سينتج عنه حتما تأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي من المقرر إجراؤها ربيع 2019، مؤكدا أن المجموعات البرلمانية المشكلة للأغلبية قررت تجميد عملها في البرلمان، وأن بوحجة لن يستطيع إدارة المؤسسة التشريعية بالاعتماد على الأقلية، وبالتالي فإن الاستقالة تكون حتمية من أجل تفادي شل البرلمان، وإلا سيلجأ رئيس الجمهورية إلى حله وإجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل أعلن أعضاء في حزب جبهة التحرير الوطني، دعمهم ومساندتهم لرئيس مجلس الشعب، السعيد بوحجة، مؤكدين أن الذي يجب أن يرحل هو جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني.
وقال 15 مناضلا في الحزب على مستوى مدينة تيزي وزو، بينهم عضو في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير، إنهم يساندون بوحجة ويطالبونه بالاستمرار في منصبه لضمان الاستقرار، مشددين على أن السعيد بوحجة يتعرض إلى ضغوط من طرف جماعة أصحاب المصالح، والذين يريدون الإطاحة به.
الغريب في قضية بوحجة هو بوحجة نفسه، لأن الذين يعرفون الرجل يدركون أنه ليس بالشخص العنيد أو من النوع الذي يدخل في صدامات وصراعات، أو أنه قادر على الوقوف في وجه اتصال هاتفي يأتيه من الرئاسة يطلب منه الانسحاب، الأمر الذي يستدعي الحيرة والتساؤل حول مصدر هذا الإصرار والعناد اللذين ظهرا عليه فجأة، ويفتح الباب أمام الكثير من التأويلات والتحليلات والتوقعات، فبعض المراقبين يرون أن جهات نافذة في السلطة قد تكون طلبت منه الإصرار على موقفه والتمسك بمنصبه وعدم الخضوع إلى الضغوط التي يتعرض إليها، وهناك من يرى أن الأمر كله مدبر بليل، وأن الأزمة القائمة مفتعلة من أجل الدفع نحو البلبلة وإيجاد الذريعة من أجل حل البرلمان، وتأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتمديد الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة، فيما يعتبره آخرون مجرد إلهاء للرأي العام.
الأكيد في الأمر أن بوحجة سيبقى ذكرى فارقة في مشوار الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة، فلا أحد كان يتصور أن «عمي السعيد» كما كان يلقبه الكثيرون القابع في مكتبه الموجود في آخر الرواق في مقر حزب جبهة التحرير، والذي رآه مرة صحافيون ينتظر أمام مقر البرلمان ويجد صعوبة في دخوله، سيصبح بعد أشهر قليلة رئيسا له، وأنه بعد أشهر أخرى يتحول إلى متمرد على الأوامر الفوقية، سواء كان ذلك حقيقيا أو مفتعلا.