الجزائرـ”القدس العربي”: تسلم عبد المجيد تبون مهامه رسميا كثامن رئيس للجمهورية الجزائرية بعد أسبوع من انتخابات رئاسية أسالت الكثير من الحبر، وبعد شد وجذب بين مؤيد ومعارض لهذه الانتخابات، في وقت ما زال فيه الحراك الشعبي مستعرا، وإن هبت رياح تهدئة بعد خطاب الرئيس الجديد، الذي حرص على أن يكون إيجابيا وأن يمد يده للجميع، بعيدا عن الإقصاء والتهميش وتصفية الحسابات.
أصبح عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد، رغم كل الظروف التي أحاطت بهذه الانتخابات، وتداعيات الأزمة السياسية التي تعصف بالجزائر منذ اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 22 من شباط/فبراير الماضي، وبصرف النظر عن تحفظات البعض أو اعتراضات الآخر على الانتخابات، وحتى على شخص الرئيس الجديد، فإن رئاسة تبون أصبحت أمرا واقعا، يجب التعامل معه، وهذا الكلام يقوله حتى أشد المعارضين للمسار الانتخابي، والذين يرون أن البقاء في موضع المعارضة والنكران لا يقدم ولا يؤخر، بالعكس هو يعقد الأزمة السياسية القائمة، خاصة وأن الخطابات والتصريحات التي صدرت على لسانه منذ انتخابه، وخاصة فيما يتعلق بالحراك كانت إيجابية وتفتح آفاقا للأمل بالتوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف، بدليل اعترافه بالحراك وبأن مطالبه مشروعة، كما أن الخطوط العريضة لبرنامج حكمه تناغمت كثيرا مع المطالب الشعبية، خاصة فيما يتعلق بـ”قدسية” منصب الرئيس وصلاحياته وتكريس التداول على السلطة، ورقابة الشعب على الحاكم.
في خطاب أداء اليمين الدستورية وعد الرئيس الجديد بتعديل الدستور خلال الأسابيع الأولى من حكمه، والعمل على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، بغية تحصين الجزائر من السقوط في الحكم الفردي، مشددا على أنه يرفض أن يناديه أحد بلقب “فخامة الرئيس” وأنه سيعمل على توحيد جميع الجزائريين بعيدا عن الصراعات والفتن، في إشارة واضحة إلى نية إحداث قطيعة مع سنوات حكم بوتفليقة، التي كانت فيها عبارة “فخامة الرئيس” والإسراف في استعمالها وتوظيفها أكبر دليل صارخ على تكريس عبادة الشخصية والفردانية في الحكم.
وأضاف تبون خلال خطاب ألقاه في أعقاب انتهاء مراسم أداء اليمين قائلا: “بصفتي رئيسا أذكر بتلك الالتزامات التي قطعتها سابقا على نفسي، على رأسها تعديل الدستور بما يحقق مطالب الشعب المعبر عنها، دستور يجدد العهدة الرئاسية مرة واحدة ويقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية لتحصين البلد من السقوط في الحكم الفردي”.
وتعهد بصياغة دستور يحقق الفصل بين السلطات والتوزان بينها، ويحدد حصانة الأشخاص، ولا يمنح الفاسد أي حصانة، دستور يحمي الحريات الفردية والإعلام وحق التظاهر.
ووعد كذلك بأخلقة العمل السياسي، وإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة من خلال تعدل قانون الانتخابات، وتجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي، ووضع حد لشراء أصوات الانتخابات، حتى يتمكن الشباب من الحصول على فرصة الترشح، إضافة إلى تحقيق التنمية الوطنية الشاملة الصارمة، مضيفا: “لن أسمح أبدا بالعبث بالمال العام”.
وذكر الرئيس الجديد بأن الجزائر تحتاج في هذه الأوقات إلى ترتيب الأولويات تفاديا لمآلات مجهولة العواقب، قائلا: “الدولة ستكون مصغية لتطلعات الشعب العميقة والمشروعة العميقة نحو التغيير الجذري لنمط الحكم قوامه الديمقراطية ودولة القانون والحقوق الاجتماعية”.
واعتبر أن من أولوياته العمل على تحسين أداء الحكومة ومعالجة نقاط الضعف، وخلق الظروف اللازمة لإعادة بعث النمو الاقتصادي، إضافة إلى استعادة هيبة الدولة من خلال الاستمرار في محاربة الفساد ووضع حد لسياسية اللاعقاب والتوزيع العشوائي للبترول، كما دعا الشعب الجزائري إلى التوحد ونبذ التشتت والفرقة والخلافات باعتبارها عوامل الفشل في تحقيق حلم جمهورية جديدة.
وفي المقابل دعا إلى “غلق صفحة التشتت، التفرقة ونبذ الخلافات والتنازع حتى لا نفشل، إننا جميعا جزائريون ليس هناك أحد أفضل من آخر إلا بقدر ما نقدمه من تضحيات جليلة كتلك التي قدمها آباؤنا” مستطردا: “ملزمون جميعا مهما تنوعت مشاربنا الثقافية والسياسية ولا خيار إلا أن نضع اليد في اليد من أجل تحقيق حلم بناء جمهورية جديدة”.
وأول خطوة قام بها تبون هي عدم تجديد الثقة في رئيس الوزراء نور الدين بدوي الذي قدم استقالته، صحيح أن تبون سيعين رئيس وزراء جديد، لكنه اختار أن يحتفظ بحكومة تصريف الأعمال إلى غاية تشكيل حكومة جديدة، لكنه اختار التخفف من رئيس الوزراء نور الدين بدوي الذي يعتبر إحدى الباءات التي كان الحراك يطالب بإسقاطها، وكذا وزير الداخلية صلاح الدين دحمون الذي كان ملكيا أكثر من الملك، ووصف المتظاهرين والرافضين للانتخابات بـ”الخونة” و”بقايا الاستعمار” و”المخنثين” و”الشواذ” و”المثليين” ولعل إبعاده بتلك الطريقة رسالة من الرئيس الجديد إلى الحراك، واختار تبون تعيين صبري بوقادوم وزيرا أولا بالنيابة خلفا لنور الدين بدوي.
خطاب جامع
ردود أفعال الطبقة السياسية عموما كانت إيجابية منذ الخطاب الأول، إذ قالت حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) إن خطاب الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون بعد إعلان النتائج كان جامعا، ويساعد على التخفيف من التوتر ويفتح آفاق الحوار والتوافق، داعية إلى إطلاق سراح معتقلي الحراك، وتحرير وسائل الإعلام.
واعتبرت بأن الخطوات العاجلة التي يجب على الرئيس الجديد اتخاذها والتي ستكون مؤشرًا على حسن النية في الإصلاحات الدستورية والقانونية، هي حماية الحريات الفردية والجماعية وتحرير وسائل الإعلام من الضغط والتوجيه، وضمان الحرية التامة للقضاء، وإطلاق سراح مساجين الرأي ومعتقلي الحراك الشعبي ورفع القيد والتضييق على المجتمع المدني غير الموالي، ومكافحة شبكات الرشوة والابتزاز المالي التي بدأت تعيد بناء نفسها التوازنات نفسها.
في المقابل “اعتبرت حركة مجتمع السلم أن استمرار الحراك الشعبي، في إطار السلمية، بعيدا عن الشحن والخصومات، وبشعاراته الجامعة بعيدا عن الاستقطاب والاختراقات الآثمة من كل الجهات والأجنحة، هو الضامن الوحيد بعد الله تعالى في نجاح الحوار وفتح آفاق مستقبل آمن وزاهر للجزائر والجزائريين”.
أما سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد (المعارض) فقد أكد أنه مستعد للمشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس المُنتخب عبد المجيد تبون، موضحا أنه: “وعلى الرغم من مقاطعة جيل جديد لانتخابات الرئاسة التي جرت في 2 كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلا أنه مستعد للتعاطي بمسؤولية مع رئيس الجمهورية الجديد، عبد المجيد تبون، ليتم بعد ذلك الحكم تدريجيا على الإجراءات الملموسة التي ستتخذها السلطة” مشددا على أننا اليوم أمام أمر واقع، ولا يمكن مواجهته إلا من خلال الحوار دون سواه.
ودعا جيلالي الرئيس الجديد لإعطاء إشارات قوية تبين وجود إرادة حقيقية لتجسيد الإرادة الشعبية، خاصة من خلال الإفراج عن سجناء الرأي، وفتح فضاءات الإعلام والنقاش، والشروع في حوار صادق يرسم اتفاقا عاما، يرضي جميع الأطراف، مشددا في المقابل على أن الحراك الشعبي مطالب بتنظيم صفوفه، وأن استمراره في التظاهر كل يومي ثلاثاء وجمعة، لا يعني أن يبقى هذا من دون شخصيات ذات خلفيات سياسية، تكون قادرة على تمثيله في الحراك، والحديث باسمه.
وأعاب سفيان جيلالي على الإعلام الجزائري فتحه أبواب البلاتوهات أمام الشخصيات المعروفة بالتلون وعدم الثبات على موقف واحد، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين كانوا يدعمون الولاية الخامسة لبوتفليقة، ثم طبلوا لتمديد حكمه خارج الدستور، هم أنفسهم اليوم من يتحدثون عن الحراك، وكأنهم جزء منه أو ناطقين باسمه.