لندن -«القدس العربي»: هيمنت التطورات الأخيرة في الجزائر على وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في العالم العربي، وتحولت الجزائر إلى حديث الساعة لدى الشارع العربي من محيطه إلى خليجه بعد أن اضطر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للتنحي تحت ضغط الشارع الذي انتفض في وجهه بعد عشرين عاماً من حكم البلاد.
وتميزت التعليقات التي تناولت الحدث الجزائري بجملة من المقارنات، كان أبرزها وأكثرها انتشاراً هو المقارنة بين ما يجري في الجزائر اليوم وما حدث في مصر، حيث تدافع الكثير من المصريين إلى تقديم النصائح إلى الجمهور الجزائري بسبب أن الجيش في كل من البلدين يلعب دوراً رئيسياً في الحياة السياسية.
وتصدر الحديث عن سقوط بوتفليقة شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، كما تصدرت الوسوم التي تتناول الحدث الجزائري قوائم الأعلى تداولاً على شبكة «تويتر» في أغلب الدول العربية خلال الأيام الماضية، وذلك بعد أن اضطر بوتفليقة إلى تقديم استقالته وطلب الصفح من الشعب الجزائري.
وأعلن بوتفليقة استقالته من رئاسة الجزائر في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء الماضي، فيما اجتمع المجلس الدستوري بعدها بساعات وأعلن شغور منصب رئيس الجمهورية استناداً للمادة 102 من الدستور الجزائري، وأبلغ بذلك البرلمان الذي ينص الدستور على أن يتولى رئيسه مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوماً تنظم خلالها انتخابات رئاسية.
وبعد يوم واحد من تقديم استقالته وجه بوتفليقة رسالة إلى الجزائريين ذكّرهم فيها بما قام به خلال السنوات العشرين التي تولى فيها رئاسة الدولة، طالبا «المسامحة والمعذرة والصفح عن كل تقصير» ارتكبه في حقهم، مؤكدا أنه تولى منصبه «صادقا ومخلصا» كما اعترف في رسالته بوقوع أخطاء قائلا: «أنا بشر غير منزه عن الخطأ».
وقال في رسالته التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية: «أغادر الساحة السياسية وأنا غير حزين ولا خائف على مستقبل بلادنا، بل أنا على ثقة بأنكم ستواصلون مع قيادتكم الجديدة مسيرة الإصلاح والبذل والعطاء على الوجه الذي يجلب لبلادنا المزيد من الرفاه والأمن».
وسادت مواقع التواصل الاجتماعي في البلدان العربية مشاعر الفرحة والترقب والحذر، فيما احتل وسم «#بوتفليقة» المركز الأول في قائمة أعلى الوسوم تداولا في العديد من البلدان العربية منها مصر والسعودية والإمارات إضافة إلى الجزائر.
وأعرب العديد من النخب الإعلامية والسياسية في البلدان العربية من خلال الوسم عن توجسهم من قرار الاستقالة، كما نشر العديد منهم تحذيرات عدة للشعب الجزائري من تكرار تجربة مصر واستيلاء المجلس العسكري على السلطة.
ووجه الإعلامي الساخر المصري يوسف حسين، نصيحة مباشرة إلى قيادات الجيش الجزائري بتنفيذ كل قرارات وخطوات قيادات الجيش المصري لكن بعكسها، حيث نشر تغريدة على «تويتر» قال فيها: «بعد الإطاحة ببوتفليقه، أصبحت لدى قيادات الجيش الجزائري مسؤولية تاريخية، وهي إنهم يتعلمون من قيادات الجيش المصري ويشوفوهم عملوا ايه بالظبط علشان خاطر مصر… ويعملوا عكسه».
وحذر الحقوقي القطري محمد الكعبي، الشعب الجزائري كذلك من السماح للمجلس العسكري بتكرار التجربة المصرية، حيث كتب يقول: «بفضل الله شعب الجزائر العظيم أسقط بوتفليقة بمظاهرات سلمية حضارية، ولن يسمح للمجلس العسكري تكرار تجربة مصر. عاشت الجزائر… عاش الشعب الجزائري».
وأكد الإعلامي المصري معتز مطر، أن الآتي هو الأصعب في رسالة وجهها للشعب الجزائري مطالبا إياهم بعدم ترك الميادين وتكرار خطأ الثوار المصريين في 11 شباط/فبراير 2011.
وتحدث الداعية المصري محمد الصغير عن الثورات الجزائرية السابقة ومقاومتها للمحتل، ونجاحها الآن في حمل بوتفليقة على الاستقالة، فيما حذر الحقوقي المصري هيثم أبو خليل من بدء مخططات الثورة المضادة بقيادة «الإمارات والمملكة ومن خلفهما لإحباط أي نجاح للشعب الجزائري في ثورته» مؤكدًا أن اللعب أصبح «على المكشوف» على حد تعبيره.
كما حذر حساب «نحو الحرية» المهتم بشؤون حقوق الإنسان في الخليج العربي من تآمر بعض أنظمة الخليج على ثورة الجزائر، حيث أشار إلى بدء زمن الثورات المضادة مع زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري لأبو ظبي ثلاث مرات منذ بدء التظاهرات، وكتب الحساب: «#بوتفليقة استقال وانتهى زمنه… لكن يجب الحذر من أن يبدأ زمن الثورة المضادة… خصوصا وأن رئيس أركان الجيش الجزائري زار أبو ظبي ثلاث مرات منذ بدء التظاهرات، وعقد اجتماعات مطولة مع محمد بن زايد، وكلنا يعرف مدى عداء بن زايد للشعوب وثوراتها».
وقال الأكاديمي والكاتب السعودي أحمد بن راشد بن سعيد إن النظام العسكري المسيطر على الجزائر «يخطط لإنتاج بوتفليقة آخر، تماما كما ذُبحت الثورة في مصر».
أما الإعلامي المصري أحمد عبد الجواد فكان له رأي آخر في ما يخص الجيش الجزائري حيث رآى أنه المؤسسة الوحيدة الآن التي لها أهلية إدارة المرحلة المقبلة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكنه تساءل أيضاً: «من يضمن عدم استيلائه على السلطة؟».
ورآى السياسي المصري أسامة رشدي أن الجيش الجزائري باعتقاله عددا من الأشخاص بعد استقالة بوتفليقة يسير على خطى الجيش المصري ويقول للشعب: «أنتم مش عارفين إن أنتم نور عنينا؟».
كما حذر الإعلامي محمود مراد الجزائريين من الثقة بأي شخص كان جزءا من «عصابة نهبت خيراتكم وقمعت أحلامكم» مضيفا أن بوتفليقة ظل باهت لمنظومة شديدة الفتك، وكتب يقول: «عزيزي شعب الجزائر: أنا جاي من المستقبل وباقول لكم لا تثقوا في أي شخص كان يوما جزءا من عصابة نهبت خيراتكم وقمعت أحلامكم مهما أسمعكم معسول الكلام وأغدق عليكم بيض الوعود. بوتفليقة ليس سوى ظل باهت لمنظومة شديدة الفتك لو سنحت لها الفرصة لالتقاط الأنفاس… حسنا، الباقي تاريخ تعرفونه!!».
أما الإعلامي الأردني والمدير السابق لقناة «الجزيرة» ياسر أبو هلالة فغرد قائلاً: «بلا قطرة دم، تمكَّن الشعب في الجزائر من إسقاط بوتفليقة، وقايد صالح سيلحق به إذا لم يمض في برنامج تحول ديمقراطي يلبي مطالب الملايين التي تريد حياة طبيعية تتمتع فيها بالحرية والكرامة والرفاه، الشارع لن يكرر أخطاء المصريين، ولن يغادر الشارع حتى تستكمل مطالبه».
وكتب عبد الله السعافين يقول: «(أنا فهمتكم) عندما يقولها رئيس دولة بعد أكثر من عشرين سنة في الحكم يعني أنه يعاني مشكلة عقلية حقيقية تجعله يفهم في 20 سنة ما يحتاج فهمه إلى ساعة من النصح الأمين. قالها حتى الآن بن علي ومبارك والبشير وبوتفليقة».
وغرَّدت أسماء علي تتساءل: «هل يمكننا ان نحلم بعالم عربي تحكمه شعوبه ودور جيوشه هو حماية إرادته فقط؟ حتى الآن الجيوش العربية تحمي وجود الصهيونية فقط».