الجزائر ـ “القدس العربي”:
أكدّت الزيارة التي يقوم بها الوزير الأول النيجري علي محمد لمين زين إلى الجزائر، استعادة البلدين الجارين لعلاقاتها الطبيعية، بعد فترة أزمة عابرة تلت الانقلاب على الرئيس محمد بازوم وما تبع ذلك من تطورات ألقت بظلالها على منطقة الساحل ككل. وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول رفيع من النيجر الذي تقوده حاليا سلطة عسكرية.
وجمعت الوزير الأول الجزائري نذير العرباوي، عقب وصول نظيره النيجري على رأس وفد هام، محادثات تبادلا فيها وجهات النظر حول العلاقات بين البلدين وسبل تطوريها. وأكد العرباوي في حديثه على “الأهمية الخاصة التي يوليها الرئيس عبد المجيد تبون، لتطوير العلاقات الثنائية مع جمهورية النيجر الشقيقة”، منوهًا بالعلاقات الأخوية التاريخية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين”، وفق بيان للوزارة الأولى الجزائرية.
وشدد على أهمية “التعاون الثنائي الذي يطمح البلدان إلى الارتقاء به إلى مراتب أفضل في إطار الآليات الثنائية ومن خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى، من أجل تنفيذ برامج التعاون القائمة واستكمال المشاريع التنموية المشتركة”.
من جهته، ذكر الوزير الأول النيجري أن زيارته إلى الجزائر رفقة وفد وزاري هام “تكتسي أهمية بالغة”، مشيرا إلى “اعتزازه بتواجده بالجزائر، التي كان لها دومًا دور حاسم في مرافقة بلاده في جهودها التنموية، ومواقف إيجابية تجاه جمهورية النيجر، لاسيما في أصعب المراحل التي مرت بها”، وفق ما نقله عنه بيان الوزارة الأولى الجزائرية.
وأعرب محمد لمين زين على وجه الخصوص عن شكره وتقديره البالغ لموقف الرئيس عبد المجيد تبون، الرافض لأي تدخل عسكري بالنيجر، حسب المصدر ذاته. وتحدث المسؤول النيجري عن تمسك بلاده “قيادة وحكومة وشعبًا بالشراكة والتعاون مع الجزائر التي تربطها معها علاقات الأخوة والصداقة وحسن الجوار، وتطلعها إلى المضي قدمًا في تعزيز التعاون الثنائي بما يسهم في مرافقة جمهورية النيجر في مساعيها الرامية إلى تعزيز السيادة الوطنية على ثرواتها، وتحقيق أهداف الاستقرار والتنمية، ومواجهة التحديات المشتركة التي تعرفها المنطقة”، مؤكدًا في الوقت ذاته على “أهمية المشاريع الهيكلية المشتركة بالإضافة إلى تلك التي خصصتها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية”.
حل مساء اليوم بالجزائر، الوزير الأول وزير الاقتصاد والمالية لجمهورية النيجر السيد على محمد لمين زين، في زيارة رسمية إلى الجزائر، على رأس وفد وزاري هام. pic.twitter.com/EFaqBD315Z
— مصالح الوزير الأول | Services du Premier Ministre (@pm_gov_dz) August 11, 2024
وكانت الجزائر في إطار وكالة التعاون الدولي التي استحدثتها، قد خصصت مبلغ مليار دولار لدعم مشاريع التنمية في أفريقيا، سيكون للنيجر وباقي دول الساحل نصيب هام منها.
مشاريع الطاقة
وتأتي هذه الزيارة، في أعقاب مبادرة الجزائر بإرسال وزيرها للطاقة محمد عرقاب مرفوقا بالمدير العام لمجمع سوناطراك البترولي، إلى النيجر قبل نحو أسبوع، حيث تم هناك الاتفاق على عدة مشاريع أهمها عودة شركة سوناطراك للعمل في النيجر. وكانت زيارة عرقاب للنيجر فرصة لإعادة طرح كل المشاريع المشتركة بين البلدين، والتي تمثل أملا كبيرا في تطوير منطقة الساحل وجعلها تتمتع بثرواتها لاستغلالها في مجال التنمية.
ومما ناقشه الجانبان، تقييم مستجدات نشاطات سوناطراك بجمهورية النيجر على مستوى الحقل النفطي برقعة كفرا، بعد الإمضاء في شباط/فبراير2022 (قبل الانقلاب)، على عقد تحيين وتجديد للعقد المبرم سنة 2015، الذي يهدف إلى ضمان تقييم أفضل للاحتياطات المتوفرة من المحروقات على مستوى رقعة كفرا، وذلك تبعا للحقول المكتشفة أثناء عمليات التنقيب. وتحدث عرقاب على “استعداد الجزائر لنقل خبراتها ودرايتها إلى الجانب النيجري ومرافقته في تطوير الصناعة البترولية، كما أكد اهتمام بلاده بمجال تكوين إطارات النيجر في المعاهد الجزائرية المتخصصة.
ولعل أبرز المشاريع ذات البعد الإقليمي الهائل والتي تربط الجزائر بالنيجر ونيجيريا، هي أنبوب الغاز العابر للصحراء TSGP، والذي كان آخر اجتماع وزاري حوله بين البلدان الثلاثة في يوليو/ تموز 2022 بالجزائر العاصمة. وخلال زيارة وزير الطاقة الأخيرة للنيجر، تم التأكيد على “مواصلة الاجتماعات التنسيقية لدراسة جوانب مشروع”، وتجديد “التزام الدول الثلاث لمواصلة واستكمال أعمال فرق الخبراء لتجسيد هذا المشروع الاستراتيجي، والتأكيد بقوة على رغبة الأطراف المشاركة في المضي قدما في تحقيقه”.
وفي هذا الشأن، قال عرقاب إن دول الجزائر ونيجيريا والنيجر، مقتنعة بأهمية مشروع خط أنابيب نقل الغاز العابر للصحراء من حيث تأثيره الإيجابي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان الثلاثة، وكذا على مناطق العبور، “في سياق جيوسياسي وطاقوي خاص، يتميز بطلب قوي على المحروقات ولاسيما الغاز الطبيعي”.
ورغم العراقيل الكثيرة، لم يتبق من المشروع، وفق تصريحات سابقة لوزير الطاقة الجزائري سوى 1800 كيلومتر من أصل 4 آلاف كيلومتر. وتعهدت الجزائر بأن تنجز الشطر المتعلق بدولة النيجر التي تقع في قلب المشروع، لتزيل بذلك آخر العقبات التي كانت تعترضه بالنظر لتكلفته المرتفعة التي قد لا تتحملها دولة النيجر باعتبارها دولة الممر في المشروع.
وتعتبر نيجيريا وهي دولة المنبع للأنبوب من أهم الدول المنتجة للغاز في القارة الإفريقية، كما تملك الجزائر باعتبارها دولة المصب في هذا المشروع، بنية تحتية قوية في مجال تكرير الغاز وتصديره عبر الأنابيب الجاهزة نحو إيطاليا وإسبانيا ومنهما إلى باقي الدول الأوربية. وفي حال تجسد المشروع، يتوقع أن ينقل سنويا 30 مليار متر مكعب، ما يعني رفع الصادرات انطلاقا من الجزائر إلى الضعف.
أصل الأزمة
ومنذ الانقلاب الذي شهدته النيجر في يوليو/تموز 2023، عرفت العلاقات الجزائرية النيجرية عدة هزات، كان أبرزها الموقف المتقلب لحكومة النيجر إزاء مبادرة المصالحة التي طرحتها الجزائر وحشدت لها دوليا. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثار البيان الرسمي الجزائري عن قبول النيجر بالوساطة الجزائرية لحل الأزمة سياسيا في هذا البلد، رد فعل سريع من سلطات نيامي التي قالت إنها ترفض تأويلات صاحبت هذا الإعلان تتعلق بمدة الفترة الانتقالية المطروحة في المبادرة الجزائرية. وأعقب ذلك، تصريحات من مسؤولين في النيجر تهاجم بشدة الجزائر وتتهمها بالتدخل في شؤونها الداخلية.
وبرزت بشكل أكبر مظاهر الأزمة، بعد عمليات ترحيل قامت بها الجزائر للمهاجرين غير النظاميين لدولة النيجر، ما دفع سلطات نيامي لاستدعاء السفير الجزائري من أجل الاحتجاج وإبلاغه أن “هذه العمليات تمت في ظروف عدم احترام للقواعد وبما يمسّ بكرامة وسلامة الرعايا النيجريين وممتلكاتهم”. وردت الجزائر باستدعاء سفير النيجر لديها بالمثل، وذكّرته بـ”وجود إطار ثنائي مخصص لهذه المسألة يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين. كما لفت انتباهه إلى أن هذا الإطار يجب أن يبقى الفضاء المفضل لمناقشة ومعالجة كافة المعطيات وكل التطورات المرتبطة بهذه القضية.”
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد صرح قبل مدة ردا على التوترات مع دول الساحل، بأن الجزائر لم تفرض نفسها ولا مرة على مالي والنيجر وتم التعامل معهما منذ الاستقلال على أساس “مبدأ حسن الجوار”. وأبرز أنه إذا رفضت الأطراف في مالي أو النيجر اليوم أداء الجزائر فلديها كل الحرية في تسيير شؤون بلادها، مجددًا التأكيد على أن الجزائر لم تكن يومًا دولة استعمارية أو استغلالية للثروات أو البلدان “وإنما تتعامل على أساس أننا دول شقيقة”.