الجزائر تسرّع الخطى لاعتماد الإنكليزية كلغة تدريس في الجامعات.. خطة سياسية أم تعليمية؟  

حجم الخط
0

الجزائر- “القدس العربي”:

وضعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية خطة مستعجلة من أجل اعتماد الإنكليزية لغة تدريس رئيسية في كامل جامعات البلاد، بدءاً من الموسم الدراسي المقبل، وهو قرار يدخل ضمن توجه عام للنهوض باللغة الإنكليزية في الجزائر، التي ظلت تعتمد منذ الاستقلال على الفرنسية.

وفي المراسلة، التي حظيت بتفاعل واسع في الجزائر، تطلب وزارة التعليم العالي من مديري المؤسسات الجامعية تنظيم اجتماعات، لضبط تأطير عملية التدريس باللغة الإنكليزية، خلال الموسم الجامعي القادم 2023/2024. ولهذا الغرض، أمرت الوزارة بتشكيل فرق بيداغوجية (تعليمية) حسب المقياس أو المادة، وذلك قبل الخروج للعطلة الصيفية.

وتتكون هذه الفرق، التي يجب أن يترأسها أستاذ عن طريق التعيين، أو الانتخاب، من مجموعة من الأساتذة المحاضرين، أو الذين يدرسون الأعمال التطبيقية والأعمال الموجهة، على أن يتم خلال هذه الاجتماعات تقديم عرض مرحلي للتحضيرات الخاصة باعتماد اللغة الإنكليزية كلغة للتدريس، وإعداد استعمالات الزمن المخصص للتدريس بهذه اللغة.

ومتابعة لكل ذلك، ستجري اللجنة الوطنية للإشراف ومتابعة تنفيذ برنامج تكوين الأساتذة وطلبة الدكتوراه في اللغة الإنكليزية زيارات ميدانية للمؤسسات الجامعية، خلال شهر تموز الحالي، لتقييم التحضيرات ذات الصلة، وهو ما يتطلب من مديري المؤسسات الجامعية وفق المراسلة، اتخاذ جميع التدابير والإجراءات الملائمة لاستقبال أعضاء هذه اللجنة وتسهيل مهمتهم، وإفادتهم بالمعلومات المطلوبة.

يبدو الاهتمام بالإنكليزية سياسياً بالدرجة الأولى، حيث برز اهتمام لافت بتدريسها، وجعلها تأخذ مكانتها كأول لغة في العالم على حساب الفرنسية.

ويجري العمل، منذ أيلول/سبتمبر الماضي، على تنفيذ برنامج إحلال الإنكليزية في الجامعات، وذلك من خلال برنامج مكثف يتضمن تكويناً للأساتذة وطلبة الدكتوراه في هذه اللغة، حيث يتم استهداف الوصول إلى 80 بالمائة من الأساتذة الجامعيين الذين يتقنون الإنكليزية ويستطيعون التدريس بها، في وقت لا تزال التخصصات العلمية والطبية خصوصاً رهينة للغة الفرنسية.

وأمام هذا الطموح الذي يحاول استدراك سنوات طويلة من التأخر، برزت تساؤلات حول إمكانية أن يتحقق التدريس بالإنكليزية في هذا الظرف الوجيز. وذكر المنسق الوطني لنقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي، عبد الحفيظ ميلاط، في تصريحاته، أن ثمة عدة أسئلة لا تزال دون إجابة، حول ما إذا كان التدريس بالإنكليزية سيشمل الطلبة ابتداء من السنة الأولى، وما إذا كان سيشمل كل التخصصات دون استثناء. وأبرز المتحدث أن نقابة التعليم العالي تدعم التوجه العام باعتماد الإنكليزية، الذي يتناسب مع العصر، كونها لغة البحث والنشر الأولى، لكن يجب، حسبه، تسخير الإمكانيات اللازمة لذلك حتى ينجح التحول.

ويبدو الاهتمام بالإنكليزية في الجزائر سياسياً بالدرجة الأولى، حيث برز، في السنوات الماضية، اهتمام لافت بتدريس هذه اللغة وجعلها تأخذ مكانتها المستحقة كأول لغة في العالم على حساب الفرنسية. وبات الطلبة في الجامعة يقبلون أكثر فأكثر على إعداد مذكراتهم باللغة الإنكليزية، خاصة في التخصصات التقنية. كما أنشئت مدرسة عليا للرياضيات والذكاء الاصطناعي، يتم التدريس فيها باللغة الإنكليزية بدل الفرنسية.

وفي العام الماضي، قررت الحكومة تدريس اللغة الإنكليزية في الطور الابتدائي، بعدما كان التلميذ ينتظر لغاية السنة الأولى من التعليم المتوسط، ليبدأ تعلم هذه اللغة، على عكس الفرنسية التي يبدأ تدريسها في السنة الثالثة من التعليم الابتدائي. وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن تخصيص ميزانية كبيرة لتوظيف 30 ألف أستاذ لغة إنكليزية في الطور الابتدائي لإنجاح القرار الذي بدأ تطبيقه خلال هذا الموسم الدراسي المنقضي.

يقابَل هذا التوجه بانزعاج فرنسي واضح، عبّر عنه ماكرون، خلال قمة الفرنكوفونية الأخيرة، حين أشار إلى أن الفرنسية شهدت تراجعاً في استخدامها لدى الشعوب المغاربية.

ويقابَل هذا التوجه بانزعاج فرنسي واضح، عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون خلال قمة الفرنكوفونية الأخيرة، التي انعقدت في تونس، حيث قال، في حديثه مع عدد من الشباب، إن الفرنسية شهدت تراجعاً في استخدامها لدى الشعوب المغاربية، على عكس ما كان عليه الوضع قبل 20 أو 30 سنة.

وذكر ماكرون أن ثمة أسباباً سياسية لهذا التراجع ووجود رغبة في استعمال لغات أخرى، وكذلك “وجود لغة إنكليزية سهلة الاستعمال”، مشدداً على أن قمة الفرنكوفونية يجب أن تحمل مشروعاً “لاستعادة مكانة اللغة الفرنسية”، من خلال الاهتمام بالتعليم والثقافة والرياضة وضرورة تعزيز شبكة تعليم الفرنسية عبر العالم. ورغم أن الجزائر ليست عضواً في منظمة الفرنكوفونية، إلا أنها ظلت أكثر البلدان اعتماداً على اللغة الفرنسية، خاصة في الإدارة والتعليم، لأسباب تعود إلى الماضي الاستعماري للبلاد.

وبعيداً عن الجدل السياسي والأيديولوجي المصاحب عادة لنقاش اللغة في الجزائر، ثمة ضرورات تقنية أصبحت، وفق المختصين، توجب اعتماد الإنكليزية من أجل زيادة مرئية الجامعة الجزائرية وتثمين بحوثها ورفع تصنيفها العالمي، وهو الأمر الذي يصعب دون أن تكون الإنكليزية هي لغة النشر الأولى.

وكانت الجزائر، بحسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قد احتلت المرتبة الأولى على المستوى المغاربي، الثانية على المستوى الإفريقي، والثالثة على المستوى العربي، من حيث عدد مؤسسات التعليم العالي المصنفة، استناداً إلى صدور نتائج تصنيف “التايمز” للجامعات الشابة لعام 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية