الجزائر تعزز علاقاتها شرقا.. هل تبتعد عن الغرب؟ 

حجم الخط
3

الجزائر- حسان جبريل:
بادرت الجزائر مؤخرا إلى خطوات لتعزيز العلاقات مع ما تُسمى قوى الشرق مثل الصين وروسيا، ما أوحى بتغيير دفة سياستها الخارجية نحو هذا المحور بينما تقول السلطات إن توجهاتها الدبلوماسية متوازنة.
وبالرغم من أن هذا البلد المغاربي معروف منذ استقلاله عام 1962 بعلاقاته الجيدة مع ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي، فإن الظرف الدولي الراهن جعل تلك الخطوات توحي بأنه حسم خياراته الخارجية بشأن تنافس الأقطاب.
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية ليلى زروقي، أن بلادها قدمت طلبا رسميا للانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وفي انتظار أن تحسم دول المجموعة هذا الطلب خلال القمة القادمة عام 2023، فإن مسؤولين من أهم قطبين فيها، وهما الصين وروسيا، رحبوا بالرغبة الجزائرية في الانضمام.
ومنتدى “بريكس” منظمة دولية مستقلة يقول أعضاؤها إنهم يشجعون على التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي فيما بينهم.
وتشكلت النواة الأولى لما باتت الآن تُعرف بدول “بريكس” عام 2001 من طرف البرازيل وروسيا والهند والصين، وكانت تُسمى حينها دول “بريك”، ثم انضمت إليها جنوب إفريقيا.

اتفاقية استراتيجية مع الصين

وبعد أيام من طلب الانضمام إلى المجموعة، أعلنت الخارجية الجزائرية في 8 نوفمبر الماضي، أنها وقعت اتفاقية تعاون استراتيجي مع الصين تمتد إلى 2026، وتشمل الاقتصاد والطاقة والفضاء والمجالات الثقافية.
وتنص الاتفاقية على “تكثيف التواصل والتعاون بين البلدين في كافة المجالات بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي، وتعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للجزائر والصين”.
ومنذ 2013 تحافظ الصين على صدارة المصدرين إلى الجزائر، حيث أزاحت فرنسا التي احتكرت هذه المكانة لعشرات السنين وتحولت بكين إلى الشريك التجاري الأول للجزائر.
وفي 2018 انضمت الجزائر إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وفي مارس/ آذار 2022 أعلن البلدان التوصل إلى توافق على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك للمبادرة والتي سيتم توقيعها بأقرب فرصة”.
و”الحزام والطريق” مشروع صيني لبناء طرق ومرافئ وسكك حديدية ومناطق صناعية في 65 بلدا تُمثل 60 بالمئة من سكان العالم، وتوفر حوالي ثلث إجمالي الناتج العالمي.

زيارة تبون إلى موسكو

بالتزامن مع هذه الخطوة، تحضّر روسيا والجزائر لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو قبل نهاية العام الجاري.
وكشف وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لوكالة “سبوتنيك” الحكومية الروسية، في 11 نوفمبر الماضي، أنه “يتم الإعداد لهذه الزيارة، وهي مهمة لكلا بلدينا”، و”نأمل أن تكون زيارة الرئيس تبون إلى روسيا بداية مرحلة جديدة في علاقاتنا”.
وقبل أيام بحث قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة التعاون العسكري الثنائي مع مدير الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني الروسية ديمتري شوغاييف الذي زار الجزائر للمرة الثانية منذ بداية 2022.
وتزامنت هذه الزيارة مع تقارير إعلامية عن تخصيص الجزائر موازنة ضخمة للتسليح خلال السنوات المقبلة تناهز 10 مليارات دولار، لكن السلطات الجزائرية لم تؤكد هذه المعلومة.
وبحسب تقارير دولية تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، فيما تعتبر موسكو أول مموّل للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50 في المئة.
وأظهرت هذه الخطوات الجزائرية توجها رسميا لتعزيز العلاقات مع محور الشرق المتمثل في روسيا والصين، وذلك في ظل حالة استقطاب حادة بين موسكو والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي.
لكن المسؤولين في الجزائر يرددون مع كل خطوة نحو الشرق أن السياسة الخارجية للبلاد مبنية على مبدأ التوازن في العلاقات مع مختلف الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ورفض تدخل البلدان الأخرى في شؤون الجزائر.

على مفترق طرق

في 21 نوفمبر الماضي، قالت السفيرة الأمريكية لدى الجزائر إليزابيت مور أوبين، إن البلدين يربطهما “حوار استراتيجي حول مختلف قضايا التعاون والشؤون الإقليمية”.
وأكدت أوبين في مؤتمر صحافي بمقر السفارة، أن أهم ملفات العلاقات هي “التعاون الأمني والجهود المشتركة ضد الإرهاب والشراكة الاقتصادية”.
وتحت عنوان “سياسة الجزائر الخارجية على مفترق طرق” نشر معهد واشنطن للدراسات في أغسطس/ آب الماضي دراسة للباحث فاسيليس بتروبولوس المتخصص في النزاعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبعد سرد الباحث جوانب السياسة الخارجية للجزائر تجاه القوى الدولية والإقليمية خلص إلى “أنها ربما تعيش أهم لحظة في تاريخها الدبلوماسي منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي”.
وأعرب بتروبولوس عن اعتقاده بأن “اهتمام الجزائر بعلاقاتها مع الصين وروسيا لا يُعتبر تطورا جديدا.. غير أن تصوّر الجزائر بأن واشنطن تدعم المغرب علنا وباستمرار وتفضّله عليها، يجعلها تقترب أكثر من روسيا والصين اللتين ترحبان بها بحرارة”.
والجزائر والمغرب جاران بينهما ملفات خلافية أبرزها إقليم الصحراء الذي تتنازع بشأن السيادة عليه كل من الرباط وجبهة “اليوليساريو” المدعومة من الجزائر.

واعتبر أنه “في ظل مواصلة الحرب في أوكرانيا وإعادة رسم معالم العلاقات المتعددة الأطراف الأشمل، عليها (الجزائر) أن تقرر ما إذا كانت تريد التمسك بالحياد أو الانحياز أكثر نحو المعسكر التعديلي (الشرقي)، وهو قرار سيؤثر على مكانتها في الأنظمة الإقليمية والدولية”.

أوروبا والغاز الجزائري

“لماذا تحتاج واشنطن إلى نهج أكثر ودية تجاه هذا المنتج الرئيسي للغاز؟”، تحت هذا العنوان كتب الباحث المختص في شؤون الأمن والطاقة جيمس دورسو مقالا في 12 نوفمبر الماضي بموقع “أويل برايس” عن علاقات واشنطن بالجزائر.
وقال دورسو إن أوروبا كأول زبون للغاز الطبيعي الجزائري يمكن أن تكون مدافعا فعالا عن الجزائر في واشنطن، إذا تمكنت من جعل الإدارة الأمريكية تفهم أن مصلحة الولايات المتحدة في “أوروبا آمنة” تخدمها على أفضل وجه أن تكون الجزائر ودية مع واشنطن ولكنها مستقلة وتسعى فقط للتقدم بنفسها عبر علاقات الاحترام المتبادل مع الشركاء العمليين.
وفي 23 نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة “الشروق” الجزائرية مقالا للكاتب محمد مسلم عن سياسة البلاد الخارجية الراهنة بعنوان “الجزائر تعيد تفعيل شبكات علاقاتها بتنشيط محورها التقليدي” في إشارة إلى المعسكر الشرقي خلال سبعينيات القرن الماضي.
وجاء في المقال أن “الجزائر استغلت الوضع الجيوسياسي الجديد الذي أفرزته العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وشرعت في إعادة تفعيل شبكة علاقاتها القديمة مع حلفائها التقليديين، التي تم إهمالها خلال العقدين الأخيرين، من دون إغفال انفتاحها على بقية الدول الأخرى”.

تنوع وتوزان في التعاون

أما المحلل السياسي رضوان بوهيدل، فاعتبر أن “القول بأن الجزائر تفضل طرفا على آخر في هذه المرحلة هو خطأ، فهي تحاول أن تنوع في شراكاتها وتعاونها الاستراتيجي وحتى التعاون العادي مع عدد من الدول سواء أوروبا والولايات المتحدة أو الصين وروسيا”.
وأضاف أن “السياسة الخارجية الحالية هي امتداد لما كانت عليه في فترات سابقة، وهي محاولة الموازنة في العلاقات الاستراتيجية مع المعسكر الشرقي سابقا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى”.
و”الملاحظ في الفترة الأخيرة أن البلاد تتوفر على ورقة ضغط هي ملف الطاقة تسمح لها بممارسة الدبلوماسية بأريحية وإيجاد موقع لها بين النوادي الكبرى مثل مجموعة البريكس”، وفق بوهيدل.
وجراء الحرب الروسية الأوكرانية باتت دول الغرب بحاجة إلى إمدادات غاز طبيعي إضافية في ظل عقوبات غربية مشددة على قطاع الطاقة الروسي.
وتابع بوهيدل أن “العودة للحديث عن طريق الحرير والانضمام إلى البريكس، وتوقيع اتفاقية للشراكة الاستراتيجية الشاملة مع بكين ستعطي دفعة لمبادرة الحزام والطريق، وتدفع بالجزائر قدما نحو التحول إلى دولة محورية اقتصاديا ودبلوماسيا في القارة الإفريقية”.
وبخصوص زيارة الرئيس تبون المرتقبة إلى موسكو، قال إنها “جاءت بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وستكون تاريخية لتفعيل عدد من اتفاقيات والتعاون والرفع من طبيعة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين”.
وختم بأن “هذا لا يعني بالضرورة أن الجزائر تقف إلى صف موسكو في الحرب الأوكرانية، بل هي توازن حسب مصلحتها وتتعاون مع الجميع سواء روسيا أو الولايات المتحدة أو غيرهما”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    خطوة في الطريق السليم، على الأقل لأن الغرب لم يعد ذا فائدة اقتصادية مربحة ?

  2. يقول Ala:

    برافو الجزائر في الطريق الصحيح

  3. يقول Hamzapirlo:

    اللهم بارك وزد وقنا شر الكائدين

إشترك في قائمتنا البريدية