الجزائر-“القدس العربي”: دخل الحراك الشعبي جمعته الـ33 منذ اندلاع المظاهرات الشعبية الرافضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية خامسة، والتي تحولت إلى هبة شعبية تهدف إلى إحداث قطيعة مع ممارسات الماضي، وإحداث تغيير جذري في طريقة تسيير الشأن العام، وهو حراك أصبح محل مزايدات ومناقصات ومحاولات لتسفيهه وتقسيمه وزرع الفتنة فيه، لكنه يبقى قائما مستمرا، رغم الصعوبات والمعوقات، فما حققه الحراك إلى الآن كبير ولم يكن أحد يتوقعه، ولكن تبقى هناك نقائص وهفوات وأخطاء، لكن يبدو أن الانتخابات ستجرى في الوقت المحدد لها أي 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل، رغم استمرار رفض الحراك لها، والذي هو في حقيقة الأمر تخوف من تكرار سيناريوهات سابقة وقلق من عودة أشباح الماضي القريب.
خرج الجزائريون هذه الجمعة مثلما جرت العادة منذ الساعات الأولى للصباح في العاصمة ومدن أخرى تحاول جاهدة الإبقاء على الحراك كورقة ضغط على النظام ليفي بوعوده وليقدم مزيدا من التنازلات لفائدة الشعب الجزائري، لتكون خطوات إضافية على طريق بناء جزائر جديدة، وقد انطلقت المظاهرات مثلما جرت العادة من عدة أحياء بالعاصمة نحو ساحة البريد المركزي التي تحولت منذ أشهر إلى المكان المفضل بالنسبة للمتظاهرين، ويمكن أن تسمى ساحة الحراك بدون حرج، بالنظر إلى أعداد المظاهرات التي نظمت فيها منذ بداية هذه الهبة الشعبية غير المسبوقة، وقد واصل المحتجون رفع الشعارات نفسها، والمتعلقة برفض إجراء الانتخابات الرئاسية مادام بقايا نظام بوتفليقة في الحكم، خاصة بالنسبة لحكومة نور الدين بدوي، مع التأكيد أيضا على رفض ترشح رموز النظام البائد، في إشارة إلى عبد المجيد تبون رئيس الوزراء الأسبق بالدرجة الأولى، مع التأكيد على المطالب الأخرى مثل إطلاق سراح معتقلي الحراك أو سجناء الرأي، ورفع القيود والضغوط على وسائل الإعلام.
واللافت للنظر أن المظاهرات بدأت تستعيد زخمها منذ نهاية الصيف فالأعداد المشاركة فيها في تزايد مطرد من أسبوع إلى آخر، سواء تعلق الأمر بالنسبة للمظاهرات التي تنظم كل جمعة، أو تلك التي تنظم كل يوم ثلاثاء، وهو ما يثير التساؤلات حول ما سيحدث خلال الأسابيع المقبلة، خاصة وأن الانتخابات تسبقها حملة ينزل فيها المرشحون إلى الشارع، وسيكون ذلك صعبا، إذا ما تواصل الحراك، وما قد يترتب عن ذلك من صدام محتمل بين الفريقين، حتى وإن كان الحراك في المدن الأخرى أقل من العاصمة.
في المقابل بدأت عجلة الانتخابات الرئاسية في الدوران، ومعها بدأت تتضح الصورة بشأن خريطة هذه الانتخابات، فعدد الأشخاص والشخصيات التي أبدت نيتها الترشح في الانتخابات تجاوز المئة، أغلبهم أشخاص مغمورين، لا يعرفهم الشعب الجزائري، أو أنهم يفتقدون لأي تجربة في العمل السياسي، في حين أن عدد منهم تحول بسبب تصريحاته إلى موضوع سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، وبين كل المرشحين يظهر أن هناك قطبين في هذه الانتخابات، وهما علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق وعبد المجيد تبون رئيس الوزراء الأسبق.
وإذا توقفنا عند هذه الإسمين فإننا نجد أننا أمام شخصيتين مختلفتين إلى حد كبير، رغم أن هناك من يراهما وجهين لعملة بوتفليقة، فكلاهما عمل مع الرئيس المخلوع من طرف الحراك، وكل واحد منهما يريد أن ينفض يده اليوم من تلك المرحلة، حتى وإن كان الأمر أسهل بالنسبة لعلي بن فليس، الذي اختلف مع بوتفليقة منذ الولاية الأولى وبالذات منذ 2003، واختار الاستقالة والترشح ضده في انتخابات 2004، حتى وإن كان مدعوما آنذاك من طرف مجموعة من الجنرالات النافذين في المؤسسة العسكرية، على رأسهم قائد أركان الجيش السابق الفريق محمد العماري، لكن التحالف بين بوتفليقة والجنرال توفيق ( الفريق محمد مدين) القائد السابق لجهاز الاستخبارات، وبدعم خارجي تمكن من الفوز بتلك الانتخابات، وإبعاد كل الذين وقفوا مع بن فليس وضد بوتفليقة من الواجهة، بداية بالفريق محمد العماري.
صحيح أن بن فليس بقي في منزله عشر سنوات كاملة، عاث فيها بوتفليقة فسادا، وأنه لم يعد إلى الواجهة إلا سنة 2014 عندما قرر الترشح ضد بوتفليقة ثانية، حتى وإن كان يعلم مسبقا أن الأخير سيفوز بولاية رابعة، وإن كان على كرسي متحرك، ويحسب له أنه خاض حملة انتخابية قوية، وأنه أرعب جماعة بوتفليقة، إلى أن درجة أن الأخير اشتكاه إلى وزير خارجية إسبانيا، قائلا إن أحد المرشحين(بن فليس) يدعو إلى العنف، ولم يكن ذلك صحيحا، ولكنها كانت سقطة من سقطات نظام بوتفليقة الكثيرة، ورغم خسارته في الانتخابات بنتيجة مذلة برمجها نظام الرئيس المخلوع، إلا أنه لم يعد هذه المرة إلى بيته، وأسس حزبا، وظل طوال خمس سنوات يصرخ أن هناك شغورا على مستوى رئاسة الجمهورية، وهو أول من تحدث عن وجود عصابة استولت على ختم الرئاسة وتستعمله باسم الرئيس الغائب والمغيب.
أما بالنسبة لعبد المجيد تبون فهو أحد أبرز نظام بوتفليقة، وكان أشد المدافعين عنه، وتولى في عهده عدة وزارات، خاصة السكن، التي اشتهر فيها بإطلاق مشاريع سكنية ضخمة، ومشروع المسجد الأعظم، الذي أراد أن يدشنه بوتفليقة، ولكن القدر شاء غير ذلك، وقد تدرج في المناصب، وأصبح رئيسا للوزراء، وهو المنصب الذي لم يبق فيه إلا بضعة أسابيع، فقد دخل في حرب ضروس ضد رجال الأعمال، وفي مقدمتهم علي حداد الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات الذي كان الصديق الحميم لشقيق الرئيس ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، وهو هجوم بدا غريبا وغير مفهوم، فهناك من قال إن جهة في السلطة أو ربما في المؤسسة العسكرية هي التي طلبت منه وضع حد لتغول رجال الأعمال، والذين أصبحوا يتدخلون في عمل مؤسسات الدولة وأحيانا يحلون محلها، وهناك من فسر ما حدث بأنه سوء فهم من تبون لأوامر الرئيس، وأن رئيس الوزراء سرعان ما اصطدم بشقيق الرئيس، الذي اختار صراحة الوقوف إلى جانب حداد أمام مرأى ومسمع الجميع، في نشوة من الغرور والاعتقاد الخاطئ أن الجزائر دانت لآل بوتفليقة وأنهم قادرون على فعل أي شيء بها، وانتهى الأمر بتبون مطرودا من رئاسة الوزراء، بعد حملة تشويه وسحل إعلامي تم بأوامر فوقية، وهذه الورقة التي اختار تبون لعبها لتبرير عودته ورغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية، رغم أنه لما أخرج من الباب الضيق لم ينبس ببنت شفة، بل جدد دعمه للرئيس بوتفليقة، مع أن الأخير هو من كان حاميا للعصابة.
الكلام الدائر في الكواليس وفي بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل يشير إلى أن تبون سيكون مرشح النظام أو مرشح الجيش في الانتخابات المقبلة، فيما يرى آخرون أن بن فليس هو من سيحظى بدعم المؤسسة، لعدة اعتبارات جهوية وموضوعية، في حين أن فريقا ثالثا يعتقد أنه لأول مرة سيقدم النظام للجزائريين مرشحين له حتى يختاروا بينهما، وأنه في الحالتين سيفوز المرشح الذي يريده النظام رئيسا، وهذا الكلام سارع قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بالرد عليه قائلا: “من بين الدعايات التي تروج لها العصابة وأذنابها والتي يجب محاربتها والتصدي لها، هي تلك التي تحاول الترويج إلى أن الجيش يزكي أحد المترشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة، وهي دعاية الغرض منها التشويش على هذا الاستحقاق الوطني المهم، وإننا نؤكد في هذا الصدد بأن الشعب هو من يزكي الرئيس القادم من خلال الصندوق، وأن الجيش الوطني الشعبي لا يزكي أحدا، وهذا وعـد أتعهد به أمام الله والوطن والتاريخ. كما نؤكد مرة أخرى وانطلاقا من الصراحة التي علمتنا إياها الثورة التحريرية المباركة أننا صادقون في أقوالنا ومخلصون في أعمالنا ولن نحيد عن مواقفنا أبدا، وأننا عازمون على مواصلة مواجهة العصابة إلى غاية التخلص من شرورها”.