الجزائر: غلاء غير مسبوق… ومعارك كلامية في الأسواق

حجم الخط
0

الجزائر- «القدس العربي»: لم تعرف أسعار ماشية العيد في الجزائر ارتفاعاً كالذي شهدته هذا الموسم، بشكل دفع كثيراً من العائلات للعزوف عن الشراء، وهي تضحية مؤلمة بالنظر لتمسك الجزائريين بهذه الشعيرة الدينية ذات الأبعاد الاجتماعية الراسخة منذ قرون.
قبل ثلاثة أسابيع من عيد الأضحى، بدأ باعة الماشية في كل ضواحي العاصمة الجزائرية، بالانتشار في أماكن خصصتها لهم السلطات، وأخرى فوضوية تكثر في هذه الأوقات. لكن كثرة أسواق «المال» (مصطلح يطلق هنا على الماشية)، لم يؤثر بالضرورة على الأسعار التي تشهد ارتفاعاً جنونياً. ذلك، ما يمكن ملاحظته في نقاط البيع التي زرنا بعضها غرب وشرق العاصمة، فالأسعار تكاد تتطابق بينها جميعاً، وهي تبدأ من 6 إلى 10 مليون سنتيم؛ أي ما بين 400 و700 دولار، ويمكن أن تصل أحياناً إلى 15 مليون سنتيم (أكثر من 1000 دولار).
وهذه الأسعار التي قفزت في ظرف سنة بنحو 70 إلى 100%، أقلُّها يعادل 3 مرات الأجر القاعدي في الجزائر، ما يجعل اقتناء الأضحية خاصة للموظف عبئاً مرهقاً على ميزانيته، مما دفع البعض ممن تحدثنا إليهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما تدبر المبلغ عبر الاقتراض أو ترك الأضحية هذا العام.
وكثيرون لا يستسيغون الحل الثاني، لأنهم يقعون تحت ضغط أولادهم الذين تعودوا على الكبش والطقوس الاجتماعية التي تصاحب إحضاره للبيت. فعملية الذبح في الجزائر تقام في المنازل وبحضور أفراد العائلة والجيران في جو من التعاون والتآزر. ومع أهمية هذه الشعيرة الدينية، هناك من رأى أنها تحولت لعادة اجتماعية واجبة يعتقد، حتى غير المستطيع، أنها مفروضة عليه، ناهيك عن مظاهر التباهي والتنافس والمقارنات التي تقع بين العائلات والتي باتت تسبب حرجاً كبيراً، وتجعل من رب البيت مضطراً لأن يتصرف مهما كان الحال ضيقاً.
ومع تراجع عمليات البيع، تحولت الأسواق إلى مكان الفرجة وساحات للجدال الذي لا ينتهي بين الباعة والمشترين.
فعندما تنطلق عملية التفاوض ويصطدم الزبون بتعنت البائع ورفضه خفض السعر، يبدأ الطرفان معركتهما الكلامية التي يتهم فيها الأول الثاني بالمغالاة في السعر والتضييق على «الزوالي» أي الفقير بالتعبير المحلي، وحرمانه من فرحة العيد. ويرد الآخر بأن الأسعار تمثل التكاليف الباهظة التي يتحملها مربو المواشي والتي لا يعرف حقيقتها المشتري. وهذه السجالات التي تتم في جو ودي وأحياناً متشنج أصبح يلتقطها هواة الإثارة على مواقع التواصل، ويحصلون من ورائها على ملايين المشاهدات.
وعند سؤالهم عن مبرر ارتفاع الأسعار، يؤكد البائعون أن الجفاف هذا الموسم جعل المراعي الطبيعية خاصة في المناطق السهبية المعروفة بتربيتها الماشية تقل بشكل كبير، ما دفعهم لتأمين غذاء مواشيهم بأنفسهم وهو ما يكلفهم مصاريف طائلة. وعلى الرغم من اعتماد الجزائر أسعاراً مقننة لغذاء الماشية، حيث يبلغ سعر القنطار من النخالة التي تعد الغذاء الأساسي 1800 دينار؛ ما يعادل 12 دولاراً، غير أن أسعارها في الواقع مضاعفة بثلاث إلى أربع مرات. أما باقي الأغذية التي أسعارها حرة، فقفزت في سياق التضخم العالمي إلى مستويات قياسية، فارتفع سعر الشعير إلى 6000 دينار والذرة إلى 7000 دينار للقنطار والصوجا إلى 10 آلاف دينار، وهو ما يفرض الأسعار الحالية وفق المربين لتغطية التكاليف. ويقول أحد البائعين في ولاية الجلفة من الذين تحدثنا إليهم، إن تكلفة غذاء الكبش الواحد أصبحت تصل إلى 200 دينار يوميا، حيث يبلغ استهلاكه من 2 إلى 3 كيلوغرامات يومياً ينفقها الموّال من جيبه في ظل فقر المراعي الطبيعية من الغذاء، فضلاً عن الإنفاق المتعلق باليد العاملة والحراسة ومتطلبات الكراء والكهرباء والنقل والبيطرة وغيرها.
وبالنظر للاهتمام الشعبي الكبير بأخبار الأضحية، وصلت قضية الغلاء حتى البرلمان الذي ساءل بعض نوابه وزير الفلاحة حول هذه الظاهرة، فكان جوابه مفاجئاً عبر نفي كل مبررات ارتفاع السعر، لكون الأعلاف مدعمة ولا توجد تكاليف ترفع الأسعار إلى هذا المستوى المبالغ فيه.
وقال عبد الحفيظ هني، إن سعر كبش العيد لا يجب أن يتجاوز 35 ألف دينار (200 دولار) أي نصف الأسعار المتداولة حالياً. ويكمن الإشكال في الوسطاء الذين يرفعون السعر، لأن السوق حرة ولا يمكن التحكم فيه، عكس الدواوين الوطنية التي يتم فيها بيع اللحوم بأسعارها الحقيقية. لكن هذه المبررات بدا أنها لم تقنع النواب الذين دخلوا في نقاش حاد مع الوزير، معتبرين أنه كان يمكن اتخاذ إجراءات تضبط السوق ولا تتركه ضحية للمضاربة، إلى الدرجة التي سيحرم فيها كثير من الجزائريين من تأدية شعيرة الأضحى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية