رغم تحفظات البعض، إلا أنه لا يمكن تجاهل الإيجابيات التي تقترحها مسودة الدستور، خاصة في مجال الحريات والفصل بين السلطات وضمان التداول على السلطة.
الجزائر -“القدس العرب”: كشفت رئاسة الجمهورية في الجزائر قبل أيام عن مسودة الدستور الجديد. دستور وعد به الرئيس عبد المجيد تبون خلال الحملة الانتخابية، ووعد أن يكون في بداية حكمه، ومهد له بإجراء سلسلة لقاءات مع شخصيات وطنية وحزبية ومسؤولي منظمات وجمعيات، مع التركيز على شخصيات معارضة وطلب رأيها بخصوص الدستور المرتقب، كما شكل لجنة من الخبراء كلفها بإعداد مسودة التعديل التي رأت النور أخيرا. ورغم تحفظات البعض عن التوقيت وعن الطريقة التي تم بها إعداد الدستور، إلا أنه لا يمكن تجاهل الإيجابيات التي تقترحها المسودة، خاصة في مجال الحريات والفصل بين السلطات وضمان التداول على السلطة، غير أن ذلك لم يمنع من وجود الكثير من التحفظات والتخوفات، لأن المشكل في الجزائر لم يكن قط مشكل نصوص بقدر ما كان مشكل عدم احترام النصوص.
ويمكن النظر إلى التعديل الدستوري المقترح على أساس عدة محاور، تتمثل في “الحقوق الأساسية والحريات العامة” و”تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها” و “السلطة القضائية” واستحداث “محكمة دستورية” و “الشفافية” و”الوقاية من الفساد ومكافحته” و “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات” وكذا مسألة إمكانية مشاركة الجيش الجزائري في عمليات عسكرية خارج الحدود بعد موافقة البرلمان.
ويقترح الدستور إدراج حكم بإلزام السلطات والهيئات العمومية باحترام الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة، وكذا “النص على عدم تقييد الحقوق الأساسية والحريات العامة إلا بموجب قانون ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام، أو حماية حقوق وحريات أخرى يكرسها الدستور”.
وينص أيضا على “الحق في التعويض عن التوقيف والحبس المؤقت” و”الحق في سرية المراسلات والاتصالات الخاصة في أي شكل كانت” و”حماية الأشخاص الطبيعية عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وحماية ممارسة العبادات دون تمييز.
حريات ولكن
ومن ضمن التعديلات المقترحة فيما يتعلق بالحريات “إقرار مبدأ التصريح لممارسة حرية الاجتماع والتظاهر” و”إقرار مبدأ التصريح لإنشاء الجمعيات ومبدأ عدم حلها إلا بقرار قضائي” و”دسترة حرية الصحافة بكل أشكالها ومنع الرقابة القبلية عليها” و”إقرار حق المواطن في الوصول إلى المعلومات والوثائق والإحصائيات واكتسابها وتداولها” وأنه “لا يمكن للقانون أن يتضمن أحكاما تعيق بطبيعتها حرية إنشاء الأحزاب السياسية. امتناع الإدارة عن كل ممارسة تحول بطبيعتها دون ممارسة هذا الحق”.
أما بالنسبة لمحور تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها، فإن المسودة نصت على “تكريس مبدأ عدم ممارسة أحد أكثر من ولايتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين، ومنح الإمكانية لرئيس الجمهورية لتعيين نائب له” و”تعزيز مركز رئيس الحكومة” و”إقرار مدة حالة الطوارئ أو الحصار بثلاثين يوما، ولا تجدد إلا بموافقة البرلمان، وإقرار مدة للحالة الاستثنائية (60) يوما، وعدم تجديدها إلا بموافقة البرلمان”.
كما ينوي الدستور الجديد تحديد الولايات البرلمانية باثنتين فقط، و”التمييز في الاستفادة من الحصانة البرلمانية بين الأعمال المرتبطة بممارسة العهدة وتلك الخارجة عنها” و”إلغاء حق التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية” و”الحفاظ على حق التشريع بأوامر خلال مدة شغور مجلس الشعب، وفي غضون مدة الحالة الاستثنائية، مع ضرورة تقديمها للبرلمان في المدة المطلوبة”.
وستكون الحكومة ملزمة بإرفاق مشاريع القوانين بمشاريع النصوص التطبيقية لها، و”إلزام الحكومة بتقديم المستندات والوثائق الضرورية إلى البرلمان لممارسة مهامه الرقابية ” و”إقرار إمكانية ترتيب مسؤولية الحكومة على إثر استجواب”.
ومن بين المواد الجديدة التي تمت إضافتها مادة تنص على دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تأسست على خلفية الحراك الشعبي الذي أدى إلى إسقاط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويتحدث الدستور الجديد عن “تعزيز مهام السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتشكيلتها، وتنظيمها وعملها” ومن بين الأمور الأخرى التي تضمنتها المسودة “دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 شباط/فبراير 2019 في إطار ديباجة الدستور، و”حظر خطاب الكراهية والتمييز” وإمكانية تخصيص بعض البلديات بنظام خاص، وتكريس مبدأ حياد الإدارة، ومبدأ الشرعية، وعدم تماطلها في علاقتها معه الجمهور، وإدراج لغة “تمازيغت” (الأمازيغية) ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري.
ردود أفعال
وجاءت ردود الأفعال بشأن مسودة تعديل الدستور متباينة، إذ اعتبرت حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) أن الوثيقة المقترحة لتعديل الدستور لم تفصل في طبيعة النظام السياسي، وأنها أبقت عليه “هجينا لا يمثل أي شكل من أشكال الأنظمة المعروفة في العالم” وأن “بعض التدابير التي ضمنها محتوى المسودة، والتي طرحت بصيغة مبهمة وغامضة دون الإشارة إليها، وقد تأخذ منحى بعديّا سيئا”.
وأوضحت أن منصب نائب رئيس الجمهورية المقترح ادراجه الدستور الجديد أكدت تشكيلة عبد الرزاق مقري يشوبه الغموض من حيث دوره وصلاحياته وطريقة تعيينه، وأن “مسودة الدستور المستقبلي لم تقدم بخصوص هذا المحور أي ضمانات دستورية في المشروع لنزاهة الانتخابات، وعدم تجريم الوثيقة المقترحة للتزوير وعدم اتخاذها أي تدابير ردعية ضده باعتباره أكبر آفة هي أساس كل أزمات البلاد”.
وترى الحركة أن الوثيقة أخذت توجها شعبويا سيؤدي إلى التضييق على الأحزاب من حيث التأسيس والممارسة السياسية والحق الكامل لتمثيل ناخبيهم، وبما يؤثر سلبا على الأداء البرلماني بشكل مخالف لكل التوجهات الدستورية العالمية -حسبها، بالإضافة إلى أنها لم تعطِ صلاحيات كافية للهيئات المنتخبة والكفيلة بتجسيد المادتين (7،8) من الدستور واللتان تمثلان مطلبا أساسيا من مطالب الحراك الشعبي.
كما أشار المصدر ذاته، إلى التمسك بدور الهيئات المُعينة وخاصة الإدارية منها على حساب المنتخبة ما يمثل عائقا أساسيا للتنمية المحلية وإخلالا بالديمقراطية التشاركية والتوجهات اللامركزية.
أما حركة الإصلاح فقد أعربت عن ارتياحها لمضمون التعديلات التي وصفتها بـ”العميقة والنوعية التي سيعرفها دستور المستقبلي” مثمنة قرار دسترة الحراك الشعبي و تحصين عناصر الهوية الوطنية.
وثمنت الإصلاح توسيع مساحات الحقوق والحريات، وتكريس كرامة المواطن وتحصين الصحافي وحماية المرأة، بالإضافة إلى تكريس استقلالية القضاء بمستوى غير مسبوق بإقرار المحكمة الدستورية ومراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء.
وباركت “إحداث توازن بين مختلف السلطات ومراجعة المهام والصلاحيات من خلال استحداث منصب نائب الرئيس، وتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان وترقية دور مجلس المحاسبة، وتثبيت الطابع الاجتماعي للدولة وتثمين المكاسب المحققة، لا سيما مسك ثروات البلاد واستحداث شروط تحقيق إقلاع اقتصادي وطني حقيقي”.
من جهتها دعت حركة البناء الوطني التي يقودها مرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبد القادر بن قرينة “كل الجزائريين أحزابا وشخصيات ووسائط مجتمعية الابتعاد عن السلبية، والانخراط في إثراء النص، حتى تصير المسودة دستورا حقيقيا ومستقرا يستجيب لمتطلبات الحاضر والمستقبل، ولا يصبح وثيقة كما كانت سابقا تستبدل حسب الأهواء والأمزجة أو الاستجابة لجماعات الضغط حتى أصبح تقليدا عندنا أن لكل رئيس دستوره”.
وشددت البناء على أن “الوثيقة كان متوقعا منها أن تكرس مطالب الحراك وشعاراته، وتتضمن الديباجة الخاصة بالدستور جميع مطالبه بكل تفاصيلها، وأن تبرز تطلعات الشباب الذي أطلقه وتعمل قطيعة حقيقية مع كل ممارسات الماضي البالية وتؤسس لبناء طبقة سياسية جديدة غير ملوثة ولا متورطة في فساد سياسي ولا مالي” غير أنها أبدت تحفظها بشأن صلاحيات رئيس الجمهورية، التي قالت إنها تحتاج تدقيقا أكثر بما يستجيب لبناء دستور يوازن بين السلطات.
وشددت الحركة على أن الوثيقة تضمنت عديد من الحقوق لم تكن في سابقتها، فهي بالضرورة محل ترحيب، متسائلة: “لكن لا ندري ما معنى إطلاق الحريات العامة، وعدم تقييدها إلا بقانون وكثير من الممارسات المرفوضة شعبيا وحضاريا يضعها أصحابها في خانة الحريات ولم يقيدها أي قانون”.
ولاحظت حركة البناء أن “الدستور الجديد تناول حرية المعتقد بجرأة، بحيث لا تجد تمييزا بين عقيدة الأمة الجزائرية وبين كل ما هو دخيل حتى وإن كان مبرمجا الغرض منه تمزيق وحدتنا وأن يكون اداة ضغط لبناء أقليات كيفما كان شكلها”.
وذكر البيان أن “المهام الملقاة على كاهل جيشنا ثقيلة وكبيرة ومتشعبة، ورغم ذلك الوثيقة طرحت بجرأة كبيرة مساهمة جيشنا خارج حدودنا وهذا يحتاج لتوضيح أكثر حتى لا نستنزف جيشنا في معارك يفتعلها الكبار وندفع ثمنها نحن والصغار ويبقى ظهر الجزائر عارٍ” مشددة على أن تكون متطلبات الدولة المحورية القائدة في الإقليم بارزة وتدخلات الدولة في محيطها يكون بدقة ووضوح كامل.
ورغم الجدل الذي أثارته المسودة، إلا أن الناطق باسم رئاسة الجمهورية محند أوسعيد بلعيد أكد أن الرئيس عبد المجيد تبون يسعى إلى دستور توافقي، وأن هناك لجنة على مستوى الرئاسة مهمتها تدوين كل الملاحظات والتحفظات وحتى الانتقادات من أجل الوصول إلى دستور يكون محل إجماع.
فيما يخص هذه المسودة وبصفتي مواطن أقترح تقليص من صلاحيات الرئيس الجمهورية وإعطائه بعض الصلاحيات كالصحية إعلان الحرب أو المصادقة على قانون المالية أو إعلان حالة الطوارء وتوسيع من صلاحيات رئيس الحكومة نوع النظام أن يكون برلماني لكي يتسنى للنواب الشعب محاسبة الحكومة