الجزائر: معركة الانتخابات تدخل المنعطف الأخير

كمال زايت
حجم الخط
0

الجزائر-“القدس العربي”:  انقضى الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية في الجزائر، بدون أن يتغير أي شيء في المعادلة السياسية القائمة، فالسلطة عازمة على الذهاب إلى هذه الانتخابات، والحراك الشعبي ما زال رافضا لها، في حين بدا أداء المترشحين عموما باهتا، وعجلة الحملة تجد صعوبة في الدوران بالسرعة القصوى، فالجميع في حالة ترقب، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بمآل هذه المعادلة ذات المجاهيل الكثيرة، قبيل أسبوعين من إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة للـ12 من كانون الأول/ديسمبر المقبل.

انطلقت الحملة الانتخابية في الجزائر مثلما كان مبرمجا لها، وكما كان متوقعا البداية كانت صعبة ومعقدة، بالنسبة لجميع المترشحين، في ظل رفض الحراك الشعبي لهذه الانتخابات، وإصرار الذين يتظاهرون بشكل شبه يومي على إلغائها أو تأجيلها، في الوقت الذي تشعر فيه السلطة أنها اقتربت من نهاية نفق مظلم، وأن عليها بقليل من الصبر بلوغ المخرج، وانتخاب رئيس بإمكانه مواجهة الشارع بعد ذلك، ومواجهة مختلف التحديات التي تنتظر البلاد على جميع الأصعدة.

حملة رفض

الحملة الانتخابية التي تعيشها الجزائر مختلفة عما سبقها خلال العشرين سنة الماضية، فهي تجري بدون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان حاضرا في كل الانتخابات التي جرت خلال العقدين الماضيين، كما أنها أول انتخابات منذ سنوات وعقود، بل يمكن القول إنها أول انتخابات منذ استقلال البلاد يقبل عليها الجزائريون من دون أن يعلموا من سيكون الرئيس المقبل.

وانطلقت حملة الانتخابات على وقع الاحتجاجات، وكان علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات هو أول من تعرض إلى موقف محرج، عندما تجمع المئات أمام القاعة التي كان ينشط فيها مهرجان انتخابي في مدينة تلمسان للتعبير عن رفضهم له، وللانتخابات التي يشارك فيها، واضطرت قوات الأمن إلى تطويق المتظاهرين والقاعة لمنعهم من الوصول إليها، لكن بن فليس أصر على عقد مهرجانه الانتخابي، ولما سئل في وقت لاحق عما حدث خلال اليوم الأول من الحملة، قال إنه يتفهم موقف الرافضين للانتخابات وأولئك الذين يتخوفون من أن تكون تكرارا لسيناريوهات سابقة، مشددا على أن الانتخابات المقبلة حتى وإن لم تكن مثالية فهي مقبولة عموما، وأن الجزائر بحاجة إلى انتخاب رئيس جمهورية يكون قادرا على الرد وتقديم الحلول لأزمات المواطنين ومشاكلهم.

أما المترشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة فقد اختار لفت الأنظار بطريقته الخاصة، ففي أول يوم من الحملة اختار خلافا لغيره من المترشحين أن يبدأ بالعاصمة، رغم إدراكه أن المسألة صعبة ومعقدة، وأصر أيضا على أن ينزل ساحة البريد المركزي التي تعتبر المعقل الرمزي للحراك الشعبي، ولكن نزوله هذا لم يدم إلا حوالي سبع دقائق، كان خلالها محاطا بالعشرات من رجال الأمن والمصورين، ليقول كلمتين أو ثلاث ويمتطي سيارته ويغادر بسرعة، في حين بقي بعض أنصاره والصحافيون يواجهون غضب الرافضين للانتخابات وتطاولهم.

وخلال الأيام الأخرى لفت بن قرينة الانتباه بتصرفات وتصريحات أقل ما يقال عنه إنها طريفة وغريبة، فظهوره وهو يصلي وسط الطريق بعد أن أوقف موكبه أثار موجة من السخرية، لأنه ما دام أدى الصلاة في الرصيف فكان بإمكانه أن يفعل ذلك في أي مصلى أو مسجد قريب، كما أن الكثير ممن سخروا من صورته وهو يصلي أمام الكاميرات استغربوا كيف لزعيم حزب إسلامي ألا تكون له سجادة داخل السيارة ما دام تعود على الصلاة في أي مكان.

كما أن تصريحاته أضحت تسير من غريبة إلى أغرب فمن جهة هاجم من قال إنهم وصلوا إلى السلطة على ظهر دبابة، لكنه نسي أو تناسى أنه كان عضوا في المجلس الانتقالي الذي نتج عن إلغاء الانتخابات البرلمانية التي جرت في 1991والتي يعتبرها البعض انقلابا على إرادة الشعب، وأنه وحزبه ساندا وقف المسار الانتخابي واستفادوا منه بطريقة أو بأخرى، كما أنه أضحى يهاجم المترشحين الآخرين بقوله إنهم فاسدون وأن لديه دليل فسادهم وسيكشف عليه في الوقت المناسب.

أما المترشح عبد المجيد تبون رئيس وزراء بوتفليقة السابق فقد غاب خلال اليوم الأول من الحملة، في مشهد غير مسبوق، لأن عادة أول يوم وآخر يوم في الحملة الانتخابية لأي مترشح هما أهم محطتين في المسار نحو قصر الرئاسة، والغريب أن الصحافيين المكلفين بتغطية حملة تبون لم يتم إبلاغهم، إلا في آخر لحظة، وهذا الغياب عن الحملة لم يكن اعتباطيا، لأنه تزامن مع حدث داخل مديرية حملته خلط جميع الأوراق، وهو استقالة عبد الله باعلي مدير حملة تبون الانتخابية، وباعلي هو سفير سابق للجزائر في نيويورك وقضى هناك أكثر من 16 عاما، ودخوله حلبة الانتخابات إلى جانب تبون عزز فرضية أن يكون الأخير مرشح النظام في هذه الانتخابات، لكن انسحابه أعاد النظر فيما كان يعتبر من المسلمات، أما بالنسبة لخلفيات هذه الاستقالة، التي حاولت مديرية حملة المترشح تبون التستر عليها إلى آخر لحظة، هو تصرفات قام بها تبون أزعجت باعلي، الذي قرر أن يرمي المنشفة، فبالنسبة للسبب غير المعلن، فإن باعلي يكون قد اكتشف أن الأمر يتعلق بخديعة وأن الرجل الذي اختار دعمه ليس مرشح النظام.

وحسب صحيفة “لسوار دالجيري” (خاصة صادرة بالفرنسية) فإن سبب الاستقالة هو أن تبون أسر لبعض مقربيه بأنه اجتمع مع ضباط في المؤسسة العسكرية وأنهم أكدوا له دعم الجيش، وأنه أراد أن يقنع من اجتمع إليهم أكثر فقال إن هذا الاجتماع تم بحضور مدير حملته الانتخابية عبد الله باعلي، وأن هذا الكلام الذي وصل إلى مسامع باعلي جعله يستشيط غضبا، ويقول إن الاجتماع الذي تحدث عنه تبون لم يحدث أصلا، وأنه لم يكن هو حاضرا في أي اجتماع مشابه، وأنه يبقى متمسكا بالموقف الذي أعلنه قائد أركان الجيش بشأن حياد المؤسسة العسكرية.

كما أن استقالة باعلي تلاها حدث جديد أكثر خطورة على المترشح تبون، ويتمثل الأمر في توقيف رجل الأعمال عمر عليلات النائب السابق في البرلمان، والمعروف بأنه قريب من تبون، بل إن هناك من يعتبر أنه أحد أكبر ممولي الحملة الانتخابية لعبد المجيد تبون، وهناك من أسر بأنه كان يجمع الأموال من رجال الأعمال الآخرين ويؤكد لهم أن تبون هو مرشح النظام المدعوم من الجيش لإقناعهم بضخ أموال في مديرية حملة تبون.

احتمالات وسيناريوهات

ويرى الكاتب والمحلل السياسي نجيب بلحيمر أن نفي أن يكون للسلطة، ويقصد بها الجيش، مرشح، ورغم كل التأكيدات لم تغلق الملف، ومنذ البداية تم تقديم عبد المجيد تبون على أنه مرشح المؤسسة العسكرية، وحتى المرشح الآخر علي بن فليس أظهر امتعاضه من ترشيحه أول مرة في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، واعتبره محاولة لفرض ولاية خامسة من دون بوتفليقة.

وأضاف ” نشرت جريدة لوسوار دالجيري خبرا مر مرور الكرام، ويفيد أن سبب استقالة السفير السابق عبد الله باعلي من منصب مدير حملة تبون، هو ادعاء هذا الأخير بأنه مرشح الجيش، وقوله بأنه التقى قادة عسكريين كبار أكدوا له دعم قيادة الجيش لترشحه، وحسب الخبر فإن تبون قال إن مدير حملته حضر هذا الاجتماع، وهو أمر أثار حفيظة باعلي وجعله يقدم استقالته في اليوم الأول من انطلاق الحملة الانتخابية”.

واستطرد “إلى حد الآن لم يكذب باعلي ما أوردته “لوسوار” ومن الواضح أن تسريب الخبر جاء في وقت حساس ليشير إلى تبرؤ الجيش من تبون، وبعد نشر الخبر بأربع وعشرين ساعة يتم الإعلان عن إيداع رجل الأعمال عمر عليلات الحبس المؤقت بتهمة الفساد والتمويل الخفي للأحزاب والحملة الانتخابية لبوتفليقة، وعليلات هذا هو من أهم ممولي الحملة الانتخابية لتبون، وهذا يعني أن المرشح الذي يوصف بالأساسي أصبح الآن في ورطة حقيقية، وكل التفاصيل تعطي الانطباع بأن ما نسب إلى قاض في المحكمة العليا قوله إن مكان تبون السجن وليس في الرئاسة كان دخانا يخبر عن حريق قد يصبح كبيرا”.

واعتبر الكاتب نجيب بلحيمر أنه “بصرف النظر عن حقيقة ما يجري فإن ما ينشر بخصوص تبون في هذا التوقيت يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة من ضمنها استدعاء تبون للتحقيق (وهنا قد نصبح أمام سيناريو شبيه بسيناريو نبيل قروي في تونس) أو انسحابه من السباق وهو أمر معقد باعتبار أن القانون يمنعه، أو الاستمرار في الحملة الانتخابية بصرف النظر عما يجري بما يعنيه ذلك من تراجع كامل لحظوظه وتحول التوقعات إلى ترجيح كفة مرشح آخر. كل هذه السيناريوهات ستخدم مصلحة السلطة الأساسية وهي تمرير الانتخابات، فالمرشحون الخمسة مناسبون لمهمة إعادة بناء الواجهة المدنية للحكم، لكن الإثارة قد تعطي بعض المصداقية للانتخابات، وقد تحجب الأهم وهو الرفض الشعبي لها. لكن مع ذلك لا يمكن إغفال حقيقة أن تبون قد يتحول إلى ورقة تبقي الباب مفتوحا أمام احتمال إلغاء الانتخابات التي تحولت إلى ورطة”.

وترى المحللة السياسية دليلة بلخير أن “أغلب الوجوه المرشحة حاليا تذكر بالنظام السابق، وتؤكد أن الحراك لم يحقق الشيء الكثير، إذا ما أصرت السلطة على مواصلة السير في طريق إجراء الانتخابات، وهو ما يستفز الحراكيين الذين اعتقدوا في بداية المظاهرات أنهم سيحققون الهدف الأول بإزاحة النظام السابق الذي عاث في البلاد فسادا”.

واعتبرت أن أداء المرشحين باهت وشعبوي واعتمادهم التوجه إلى الزوايا الطرقية، ومحاولة اللعب على وتر الدين ودغدغة المشاعر لا يمكن أن يؤثر في مواطن 2019 بل بالعكس غالبية التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي كانت ضد هذه الممارسات التي تشبه ممارسات النظام السابق، مشددا على أن الاختباء في قاعات فيها مواطنون يتم انتقاؤهم بعناية، وعدم مواجهة الرافضين للانتخابات في الشارع، يثبت محدودية المرشحين وتخبطهم وضعف حجتهم في إقناع الجماهير الرافضة لهم.

أما بالنسبة لحظوظ المترشحين الخمسة اعتبرت دليلة بلخير أن عبد المجيد تبون عندما ترشح تم تقديمه على أنه مرشح الجيش، ثم أصبح بن فليس، وهناك من يعتقد أنه بن قرينة، حتى وإن كانت تصرفات وتصريحات الأخير المثيرة للسخرية أحيانا لا تجعله يظهر في صورة المرشح الجدي، مشيرة إلى أنها ربما المرة الأولى في تاريخ صنع الرؤساء في الجزائر التي لا يعرف فيها الرأي العام من هو الرئيس المقبل.

الأقرب إلى كرسي الرئاسة

وأوضحت أن تبون كان يبدو الأقرب إلى كرسي الرئاسة، لكن الحملة التي تم شنها ضده قد تخدمه، خصوصا وأنها جاءت من أطراف ترفض من هم مع إجراء الانتخابات السير في فلكها، ويبقى الصراع قائما بينه وبين بن فليس على كرسي المرادية إذا تمت الانتخابات في التاريخ المحدد لها.

واعتبرت أن إصرار السلطة على الذهاب نحو انتخابات يرفض الحراك مرشحيها قد يفتح الباب أمام مواجهات بين النظام والحراكيين، وقد بدأ التصعيد بخروج مظاهرات ليلية رفضا للانتخابات الرئاسية بوجوهها الحالية وطريقة تنظيمها، بالموازاة هناك مظاهرات داعمة لإجراء الانتخابات في تاريخها المحدد.

أما الصحافي والمحلل السياسي عبد الله بوزاري فيرى أن الأسبوع الأول من الحملة كشف عن حجم الاستقطاب الشديد الحاصل حول المشاركة في الاقتراع الرئاسي من عدمه، وهو الأمر الذي غطى على الأقل إعلاميا على مضامين برامج المترشحين الخمسة. وتوقع بوزاري أن تشتد المنافسة خلال ما تبقى من عمر الحملة.

واعتبر أن تأثير الرافضين للانتخابات في تراجع، وأن هناك صدمة كبيرة لدى قطاع واسع من الشعب، حيال انحراف وجنوح جانب من الرافضين للانتخاب الى التنمّر والتعنيف اللفظي ضد المقتنعين بالفعل الانتخابي، مشددا على أن الصدمة هنا تعني محاولة فرض الآراء المعارضة بالقوة وتتفيه موقف المؤمنين بالانتخابات.

وتوقع المتحدث ذاته أن الأيام المقبلة ستكشف المزيد من خبايا الحملة الشرسة والبروبغاندا المركّزة ضد الانتخاب، مشيرا إلى أن من السابق لأوانه الحديث عن حظوظ المترشحين، لأن الأيام المقبلة من شأنها تغيير الكثير من الأمور وقلب الموازين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية