إسطنبول: شراكة اقتصادية واعدة، وتنافس خفي على النفوذ في منطقة الساحل، ذلك ما يمكن أن توصف به العلاقات الجزائرية مع دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس”.
إذ يعكس افتتاح بنكين جزائريين في كل من السنغال وكوت ديفوار، مؤخرا، رغبة جزائرية لتعزيز صادراتها لدول غرب إفريقيا.
إلا أن الجزائر التي لها نفوذ وامتداد عرقي في دول الساحل وبالأخص مالي والنيجر، تجد نفسها بمواجهة تصاعد نفوذ “إيكواس” في المنطقة، التي تعتبرها الجزائر حديقتها الخلفية وعمقها الاستراتيجي المرتبط بأمنها القومي في الجنوب.
تنظر الجزائر إلى دول غرب إفريقيا على أنها سوق واعدة لمنتوجاتها، بحكم الجغرافيا، وأيضا في إطار سياستها الجديدة لرفع قيمة صادراتها خارج المحروقات من 7 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار سنويا.
وبالنظر إلى صعوبة المنافسة في السوق الأوروبية رغم اتفاقية الشراكة التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي التي دخلت حيز التنفيذ في 2005، اتجهت البلاد نحو السوق الإفريقية وبالأخص في الجهة الغربية من القارة.
وتملك المنتجات الجزائرية فرصة لفرض نفسها في الأسواق الإفريقية وبالأخص مواد البناء مثل الحديد والإسمنت والسلع الكهرومنزلية، والصناعات الغذائية والمنظفات، بينما تستورد الدول الإفريقية كل شيء تقريبا في ظل ضعف إمكانيات التصنيع.
ولتحقيق هذا الهدف تستعد الجزائر لتعبيد طريق بين ولاية تندوف (جنوب غرب الجزائر) وولاية الزويرات (شمال غرب موريتانيا) ما يمكنها من الوصول إلى أسواق غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي وخليج غينيا.
أما الطريق الثاني الذي شارف على الانتهاء من الجانب الجزائري فيربطها بنيجيريا عبر النيجر، ويتفرع نحو مالي غربا وتشاد شرقا، بالإضافة إلى تونس.
ويرافق هذا الطريق مشروع خط أنابيب لنقل غاز نيجيريا نحو أوروبا، وخط ألياف بصرية من الجزائر نحو النيجر ونيجيريا.
كما فتحت الخطوط الجوية الجزائرية خطوطا جديدة نحو كل من دكار (السنغال) وأبيدجان (كوت ديفوار) وواغادوغو (بوركينا فاسو) ونواكشوط (موريتانيا) وباماكو (مالي).
كما أعلن وزير النقل الجزائري يوسف شرفة في أغسطس/ آب الماضي، الإجراءات في مراحل متقدمة جدا للإعلان عن فتح خطوط جوية جديدة نحو مدن إفريقيا بينها أبوجا (نيجيريا).
وأطلقت الجزائر خطوط بحرية تجارية نحو موريتانيا والسنغال وتسعى لفتح خطوط أخرى مثل كوت ديفوار لتعزيز صادراتها لدول غرب إفريقيا.
وكثفت الجزائر من المشاركة في المعارض الدولية بدول غرب إفريقيا، بل ونظمت وكالة “ألجيكس” الجزائرية عدة معارض في 2022 بدول غرب إفريقيا على غرار النيجر وكوت ديفوار والسنغال.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، افتتحت الجزائر معرضين دائمين وبنكين في كل من موريتانيا والسنغال، لتسهيل عملية تسويق وتصدير منتجاتها.
فتدهور الأوضاع الأمنية في كل من الشمالي الشرقي لنيجيريا وأيضا في النيجر ومالي، جعل الجزائر تركز على المحور الغربي بدل الأوسط لدول إيكواس.
ومربط الفرس في تكثيف الجزائر لصادراتها نحو دول غرب إفريقيا، يتمثل في موريتانيا، الدولة المغاربية التي انسحبت من إيكواس عام 2000، لذلك يتم تكثيف عمليات الربط البري والجوي والبحري معها لتكون بوابة للصادرات الجزائرية نحو كل من السنغال وكوت ديفوار بالدرجة الأولى، ثم بقية الدول الأخرى.
في الوقت الذي تتعزز فيه الروابط الاقتصادية والتجارية بين الجزائر ودول غرب إفريقيا بشكل غير مسبوق منذ استقلال هذه البلدان في بداية الستينات، إلا أن الوضع على الصعيد السياسي يحمل العديد من اختلاف وجهات النظر في التعامل مع القضايا الأمنية في منطقة الساحل.
وظهر هذا الاختلاف في ملفين على الأقل، أولهما يتعلق بعقوبات إيكواس على الانقلابيين في مالي، والتي رفضت الجزائر تلبية طلب دول المجموعة للمشاركة فيها وغلق حدودها الطويلة مع مالي، بل وعرضت عليهم الوساطة بينهم وبين المجلس العسكري في باماكو.
وثانيهما تهديد إيكواس بشن عملية عسكرية على الانقلابيين في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، وهو ما عارضته الجزائر بشدة، باعتباره سيفجر المنطقة دون أن يحل الأزمة الدستورية في البلاد.
فحدود الجزائر مع مالي (1329 كلم) والنيجر (951 كلم) طويلة ومعقدة التضاريس (صحراء وجبال) وذات مناخ صحراوي قاس، وقليلة السكان ويصعب مراقبتها، لذلك فأي تدهور في الوضع الأمني في جارتيها الجنوبيتين من شأنه أن يؤثر على أمنها القومي.
فلطالما اعتبرت الجزائر كلا من مالي والنيجر حديقتها الخلفية، والقبائل العربية والطوارق في شمال البلدين امتدادا عرقيا لسكانها، ولعبت منذ التسعينات دور رجل المطافئ لإطفاء نيران التمرد في البلدين.
وتاريخيا عندما أغلق الاستعمار الفرنسي حدود الجزائر مع المغرب وتونس بالأسلاك الشائكة والمكهربة وحقول الألغام، تمكن الثوار الجزائريون من كسر هذا الحصار جنوبا بمساعدة زعماء الطوارق في الجزائر ومالي والنيجر، وإدخال السلاح نحو الشمال.
بينما تعتبر دول إيكواس أن مالي والنيجر من أعضاء المجموعة، وبالتالي يحق لها التدخل فيهما، لإعادة النظام الدستوري بحكم المواثيق والاتفاقات المؤسسة لها.
ويخشى زعماء إيكواس أن التساهل مع الانقلابيين في مالي والنيجر وأيضا بوركينا فاسو، من شأنه أن يشجع القادة العسكريين في بلدانهم للانقلاب عليهم، ويسقطهم الواحد تلو الآخر كأحجار الدومينو، لذلك يبدون أكثر صرامة في التعامل مع الانقلابيين مقارنة مع الجزائر.
بينما ترى الجزائر أن التدخل العسكري لإيكواس في النيجر، أو غلق الحدود على مالي، لن يزيد الوضع إلا تعقيدا، خاصة وأن الدولتين تعتمدان بشكل كبير على المساعدات الدولية، وتعانيان من هشاشة أمنية بسبب نشاط الجماعات الإرهابية، ناهيك عن الانقسامات العرقية والقبلية والتي قد تؤدي إلى انهيار هذه الدول وتفككها.
فالنفوذ الفرنسي على العديد من الدول المؤثرة في إيكواس مثل السنغال وكوت ديفوار، لا ينظر له بارتياح في الجزائر، خاصة وأن التدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2013، رغم التحذيرات الجزائرية، لم يؤد سوى لانتشار الجماعات الإرهابية في وسط البلاد، ثم تمددها إلى النيجر وبوركينا فاسو.
وبغض النظر عن وجهة رأي الطرفين، إلا أن ذلك يخفي صراعا على النفوذ في مالي والنيجر بين الجزائر وإيكواس، حول من تكون له الكلمة الأخيرة في منطقة الساحل.
(الأناضول)