ستّون عاماً تمرّ على استقلال الجزائر. فالجميع يعرف ما حصل يوم 5 يوليو/تموز 1962، من احتفالات عمّت البلاد. لكن هناك تاريخ مفصليّ، نادراً ما نتوقّف عنده، هو اليوم الأخير الذي سبق الاستقلال (أي 4 يوليو/تموز). فيما يلي كرونولوجيا ذلك اليوم، مع شهادة من عايشه وقد كان طفلا، بينما الآن يدنو من السّبعين.
الخامسة صباحاً
خرجت جريدة «لوموند» من المطبعة، وقد تضمّنت في صفحتها الافتتاحية، ما يؤكّد الشّائعات، التي سادت في الأيّام الفارطة: تقرّر حلّ برلمان الجزائر وإنهاء مهام 102 من أعضائه. باتت الجزائر شعباً دون ممثّلين له. بلداً يرفع شعار «من الشّعب إلى الشّعب» كما قرّرت جبهة التّحرير. لكن الخبر الأكثر إثارة في الجريدة نفسها ذلك اليوم، هو ما كشفته تحقيقات الشّرطة، أن الجنرال «دو لا رمينا» قد مات منتحراً. دو لارمينا كان يرأس المحكمة العسكرية، في فرنسا، أوكلت إليه محاكمة الإنقلابيين في الجزائر العاصمة، الذي أرادوا سحب البساط من تحت قدمي ديغول، في محاولة انقلاب فاشلة ربيع 1961، كي تظلّ الجزائر فرنسية. هل هي صدفة أن ينتحر واحد من كبار قادة الجيش الفرنسي في هذا التوّقيت الحرج؟
السّادسة صباحاً
امحمّد يزيد، النّاطق باسم الحكومة الجزائرية المؤقتّة، يُرسل برقيّة إلى إذاعة تونس، يؤكّد فيها أن أعضاء الحكومة تجمعهم علاقة طيّبة، لا شقاق بينهم، في مسعى منه إلى طمأنة الرّأي العام في الدّاخل. مع أن الأصداء المتداولة حينذاك كانت تقول العكس.
السّابعة صباحاً
عبد القادر، طفل بعينين بنيّتين وشعر أسود، لم يتعد السّابعة من عمره. يقف أمام باب البيت، في حيّ الموامين، بمدينة بوسعادة. ذلك الحيّ العربي، الذي يبتدأ بمسجد وينتهي بكنيسة. واجهة البيت زيّنت، قبل يومين، بجريد النّخيل، كذلك بيوت الجيران، وعلى طرف الشّارع فتيات يطبلن على دربُكة، في هذا الصّباح الحارّ، ورجال يطوفون، ببنطلونات عريضة، كما لو أنّهم يتهيؤون لحفلة تويست. لاحظ أنّ هناك شيئا غير مألوف في الأرجاء، لا سيما أن اليوم الفارط شهد اجتماعات مطوّلة بين الرّجال، دون النّساء.
الثّامنة صباحاً
سمع النّاس ما جاء في كلام امحمّد يزيد، دون اقتناع، فالخلافات كانت في الدّاخل، بين قيادات الولايات التّاريخية، وليس بين أفراد الحكومة المؤقتة. ومدينة عبد القادر تتبع الولاية السّادسة، التي ترأسّها محمّد شعباني، أصغر عقيد في حرب التّحرير، الذي سوف يموت بالإعدام بُعيد الاستقلال، بتهمة محاولة التّمرّد وزرع الفتنة، قبل أن يرد له الاعتبار لاحقاً، وتسمّى ساحات وشوارع ومؤسسات تربوية على اسمه. نال في موته ما لم ينله في حياته.
التّاسعة صباحاً
قصر الإيليزي يقرّر تعيين جان مارسيل جونوني كأوّل سفير لفرنسا في الجزائر المستقلّة. جونوني، الذي كان وزيراً للصّناعة والتّجارة، نجا بأعجوبة من انقلاب ربيع 1961، فحينها كان في زيارة إلى ابنته التي أقامت في مدينة (سعيدة) وكان من الدّاعمين لاستقلال الجزائر. قبل أن يردّ بالإيجاب أو الرّفض على عرض توليّ السّفارة، هاتفه شارل ديغول: «أنت دعمت استقلال الجزائر، في مجلس الوزراء، الآن أنتظر منك مساعدتنا في تحقيق ذلك المسعى».
العاشرة صباحاً
بينما الجزائر تسودها أجواء احتفالات، تعيش باريس على الأعصاب، فقد ألقت الشّرطة القبض على جماعة تخصّصت في تفجير مقاهي الجزائريين، ليس في باريس فقط، بل في مدن أخرى يتواجد فيها مغتربون بكثرة. بات كلّ تجمع للجزائريين في تلك الأيّام مثاراً لحساسية أنصار الجزائر الفرنسية.
العاشرة والنّصف صباحاً
رجل يتمدّد، وحيداً في غرفته، بجنوب أميركا، منهكاً من شدّة المرض، يعدّ ساعاته الأخيرة. كان اسمه وليم فوكنر.
الحاديّة عشرة صباحاً
اجتماع طارئ في بلدية باريس، برئاسة مُحافظ المدينة جان بينيدتي. فقد وصلت أربع آلاف عائلة جزائرية وأخرى من فرنسيي الجزائر إلى باريس (ما بات يطلق عليهم بدءاً من ذلك اليوم: الأقدام السّوداء) وتقدّموا بطلبات إسكان، في وقت لم تكن تتوافر فيه باريس على قدرة على استيعابهم. في ذلك اليوم سوف يتقرّر إنشاء ضواحي جديدة في المدينة، وإسكان الهاربين من الجزائر في عمارات (أش. أل. أم) أو ما يعني سكنات الإيجار المتوسط. بعد ثلاثين عاماً ستنجب تلك الضّواحي نجوم فرنسا في الرّياضة، الموسيقى والسّينما، كما ستنعت أيضاً بحاضنة المنحرفين والإرهابيين. جان بينيدتي وعد بالتّكفّل بالجزائريين الوافدين، وأقترح يومها خلق 273 منصب عمل لعاملات النّظافة. لكن لم يطل به الحال أن استقال من منصبه على إثر تزايد القادمين من الجزائر.
منتصف النّهار
يقف عبد القادر، على رصيف في وسط مدينة بوسعادة، وهو يُشاهد استعراضاً لثلاث كتائب من جيش التّحرير، بزيهم العسكري، يستعرضون أسلحتهم، يرفعون الرّايات ويؤدون أناشيد حماسيّة. لم يكن الاستعراض مثيراً – في عينيه – لكنها المرّة الأولى التي يرى فيها مسلحين من أبناء مدينته وليسوا من الأوربيين.
الواحدة زوالاً
جرى تسليم المهام، بين كريستيان فوشيه، ممثّلا للحكومة الفرنسية، وعبد الرحمان فارس، رئيساً للتّنفيذية المؤقتة للجزائر. عملياً، كان عبد الرّحمان أوّل رئيس للجزائر – لكن كتب التّاريخ تتغاضى عن اسمه – فقد كان أيضاً الوسيط في الانتقال من الاحتلال إلى الاستقلال. وهو الذي سلّم المهام إلى المجلس التأسيسي ثم إلى أحمد بن بلّة. عبد الرّحمان فارس أنجب واحداً من ألمع الرّوائيين الجزائريين: اسمه نبيل فارس. بمجرد تسلّمه للمهام ذلك اليوم، أقلعت طائرة (من نوع كارافال) من تونس صوب الجزائر، على متنها أعضاء الحكومة المؤقتة، الذين ظنّوا أنّهم سيواصلون الحكم من الجزائر. وجدوا الآلاف من المواطنين في استقبالهم، لكنّهم سيزاحون من الحكم.
الثّانية زوالاً
سمع عبد القادر، مثل آخرين، ما وقع في حيّ بلاطو: اغتيال شاب أوربي. صيف 1962 سيكون أسخن صيف في المدينة، عقب انسحاب ما أطلق عليه «الأمن المحلي» وهي قوة عسكرية أنشأت عقب اتفاقيات إيفيان مهمّتها حفظ الأمن إلى أن يتمّ الاستقلال. تكرّر استهداف الأوربيين، وبعد شهر سينتقل عبد القادر مع عائلته من حيّ الموامين الفقير إلى السّكن في بيت خلّفه معمّرون فرنسيّون.
الثّانية والنّصف زوالاً
سيّدة من نيويورك، اسمها ماري، مبتهجة بمولودها الجديد، الذي حلّ قبل يومين. أسمته: توم كروز. حين يكبر عبد القادر سيشاهد أفلام توم كروز في التّلفزيون ويتمنّي لو أنجب طفلاً مثله.
الثّالثة زوالاً
جبهة التّحرير الوطني تمنع دخول الصّحف الأجنبية «العنصرية والكولونياليّة». يافطة فضفاضة في منع الصّحف التي لا تروق السّلطة. من يومها ما تزال تلك التّعليمة غير الرّسمية سارية المفعول، فتكاد الجزائر أن تصير بلداً معزولاً، يندر أن نعثر فيه على صحف أجنبية.
الرّابعة عصراً
شاهد عبد القادر شاحنات تصل، إلى وسط المدينة، محمّلة برجال وشبّان قادمين من قرى قريبة. تمّ جلبهم للمشاركة في احتفالات اليوم القادم. زادت الرّايات الوطنية في الشّوارع، بألوانها البيضاء، الخضراء والحمراء. 4 يوليو/تموز 1962 يبدو يوماً طويلاً، وأوربيون، ممن ربطتهم علاقة طيّبة مع الأهالي، يطوفون حاملين آلات تصويرهم. غالبية أولئك المصوّرون الهوّاة سيكونون مصدراً أساسياً في اطلاعنا على وقائع ذلك اليوم التّاريخي.
الخامسة مساءً
الخزينة الفرنسية تقرّر منح مساعدات إلى الخزينة الجزائرية.
الخامسة والنّصف مساءً
في جوهانسبورغ، الشّرطة تصدر أمراً بتوقيف رجل في الأربعينيات من العمر، ينتحل صفة سائق تاكسي. كان اسمه نيلسون مانديلا.
السّادسة مساءً
بن يوسف بن خدّة، رئيس الحكومة المؤقتّة، يشرّع في تلقي رسائل تهنئة من قادة دول عربية وأخرى غربية: من مصر، تونس، المغرب، الأردن، لبنان، يوغسلافيا، بولونيا، الجمهوريات السّوفياتية، من هنغاريا، ألمانيا الشّرقية، الصّين والهند. بينما دول أخرى نشرت بيانات تهنئة، مثل إنجلترا، هولندا، إيطاليا، بلجيكا، الدنمارك، كندا والولايات المتحدّة الأميركية. بالمقابل، فضّل سيريل أدولا، زعيم الكونغو، توجيه رسالة تهنئة إلى ديغول.
السّابعة مساءً
جنود جيش التّحرير، الذي كانوا في تونس، يشرعون في الدّخول إلى الجزائر برّاً على متن شاحنات وحافلات. الكتيبة 17 كانت أوّل الواصلين.
الثّامنة مساءً
وكالة (أ.أف.ب) تنشر برقية مفادها أن ربع مليون شخص وصلوا إلى فرنسا، قادمين إليها من الجزائر، في الأيام الأخيرة. رقم ينبأ بتغيّرات سوف تطرأ على مجتمع الميتروبول. الرّقم ذاته تقريباً هو عدد النّازحين والمهجّرين الجزائريين الذين سيعودون من المغرب وتونس.
الثّامنة والنّصف مساءً
ثمانية شبّان يتهيّؤون لإحياء أوّل حفل لهم في لندن. سيطلقون على أنفسهم بدءاً من اليوم التالي اسم: رولينج ستونز.
التّاسعة مساءً
عبد القادر يعود إلى حيّ الموامين. ارتفع إيقاع الأهازيج في أذنيه، وهو يرغب في الاستيقاظ باكراً في اليوم التّالي، والمشاركة في الرّقص وفي الغناء، حلمه أن يلتحق بالمدرسة في الخريف القادم. اليوم يقترب عبد القادر من عقده السّابع، متقاعداً بعد أن قضى سنوات في تدريس الفرنسية لأطفال المدارس، ولا يزال يكرّر حكايته عن يوم 4 يوليو/تموز 1962، عن ذلك اليوم الأخير الذي سبق نهاية العالم القديم، لمن أراد أن يستمع إليها.
روائي جزائري
رحم الله كل شهداء الجزائر الذين اعلوا راية الجهاد في سبيل الله تحريرا لأرضهم من الإستعمار الفرنسي الذي طال أمده وطالت معه معاناتهم .
ماذا بعد ستين سنة من الاستقلال ؟
الفساد ينخر البلاد و العباد
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
تحيا الجزائر.
يجب على الجميع أن يبدأوا بأنفسهم لخدمة الجزائر وقبل كل شيء ليكونوا إيجابيين ويزرعوا الأمل وأحلام التغيير
( العسكرية راهي عند السيسي في أم الدنيا.. ) ياسي؟ نحن بخير و يحيا الوطن رغم أنف الحاقدين..
من الجزائر اقول مازلنا في العالم القديم وربما نحن في حقبة اقدم
جميل جدا