موسكو: عُرف سيرغي سوروفيكين بأساليبه الوحشية وإستراتيجيته العسكرية الصارمة في أوكرانيا، وقبلها في سوريا، لكن علاقته بمجموعة فاغنر المسلحة وزعيمها يفغيني بريغوجين أطاحت الجنرال من قيادة القوات الجوية الروسية في خضم الحرب.
وبعد أسابيع من الغموض والتكهنات بشأن مصيره، أكد الإعلام الرسمي الروسي، الأربعاء، أن سوروفيكين أعفي من منصبه.
ونقلت وكالة “ريا نوفوستي” عن مصدر لم تسمّه قوله: “تم إعفاء القائد السابق للقوات الجوية الروسية سيرغي سوروفيكين من منصبه”، في إطار تغييرات في هيكلية الجيش.
تحت إمرة سوروفيكين، انسحبت القوات الروسية من مدينة خيرسون والضفة اليمنى لنهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا، في انتكاسة عسكرية ثقيلة لموسكو.
ويعد سوروفيكين (56 عاماً) من القادة المخضرمين، وحضر في الكثير من الحروب التي خاضتها موسكو، بدءاً من الاجتياح السوفياتي لأفغانستان، مروراً بالتدخل العسكري في سوريا، وصولاً إلى العمليات في أوكرانيا، منذ شباط/فبراير 2022.
وفي ليل 23-24 حزيران/يونيو، ظهر سوروفيكين بشكل مثير للريبة، في شريط مصوّر، وحضّ مقاتلي فاغنر على التراجع، بعدما دعاهم بريغوجين إلى التمرد.
ووضع الجنرال، الحليق الرأس، المعروف بتعابير وجهه المتجهمة، بندقية على فخذه، وقال: “أتوجّه إلى مقاتلي مجموعة فاغنر وقائدها (…)، دمنا واحد، نحن مقاتلون. أطلب منكم التوقف”، ووضع حد للتمرد المسلّح “قبل فوات الأوان”.
بعد أقل من 24 ساعة، عادت قوات فاغنر، التي كانت بدأت التوجه نحو موسكو، أدراجها، منهيةً التمرّد، بعد اتفاق مع الكرملين من رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو.
منذ ذلك الحين، غاب سوروفيكين عن الحيّز العام، ما أثار تكهّنات بشأن توقيفه أو إقالته.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن سوروفيكين كان على علم مسبق بمخططات بريغوجين، وأنه قد يكون اعتُقل. لكن الكرملين نفى المعلومات، من دون أن يلغي ذلك الغموض الذي يلفّ مصيره.
وفي تموز/يوليو، قال رئيس لجنة الشؤون الدفاعية في الدوما أندري كارتابولوف إن سوروفيكين “يرتاح الآن، يتعذّر الاتصال به في الوقت الحالي”.
في سوريا، طردَ سوروفيكين الضباط من هيئة الأركان العامة، ليذهب هو ويقود الهجمات
كان الجنرال، الطويل القامة، وذو البنية الجسدية الضخمة، يعدّ أوثق حلفاء فاغنر في وزارة الدفاع، حتى حين كان بريغوجين يصعّد من انتقاداته العلنية للوزير سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، ويتّهمهما بعدم الكفاءة في إدارة حرب أوكرانيا.
تمّ تعيينه، في أيار/مايو، وسيطاً رسمياً بين الجيش ومجموعة فاغنر، في أعقاب اتهام بريغوجين للقيادة العسكرية بالإخفاق في تزويد مقاتليه بالذخيرة التي يحتاجونها للقتال في أوكرانيا.
في تشرين الأول/أكتوبر 2022، عيّن سوروفيكين قائداً للقوات الروسية في أوكرانيا، في خطوة لاقت ترحيب بريغوجين. لكن هذه المهمة لم تدم سوى ثلاثة أشهر، قبل أن يُعهد بقيادة هذه القوات إلى رئيس الأركان غيراسيموف.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وتحت إمرة سوروفيكين، انسحبت القوات الروسية من مدينة خيرسون والضفة اليمنى لنهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا، في انتكاسة عسكرية ثقيلة لموسكو.
اختار سوروفيكين الجو مجالاً للرد على خسارة الميدان، فكان مهندس حملة من القصف الجوي والصاروخي خلال الخريف والشتاء طالت بنى تحتية أوكرانية.
بقي الضابط، الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية لقب “جنرال يوم القيامة”، حاضراً في رأس الهرم، حتى بعد إبعاده من منصبه رسمياً.
صرّح خبير عسكري روسي لوكالة فرانس برس إن سوروفيكين “معروف جداً. الجيش يتحدث عنه كثيراً. وله سمعة بأنه قائد مجنون ومصاب بصدمات الحرب وقاس”.
وأضاف الخبير، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الرئيس فلاديمير “بوتين يوقره. وفي سوريا طردَ الضباط من هيئة الأركان العامة، ليذهب هو ويقود الهجمات”.
اتكأ القائد المخضرم على تراكم تجاربه الميدانية: الغزو السوفياتي لأفغانستان، حرب الشيشان الثانية، والتدخل في سوريا، ما أكسبه لقب “جزّار سوريا”.
وأشار محللون إلى أن سوروفيكين قاد، حتى الخريف الماضي، القوات الروسية في جنوب أوكرانيا، والتي حققت النجاحات الأبرز في الميدان منذ بدء الغزو.
ورجّح المدوّن العسكري ريبار، الذي يتابعه أكثر من 1,2 مليون مشترك، أن يكون إعفاء سوروفيكين من مهامه تمّ عملياً “مباشرة في أعقاب” تمرّد فاغنر، مشيراً إلى أن ذلك ليس بالضرورة “إدانة” له، بل قد يكون إجراءً مؤقتاً.
اتكأ القائد المخضرم، الذي بات من رموز الشراسة العسكرية الروسية، إلى تراكم تجاربه الميدانية: الغزو السوفياتي لأفغانستان، حرب الشيشان الثانية مطلع القرن الحادي والعشرين، والتدخل في سوريا اعتباراً من العام 2015 إلى جانب قوات نظام بشار الأسد، ما أكسبه لقب “الجزّار السوري”.
قبل تعيينه قائداً لمنطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، كان سوروفيكين، المولود في سيبيريا، أحد قادة القوات الروسية في سوريا.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في 2020، إنه كان من بين الضباط الروس “الذين قد يتحملون مسؤولية” الانتهاكات هناك، بما في ذلك الهجمات على المدارس والمستشفيات.
وهو معروف أيضاً لدوره في الانقلاب الفاشل ضد ميخائيل غورباتشوف، عام 1991، الذي أذِن ببدء سقوط الاتحاد السوفياتي.
وسُجن سوروفيكين، بعدما قتلت مجموعة تأتمر به ثلاثة متظاهرين مؤيدين للديمقراطية، لكن أطلق سراحه بعد بضعة أشهر.
(أ ف ب)