الجمهورية الجزائرية.. بين أمل ضائع وغد مدلهم

حجم الخط
0

يعتبر المجتمع الجزائري مجتمعا تعدديا بالنظر إلى تكوينه، فهو المجتمع الذي أوجد قدرا كبيرا من التآلف بين مكوناته الثقافية المختلفة، والهوية الخاصة والجمعية، لكنه فشل في المقابل فشلا ذريعا في بناء الدولة الحديثة، على الرغم من امتلاك الجزائر لطاقات هائلة، سواء كانت بشرية أو طبيعية.
إن النظام السياسي السائد منذ استرجاع السيادة الوطنية العام اثنين وستين وتسعمئة وألف، تميز بالسلطوية المعادية للإنسان، ما أدى إلى نشوء صراعات وأزمات داخلية بسبب غياب الديمقراطية وإقرار التنوع بمختلف أبعاده.
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ساهمت هذه التسمية في إغراق الجزائر باسم الديمقراطية والشعبية التي هي في حقيقة الأمر دعوة إلى الشعبوية والدغمائية، الديمقراطية سلوك وتحول قبل أن تكون ذريعة للاستبداد. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستمر لعبة الدال بهذا الشكل بين حاجة الشعب وطلبه ورغبته؛ كما لا يمكن أن يتواصل غرق الجزائر تحت ذريعة الشرعية الثورية المستلبة للسلطة، التي هي بالأساس دعوة للعنف. إن تطوير البلد يجب أن يتجاوز الأنوية المفرطة والاتكالية المفلسة، إنه من غير المعقول أن يتواصل إنتاج القانون وفقا لرغبة الأب (الرئيسُ، الأبُ والمجاهد)، بل الواجب أن يكون القانون متواصلا ورغبة الشعب عبر علاقة دياليتيكية.
عن أي دولة يتحدث صناع القرار في الجزائر، وفضائح انتشار الفساد وغياب القانون يشوهان البيئة الاقتصادية والاجتماعية، ويسوقان صورة البلد المفلس المتردد بين أمل ضائع وغد مُدلهم. الدولة مُيعت بسبب استمرار الغموض وسياسة التدمير الذاتي لكل القيم المجتمعية وأسباب النهضة؛ من الصعب اليوم الانخراط في مسار إصلاحات من دون فتح نقاش عميق، صريح وشفاف حول شكل الدولة التي نريد في المستقبل: هل هي ذات الدولة المتخلفة التي نعيش في كنفها؟ أم دولة حديثة قادرة على الانتقال بحال الجزائر إلى ما هو أفضل في رحاب الألفية الثالثة؟ أم نريدها دولة دينية كي تكتب لنا الجنة؟
أمرٌ آخر ذو أهمية كبيرة هو ذلك المتعلق بضرورة الخروج من دائرة المغلوبين الخاضعين، المولعين بتقليد الغالبين إلى دائرة الدولة ذات السيادة، المعتزة بهويتها الوطنية. الوطن القوي يجب أن يتمتع صناع القرار فيه باستقلالية وكبرياء لا تسمح لهم بالتداوي في مستشفى فال دوغراس العسكري الفرنسي، انتقالا من مستشفى عين النعجة العسكري الجزائري، بدعوى الصداقة بين رئيس الجزائر المستقلة ودولة فرنسا! أعتقد أن تاريخا بين الشعبين يجب أن يأخذ مجراه الطبيعي قبل أي خطوة للتعاون، وذلك بالاعتذار الرسمي أولا من الجانب الفرنسي للشعب الجزائري، مع دفع التعويضات المادية اللازمة في هذا الإطار، ومن بعد ذلك الحديث عن الصداقة بين الشعبين على أساس الاحترام المتبادل، فالعلاقات بين الدول يجب أن تتسم بالندية والاحترام قبل كل شيء.
إن الواقع السياسي الجزائري يتطلب حكمة وبعد نظر لتجنيب البلد حالة العنف والفوضى، هناك فرصة حقيقية أمام الجزائريين يجب أن تستغل كما يجب، ما يزال صناع القرار يواصلون مغامرتهم الفاشلة في إنقاذ السفينة والخروج بها إلى بر الأمان، وهنا يتوجب عليهم أن يفهموا أن كثرة التجريب سوء، يكفي حل واحد ونتيجة مذهلة.. إن التحديات متعددة وأولى النجاحات لن تتأتى من دون تسليم من هم في السلطة بالفشل، ثاني الخطوات هو ترتيب صناع القرار لتسليم هادئ للسلطة وفق أجندة واضحة ودقيقة، ثالث الخطوات على طريق الخروج من أزمة الدولة التي ألمت بنا دعوة كل أبناء البلد لحوار جاد حول ملفات المستقبل ورهاناته، ورسم حدود القدرة في مواجهة التحديات في إطار السياق العالمي الجديد.
أحمد بلقمري ـ كاتب صحافي ـ الجزائر
http://belgoumri-ahmed.blogspot.com/

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية