هل سمعتم يوما بتجربة «الكون 25»؟
رغم أنها واحدة من أكثر التجارب المرعبة في تاريخ العلم، إلا أنها تتجلى واقعا فعليا مسكوتا عنه في المجتمعات العربية، من قمة الهرم السياسي الى أخمصه الاجتماعي والشعبي.
القصة تبدأ حينما قام عالم السلوك الحيواني جون بي كالهون، عبر سلسلة تجارب عن السلوك السكاني، أجريت على الجرذان البنية بين عامي 1958 و1962 وتستنتج التجربة انهيارا في السلوك يقود الى انهيار كامل لاحقا في كل المجتمعات الشبيهة.
وقد استُخدم عمل كالهون كنموذج حيواني للانهيار المجتمعي، وأصبحت دراسته حجر أساس لعلم الاجتماع الحضري وعلم النفس الحديث.
فقد قام الرجل ببناء ما يسمى بـ»جنة الفئران»، وهي مساحة من الأرض مصممة خصيصًا، حيث تحتوي القوارض على وفرة من الطعام والماء، فضلاً عن مساحة معيشة كبيرة.
في البداية، وضع أربعة أزواج من الفئران، التي بدأت في التكاثر في وقت قصير، مما تسبب في نمو سكانها بسرعة ومع ذلك، بعد 315 يومًا، بدأ تكاثرها في الانخفاض بشكل ملحوظ؟!
عندما وصل عدد القوارض إلى 600، تشكل في ما بينها تسلسل هرمي، ثم ظهر ما يسمى بـ «البؤساء»، بدأت القوارض الأكبر حجمًا في مهاجمة المجموعة، مما أدى إلى «الانهيار» النفسي للعديد من الذكور، ونتيجة لذلك، قامت الإناث بحماية أنفسهن، وأصبحن بدورهن عدوانيات تجاه صغارهن.
مع مرور الوقت، أظهرت الإناث سلوكيات عدوانية بشكل متزايد وعناصر العزلة وانعدام الروح الإنجابية، وصار هناك معدل ولادة منخفض، وفي الوقت نفسه، زيادة في معدل وفيات القوارض الأصغر سنا، ثم ظهرت فئة جديدة من ذكور القوارض، تسمى «الفئران الجميلة»، التي رفضت التزاوج مع الإناث أو «القتال» من أجل مساحتها، وكل ما كانت تهتم به هو الأكل والنوم.
في وقت من الأوقات، كان «الذكور الجميلة» و»الإناث المعزولات» يشكلون غالبية السكان، وكل ما كانوا يهتمون به هو الطعام والنوم. وفي وقت من الأوقات، كان «الذكور الجميلة» و»الإناث المعزولة» يشكلون غالبية السكان، ولوحظ الشذوذ الجنسي بين الفئران المهددة بالانقراض. مع مرور الوقت بعد عامين من بدء التجربة، ولد آخر فأر في المستعمرة.
وبحلول عام 1973، قتل آخر فأر في «الكون 25».
كرر كالهون التجربة نفسها 25 مرة أخرى، وفي كل مرة كانت النتيجة هي نفسها! ويرى أن الموت يتكون من مرحلتين: «الموت الأول» و»الموت الثاني»، وقد اتصف الموت الأول بفقدان الهدف في الحياة بعد مجرد الوجود – لا رغبة في التزاوج، ولا تربية الشباب، ولا إنشاء دور داخل المجتمع.
وقد تم استخدام عمل كالهون العلمي كنموذج لتفسير الانهيار الاجتماعي.
الآن لو أسقطنا هذه التجارب نظريا على ما يحدث في الدول العربية كافة، ألا نجد أن بعض الدول العربية ذهبت بعيدا في منحدرات هذه التجربة، سواء أدركت ذلك أم لا، والبعض الآخر أخذ بتقفيها، ظنا منه بأنه يعيش في جنته المنعزلة، وهذا ينطبق على الشق الخليجي من المجتمعات العربية!
وكذلك نرى أن سلوك مستعمرة الفئران يطبق بشكل آخر على سلوك مجتمعاتنا والأفراد، بدءا من سلوك الاستحواذ للأشخاص أصحاب النفوذ القوي يهاجمون المجتمع بطرق عدة، ويشكلون ضغطا نفسيا عليهم عبر تجويعهم، كي يفروا من أوطانهم ومجتمعاتهم، مثل سوريا ومصر والسودان واليمن وليبيا والجزائر والمغرب والأردن وتونس، وغيرها، ما يؤدي بشكل تدريجي الى انهيار المجتمع والدول.
فالدراسات تكشف أن هناك عزوفا عن الزواج في كل البلاد العربية وارتفاعا مخيفا في حالات الطلاق، الذكور لا يبحثون عن أي مشاركة في المجتمع وعيونهم على الهرب خارج البلاد بشتى السبل، والإناث يبحثن عن فرص للاستقلالية وسلوكيات محرمه مجتمعيا.
وما قادت إليه تجربة «الكون 25» ينطبق الآن على التحديات، مثل نقص الموارد والغذاء والافتراس والأمراض ومسببات الهجرة، وزيادة الخوف، والأفراد الذين يفشلون في الحصول على حق البقاء في الموطن، الذي ولدوا فيه يضطرون إلى النزوح إلى أماكن بعيدة، وبالتالي يصبحون عرضة أكثر للهجرة النهائية الدائمة.
وتأتي فظائع الحرب على الفلسطينيين ولبنان، والتي تتجاوز في بشاعتها وفنائها ما حصل في الحرب العالمية الثانية، وترى أن المجتمعات العربية عاجزة عن رفض أي شيء، أو حتى أضعف الإيمان التظاهر، ولو بشكل سلبي، ما يدل على موات أخلاقي وديني ومجتمعي وحضاري، لا يمكن حتى لعلم الاجتماع تفسيره!
صدر الطالبة الإيرانية
بعد أن أغمضت عيونها عن اجرام إسرائيل في غزة والضفة ولبنان واستشهاد أكثر من 45 ألف مدني في غزة لوحدها، وآلاف اللبنانيين، ومصرع الأطفال والأبرياء دون أي ذنب، وتكتمت على جرائم موثقة دوليا وحقوقيا وإنسانيا وفي مختلف دول أوروبا، ها هي شبكات أوروبا الإخبارية وصحفها ومجلاتها ومواقعها الإلكترونية والقنوات الفضائية الغربية والأمريكية قاطبة تستيقظ على حدث جلل يقلب التاريخ والجغرافيا والاجتماع، ما هو؟ إنه صدر الطالبة الإيرانية، التي تجردت من ملابسها باستثناء الداخلية، خارج جامعتها في إيران، بعد تعرضها لمضايقات، من قبل أعضاء من الباسيج، قيل إنهم نزعوا حجابها ومزقوا ملابسها، وهذه القوة هي مجموعة شبه عسكرية تطوعية إيرانية، داخل حرم الجامعة.
وكما نعلم يمكن أن تتعرض النساء الإيرانيات لعقوبة قاسية، حتى في حالة المخالفات البسيطة.
ولم ينته هذا الإعلام من تناقل أنباء وفاة مهسا أميني، التي توفيت في حجز شرطة الأخلاق بعد اعتقالها بزعم عدم ارتداء الحجاب بشكل ملائم.
تعامل هذه القوة مع هذه الظواهر المنفردة لا شك أنه أمر منبوذ وغير مبرر وغير حضاري. لكن هل تعامل هذه الإعلام مع ما يجري في غزة ولبنان وسوريا أمر أخلاقي وحضاري، يستدعي من الاعلام الغربي هذا الاستنفار الكاذب لقضية أصغر من أن تكون حتى صغيرة؟!
«بي بي سي» تخطئ لكنها تصوب خطأها
لا توجد مؤسسة إعلامية لا تخطئ، لكن من المهنية والمنطق أن تصوب نفسها حينما تخطئ وتعترف بما اقترفته. ونقصد هنا هيئة الإذاعة البريطانية العريقة «بي بي سي»، التي اتهم أكثر من 100 موظف فيها القناة بتقديم تغطية منحازة لإسرائيل، داعين إلى «إعادة الالتزام بالعدالة والدقة والحيادية» في تقاريرها حول غزة.
وفي رسالة موجهة إلى المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية، تيم دافي، وقعها أكثر من 230 عضوا في صناعة الإعلام، بما في ذلك 101 موظف مجهول يعمل في الهيئة، انتقدت المؤسسة لفشلها في الالتزام بمعايير التحرير الصحافي القائم على الأدلة بشكل عادل ودقيق بشكل مستمر في تغطيتها لحرب غزة.
هل هي صحوة ضمائر؟ نرجو ذلك.
٭كاتب من أسرة «القدس العربي»