الجيش السوداني بين دوائر الانقلابات وانسداد الآفاق

حجم الخط
7

في 11 نيسان/ أبريل 2019، تمكنت انتفاضة الشعب السوداني من إجبار الجيش على تنحية عمر البشير والتوافق مع المكونات المدنية على إطلاق مرحلة انتقالية تشهد تقاسم السلطة بين الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاقية سلام، تنتهي إلى إجراء انتخابات مطلع 2024. ومنذئذ وحتى الساعة لا يكاد شعب السودان يطوي أزمة أو صراعاً عنيفاً أو انقلاباً أو تعليقاً للمواثيق، حتى تعصف به كوارث طبيعية أو يندلع قتال عنيف بين بعض قبائله يسفر عن مئات القتلى وآلاف النازحين ومظاهر خراب ودمار.
وأمّا السبب الأكبر وراء استمرار مشكلات البلاد وما يترافق معها من انسداد الحلول وإضافة المزيد من التعقيدات، فإنه تعنت الجيش وعدم الوفاء بتعهداته لجهة إعادة الحكم إلى ائتلافات مدنية متفق عليها تتولى المضي تدريجياً في تلبية الاستحقاقات الدستورية، وتمسك جنرالات السودان بالسلطة أياً كانت الأثمان التي يدفعها شعب السودان من دمائه وخبزه ودوائه وخدمات الحد الأدنى واستفحال الغلاء وهبوط العملة الوطنية.
وقد تقلب الجيش من عقد اتفاق مع رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، إلى التنصل منه بعد أشهر قليلة عبر انقلاب تضمن تعليق عدد من مواد الوثيقة الدستورية التي تنظم العلاقة بين الجيش والمدنيين، وترسيخ فراغ دستوري وحكومي بسبب العجز عن تشكيل حكومة جديدة، واشتعال الشارع الشعبي بمظاهرات احتجاج ضد تسلط العسكر. وزاد في تدهور هذا المشهد المحفوف أصلاً بالمخاطر أن السلطات أفرجت عن متهمين بجرائم قتل المتظاهرين منذ انطلاق الانتفاضة أواخر العام 2018، وكان بينهم عدد ممن سبق للقضاء أن أصدر بحقهم أحكاماً بعضها يبلغ الإعدام.
وقبل أشهر قليلة عانى السودان من سلسلة فيضانات وسيول كارثية أصابت 16 ولاية من أصل 18، أودت بحياة عشرات المواطنين، وتسببت في انهيار آلاف المساكن وتخريب مساحات واسعة من الحقول والمزارع. وفي هذه الأيام تتسع دوائر العنف الأهلي والصراعات القبلية في إقليم النيل الأزرق جنوبي السودان، فيسقط مئات القتلى وينزح عشرات الآلاف وتتعطل الحياة نتيجة إعلان حالة الطوارئ. كلّ هذا والسلطات العسكرية منشغلة بالمناورات الداخلية وعمليات الالتفاف حول حلول تقترحها جهات محلية سودانية، وأخرى دولية على رأسها دول الترويكا واللجنة الرباعية الدولية والآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية.
وجدير بالسلطات العسكرية في السودان أن تحتكم سريعاً إلى العقل وتتبصر في مخاطر استمرار هذا النهج من التعطيل والتعليق وإدامة الاستعصاء، وثمة أمامها الكثير من المبادرات البناءة التي طُرحت في السابق وما تزال صلاحيتها قائمة اليوم أيضاً، لعل أبرزها مقترحات الحل الذي طرحته اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين في صيغة «مشروع الدستور الانتقالي للعام 2022». وهذه تشمل إصلاحات عسكرية وأمنية تعيد الجيش إلى الثكنات وتبعده عن السياسة والتدخل في الاقتصاد والمجتمع، كما تتكفل بإرساء العلاقة بين السلطات العسكرية والمدنية على أسس سليمة ودستورية.
وسوى ذلك فإن الجيش سوف ينخرط أكثر فأكثر في الانقلابات، وانسداد الآفاق، ومضاعفة المآزق والأخطار.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكردي اسكندنافيا:

    (وجدير بالسلطات العسكرية في السودان أن تحتكم سريعاً إلى العقل وتتبصر في مخاطر استمرار هذا النهج من التعطيل والتعليق وإدامة الاستعصاء…) إ ھ ,

    قال الرجل الحكيم إينشتاين يوما : ” من العبث أن تعيد تجربة بنفس الطريقة ثم تنتظر الحصول على نتائج مختلفة!!”. لقد راهن الشعب السوداني على وطنية قادة عسكريين مرة وعلى حسن النوايا مرة أخرى ولم تفلح لا هاته ولا تلك. أعتقد أن الصواب والأسلم هو طلب مرافقة جهات محايدة كالأمم المتحدة أو الإتحاد الأوروبي لعملية تسليم السلطة لهيئات مدنية منتخبة (مؤسسة رئاسة ومجلس الشعب) بعد تنظيم انتخابات حرة ونزيهة هو المخرج الوحيد لأزمة تلاعب بعض القادة بثقة وحلم الشعب السوداني.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب (1934 – 9 صفر 1440 هـ / 18 أكتوبر 2018)، خامس رئيس للجمهورية السودانية منذ عام 1985، عندما تسلّم السلطة أثناء انتفاضة أبريل 1985 بصفته أعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات، وحتى تسليمه السلطة عام 1986. ولد في مدينة الأبيض بالسودان عام 1934.

    تقلد رئاسة المجلس الانتقالي إلى حين قيام حكومة منتخبة، وارتقى لرتبة المشير.
    سلم سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس وزرائها / الصادق المهدي – ورئيس مجلس سيادتها / أحمد الميرغني، وبعدها اعتزل العمل السياسي ليتفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية من خلال منظمة الدعوة الإسلامية كأمين عام لمجلس الأمناء.
    – ويكيبيديا –

  3. يقول د.احمد الجلي:

    انني من قراء القدس العربي، والمتابعين والمعجبين بالمقالات الواردة تحت رأي القدس،لما لمست فيها من موضوعية في التناول وصدق في الوقائع التي تذكرها،وحيادية في العرض ،ولكني اجد نفسي مختلفا معها فيما عرضه رأي القدس تحت عنوان: الجيش السوداني بين دوائر الانقلابات وانسداد الآفاق. وهناك النقاط التالية التي احاول ان الفت اليها النظر:
    اولا:ورد في المقال ان الثورة احبرت الجيش على التووافق مع المكونات المدنية على المرحلة الانتقالية وتقاسم السلطة بين الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاقية سلام،, وقد اشار المقال الى ان الثورة اجبرت الجيش على التوافق مع المكونات المدنية على إطلاق مرحلة انتقالية تشهد تقاسم السلطة بين الجيش وقوى مدنية ، وحقيقة لم يكن التوافق بين الجيش والمكونات المدنية بل بين اللحنة الامنية لنظام البشير،وبين ما عرفوا بقوى الحرية والتغيير، وان الحركات المسلحة التي وقعت اتفاق جوبا لم تدخل في تلك المرحلة المبكرة ،بل ان الاتفاق المشار اليه ،وقع في 3 اكتوبر 2020 م.

  4. يقول سامح //الأردن:

    *للأسف ( السودان) سلة العالم العربي
    أصبح يتسول ويتوسل الآخرين من أجل
    توفير لقمة العيش..؟؟؟!!!
    كل هذا بسبب تغول العسكر وقادته
    الجهلة الجشعين الفاسدين.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.

  5. يقول احمد - مصر:

    هل سيظهر قريبا رجلا عاقلا من رجالات الجيش كما الراحل ..الفريق عبد الرحمن سوار الذهب مجددا ؟؟

    الحاجة ملحة جدا فى السودان كما فى مصر لأن الأوضاع فى البلدين متشابهة .. وربما الأمور تدفع الناس بسبب الفقر .. إما بالعصيان المدنى ، وإما بالإطاحة بالعسكر وحكمهم الفاشل البغيض فى البلدين !

  6. يقول د.احمد الجلي:

    بقية التعليق:
    ثانياً : السبب الأكبر في مشكلات البلاد،يعود كما ورد في المقال الى تعنت الجيش،وتمسكه بالسلطة، وعدم الوفاء بتعهده بارجاع الحكم إلى المدنيين ،. واحسب ان السبب الرئيس في استمرار مشكلات البلاد، بالاضافة الى موقف الجيش المعيب ،وغير المبرر ،الى مسلك قوى الحرية والتغيير( قحت)،في ادارتها للفترة الانتقالية، اذ لم تقدم خلال الفترة الانتقالية اي برنامج ،لحكم البلاد بل كان اهتمامهم ،موجه الى الصراع حول كراسي الحكم والنفوذ،والى تنفيذ اجندة ايدولوجية،واثارة قضايا خلافية ليست من صلاحيات الفترة الانتقالية، وانفقت جهوداً كبيرة في تغيير المناهج التعليمية،وتحديد هوية الدولة، واثارة بعض القضايا الخلافية حول حقوق المرأة ،الى غير ذلك من القضايا التي تمس قيم المجتمع السوداني وهويته،والتي لا يمكن حسمها من خلال الفترة الانتقالية، لا سيما في غياب هيئة تشريعية، واجهزة عدلية تعالج المسائل الدستورية.بينما اهملت القضايا المرتبطة بمعاش الناس وتهم حياتهم،وفي نفس الوقت لم يبدأ حتى النظر في القضايا المرتبطة بالعدالة والحريات والسلام.
    يتبع

  7. يقول د.احمد الجلي:

    ثالثاً: دعا المقال في نهايته الى تحكيم العقل ووتوجيه السلطات الى النظر في المبادرات البناءة المطروحة لحل المشكل السوداني ،ومن ابرز تلك المبادرات،كما يقول- مقترحات الحل الذي طرحته اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين في صيغة «مشروع الدستور الانتقالي للعام 2022».ومع احترامي لرأي الكاتب فإنه اشاد باكثر المبادارت اثارة للجدل والاختلاف ،فنقابة المحامين نقابة تسييرية لها مهام محددة تتعلق جميعها بالمحامين بينما المقنرح مشروع سياسي ،وتبين – -ان الدستور المزعوم اعدته لجنة امريكية معروفة، باعتراف احد اعضائها ،وهي على كل مبادرة اسوأ من الوثيقة الدستورية، التي جعلت الهيئات التشريعية هي التي تعين الاجهزة العدلية ،بينما اوكلت، وثيقة المحامين، تعيين رئيس القضاء والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية واعضاءها والمراجع العام، للقوى الموقعة على الاعلان السياسي.!!!

إشترك في قائمتنا البريدية