الجيش العراقي قرن من روعة الانتصارات ومواجهة التحديات

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: احتفل العراقيون في السادس من كانون الثاني/يناير الحالي بمناسبة عزيزة على قلوبهم، هي الذكرى المئة لتأسيس الجيش العراقي الباسل، الذي لعب دورا مؤثرا في تاريخ العراق الحديث، وما زال المؤهل الأفضل لمواجهة التحديات والمخاطر المحيطة بالوطن.
ورغم أجواء اليأس والقنوط وسيل الأزمات التي تخيم على البلاد، شهدت ساحة الاحتفالات وسط المنطقة الخضراء، استعراضا عسكريا هو الأكبر منذ الاحتلال الأمريكي للبلد عام 2003 شاركت فيه وحدات من مختلف صنوف الجيش مع عرض لأنواع مختلفة من الأسلحة والطائرات، وحضره المسؤولون في الحكومة والسفراء الأجانب.
رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قال في كلمة بالمناسبة، “نقف باعتزاز وفخر لتحية جيش العراق العظيم، ونحيي بطولاتهم وتضحياتهم في الدفاع عن أرض العراق وحماية كرامته” مؤكداً أنه “لا تنهض أمة بجيش مطعون وجريح يتم التآمر عليه وزجه في الأخطاء السياسية” ومشددا أنه “على عاتقنا واجب تأريخي مبارك بوضع جيشنا في الموقع الذي يستحقه” في إشارة إلى المؤامرات التي يتعرض لها الجيش، لتشويه سجله الحافل بالمآثر الخالدة والبطولات والانجازات في معارك حماية العراق والعروبة من مختلف المؤامرات والاعتداءات.
ومنذ تأسيس الجيش العراقي عام 1921 بفوج واحد، تطور كثيرا حتى أصبح خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980 -1988) رابع أقوى جيوش العالم، عندما تجاوز تعداده المليون مقاتل، وضم 7 فيالق وآلاف الطائرات والمدرعات الحديثة، فضلاً عن قوة بحرية وجوية وصاروخية جبارة تمكنت من خوض الحرب الطويلة مع إيران التي تكبر العراق بثلاث مرات في المساحة والنفوس، حتى إجبارها على قبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم (598) الذي أنهى تلك الحرب.
والحقيقة ان تاريخ الجيش العراقي حافل بالانتصارات المشهودة ليس في الإطار المحلي في الحفاظ على استقلال البلد ووحدته وأمنه، من الاعتداءات الخارجية والتمردات الداخلية المدفوعة خارجيا فحسب، بل وامتدت انجازاته عربيا، عندما جعل فلسطين قضيته الأولى وشارك بفعالية في كل المعارك العربية ضد إسرائيل، وترك شهداء عراقيين في مقابر فلسطين وسوريا والاردن ومصر.
إلا ان الجيش وبحكم ظروف العراق، واجه أيضا تحديات داخلية خطيرة، ومنها خوضه حروبا داخلية كما في التمرد الكردي الذي قاده مصطفى بارزاني في جبال شمال العراق في الأعوام 1961 و1970 و1974 و 1975 والذي سقط فيه نحو 50 ألف قتيل وانتهى بمنح بغداد الحكم الذاتي لكردستان. كما ساهمت القوات الأمنية في قمع تمرد المعارضة المسلحة جنوب العراق وشماله المدعومة، التي استغلت حرب التحالف الدولي لإخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991 في محاولة لإسقاط النظام.
ثم جاءت مغامرة زج الجيش العراقي في احتلال الكويت عام 1990 وما نتج عنها من تنفيذ الولايات المتحدة وبريطانيا، طوال ثلاثة عشر عاما، حصارا ظالما على العراق لتدمير قدراته.
إلا ان أكبر انتكاسة للجيش العراقي، وقعت بعد الاحتلال الأمريكي عبر القرار الذي اتخذه الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر بحل الجيش، ليقدم أعظم مكافأة ليس لأعداء العراق مثل إيران وإسرائيل وبعض الحكام العرب، الذين أغاظهم خروج الجيش العراقي منتصرا من حربه مع إيران، وانما لقوى المعارضة الشيعية والكردية، التي أكد بريمر في مذكراته انهم اشترطوا لتعاونهم مع قوات الاحتلال، حل الجيش العراقي، وهو ما حصل فعلا. إلا ان واشنطن أدركت لاحقا خطأ قرارها بحل الجيش الذي خلق فراغا أمنيا في العراق استغلته الميليشيات الشيعية والمنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وحزب العمال التركي وغيرها، ولذا فقد سارعت قوات الاحتلال إلى إعادة تشكيل الجيش من جديد، وتزويده بأسلحة حديثة، كما انها اضطرت إلى إعادة الضباط الصغار والمقاتلين في الجيش السابق الذين يتمتعون بخبرات وتجارب قتالية متنوعة، لمواجهة التحديات الأمنية.
أما في مرحلة ما بعد تنظيم “داعش” فإن أخطر التحديات التي تواجه الجيش العراقي هي تغول الفصائل المسلحة الولائية، الأداة الفعالة للدولة العميقة في العراق، التي تنامت قدراتها بدعم قوى سياسية متنفذة محلية وإقليمية، وأصبحت تتحدى الدولة في مسعى لتكرار النموذج اللبناني.
ويدرك أغلب العراقيين ان وقوف الجيش العراقي وباقي القوات المسلحة، عاجزين أمام تجاوزات الميليشيات على الدولة وانتشار السلاح المنفلت والجريمة المنظمة، ليس بسبب الضعف وعدم القدرة، ولكن بسبب قيود احزاب السلطة التي تكبلها وتمنعها من الردع والمواجهة.
وقد نفذت أحزاب السلطة برنامجا لتشويه مكانة الجيش العراقي وإضعافه عبر حملات التشكيك وتسليم قيادة القوات المسلحة إلى عناصر الميليشيات وإبعاد كافة القيادات العسكرية ذات التاريخ الوطني المشرف والخبرة الفريدة، تحت مبرر الانتماء لحزب البعث، إضافة إلى حملة منظمة من الاغتيالات والتصفيات والتهجير لآلاف من كبار الضباط والطيارين، لمجرد انهم حاربوا إيران.
وكانت فضيحة تسليم الموصل إلى تنظيم “داعش” خلال فترة حكومة نوري المالكي، بأوامر للجيش بالانسحاب وترك معدات عسكرية هائلة وأموال في بنوك الموصل استغلها “داعش” مثالا على محاولات تخريب سمعة الجيش وتدمير معنوياته. وقد تم التكتم على نتائج لجنة التحقيق في سقوط الموصل بضغوط قوى سياسية شيعية متنفذة، إلا ان نوابا شاركوا في التحقيق وضباط كبار كانوا في الموصل وقتها، كشفوا مسؤولية حكومة المالكي عن تلك الانتكاسة الأمنية.
والمؤكد ان إضعاف الجيش العراقي بالتدخلات السياسية مقابل تغول الميليشيات الولائية، هو المخطط الأبرز في عراق ما بعد 2003 بهدف إبقاء البلد ضعيفا وخاضعا لثالوث الفساد والفشل والتبعية، وليكون سلة بيض الذهب لمافيات الفساد وبلدان مجاورة طامعة بخيرات العراق، إلا ان الجيش العراقي رغم بعض المآخذ، لا يزال يحظى بثقة الشعب، ويبقى سور الوطن وأمله في أمن واستقرار البلد ووحدته.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية