إذا استثنينا المواقف السياسية والإعلامية الإسرائيلية والسعودية المؤيدة للانقلاب العسكري الإرهابي، والداعمة لأسلوبه الأمني الدموي أثناء فض المعتصمين السلميين، المطالبين بإعادة الشرعية الديمقراطية، فإننا نجد في المقابل مواقف إنسانية خالدة صدرت ‘عن مسؤولين غربيين رفيعي المستوى، فضلوا الإعلان الصريح عن الرفض المطلق لسفك دماء مواطنــين أبرياء. ولئن كنا انتظرنا من الجهاز العسكري والأمني المصريين هذا المسلك القمعي للشعب، فإنــنا لم نكن نـتـصـــور أن الأمر سيصل إلى هذه الدرجة من الحقد والكراهية والتنكيل بالمعارضين. والآن وبعد أن نفذ الانقلابيون هذه المجزرة غير المسبوقة في تاريخ الأمم، تبن للعالم كذب الماكينة الإعلامية المحسوبة على نظام مبارك، والتي استمرت أكثر من سنتين لشيطنة المكون الإسلامي المعتدل (الإخوان المسلمون)، وتشويه صورتهم، عبر فبركة الأحداث والدعاية بالغة السواد، وبدا للعالم أن المعتصمين كانوا فعلا مجهزين بأقوى الأسلحة، لكنها أسلحة الإيمان بالقضية التي خرجوا من أجلها: الدفاع الأسطوري عن إرادة الشعب والاختيار الديمقراطي، هذا الاختيار الذي يقض مضجع أغلب ‘الزعماء’العرب الذين اتخذوا من عدائهم للديمقراطية والقيم الإنسانية الكونية هدفا استراتيجيا لهم! إن الإرهاب الوحشي الصادر عن المسؤولين العسكريين والأمنيين لا يترجم إلا حقيقة واحدة، الرغبة المميتة في القضاء على الآخر وإقصائه، وإسكات الصوت المخالف.. إنها الديكتاتورية العسكرية بأجلى صورها ومعالمها الفاشية. هل سيقبل ‘العالم الحر’ هذا الاغتصاب السياسي غير المسبوق: سرقة الديمقراطية بالصوت والصورة عالية الجودة و(على الهواء مباشرة )؟ في رأي كاتب هذه الأسطر، سيستمر التنديد بالمذبحة من قبل فعاليات وازمة في المنتظم الدولي، والإيحاء بإمكانية محاكمة الانقلابيين.. بخلاف المسؤولين الحكوميين الدوليين، فهم سيبحثون عن مخارج للاعتراف بـ’الأمر الواقع’، ما دام الانقلاب مطلبا إسرائيليا وسعوديا! ويضمن المصالح ‘الحيوية’ للدول الديمقراطية ‘جدا’. لقد أضحى العرب مدركين أكثر من أي وقت مضى أنهم لن ينعموا بالديمقراطية كنظام للحكم السياسي الرشيد، الذي قد يجعلهم قوة إستراتيجية عظمى في منطقة جيو- سياسية محرقية، كما أنه بالديمقراطية وحدها يمكن رد الاعتبار للذات العربية الجريحة. وما الحل؟ تأسيسا على ما سبق لا يمكن الاعتماد على المساندة الغربية على الرغم من أهميتها، ولا يمكن انتظار أي خير ممن يجيء على ظهر دبابة، يسفك الدماء وينشر الموت الزؤام ويغرق الوطن في الحرب الأهلية.. الحل الأوحد يكمن في الاعتماد على النفس، بالاستمرار في الاعتصامات والمسيرات من دون كلل، والمطالبة الدائمة والمستمرة بعودة الشرعية الديمقراطية، والإنصات إلى خطاب العقل والمصلحة العليا للوطن. إن الانقلاب العسكري المصري جاء لخدمة المصالح الأجنبية الخارجية؛ الإسرائيلية والسعودية، فلا بد مما ليس منه بد، لا بد من الانقلاب على الانقلاب، خاصة وان في المؤسسة العسكرية المصرية رجالا شرفاء وطنيين قادرين على إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي، فالجيش في كل البلدان وجد للدفاع عن الوطن والوقوف في وجه العدو الخارجي، وحماية المؤسسات الديمقراطية.. ولم يوجد إطلاقا من أجل السطو على المكتسبات الديمقراطية والتنكيل بالمواطنين الشرفاء والإجهاز عليهم بدم بارد؛ بارد جدا! (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). الأنفال / 30 .