في مقابل الدعم الذي يمنحه الرأي العام الآن للمالية لأول مرة منذ سنوات، في مسألة تقليص ميزانية الدفاع، دخل الجيش في وضعه الدفاعي الدائم. إن جهاز الامن يشبه شيئا ما منتخب اسرائيل في كرة القدم قُبيل مباراة مهمة يدرك أنه يوشك ان يخسرها. وينحصر الجهد في مضاءلة الفرق، وفي عمق التقليص في هذه الحالة. إن ما يقوله الجيش الآن للمجلس الوزاري المصغر، وقد يكون ذلك بلغة غامضة كثيرا شيئا ما، هو: قللوا من التهديد لا من التدريبات. عرض وزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس هيئة الاركان بني غانتس وكبار قادة الجيش الاسرائيلي أمس على المجلس الوزاري المصغر صورة التهديدات الامنية التي سيضطر الجيش الى مواجهتها في السنين القريبة. وستستمع الحكومة ايضا الى استعراض مشابه اليوم. لكن ما يتضمنه ذلك الكلام لا يُقال على الملأ بصراحة وهو أن أحد الاسباب الرئيسية لخشية الجيش من التقليص هو ان الجيش الاسرائيلي يحتاج الآن الى أن يوزع نفسه ليواجه الكثير جدا من السيناريوهات الامنية. فلو أنه تحدد ترتيب أولويات صريح، ولو أن المستوى السياسي خاطر بقرار يُبين أي التهديدات الامنية يمكن الاكتفاء برد ضيق جدا عليها عن افتراض ان احتمال ان تتحقق أقل، لأمكن التوفير في الميزانية بسهولة أكبر. لكن الجيش الاسرائيلي يشير الى ذلك اشارة خفية فقط ـ ومن المؤكد ان كبار قادته لا يتطرقون مباشرة الى ما يعرفونه جيدا: وهو ان النفقة المفرطة في السنوات الاخيرة على الاستعداد لسيناريوهات بعيدة الأمد يبدو ان احتمال تحققها غير كبير جدا هو أحد اسباب الفجوة الحالية في الميزانية العامة. وفيما يتعلق بالذرة الايرانية، تصرفت حكومة نتنياهو السابقة بصورة تشبه تناولها لقضية العجز المالي الذي يفضي الآن الى طلب قيام مراقب الدولة بالفحص عن القضية. فقد كانت السماء هي الحد. قُدرت النفقة الخاصة على الاستعداد لايران في السنتين السابقتين بنحو من 11 مليار شيكل. وتحدث رئيس الوزراء في تلك السنوات بصوتين. فقد اقتطع في المباحثات من ميزانية الدفاع. ووافق في أحاديث الأروقة على زيادات خاصة للجيش الاسرائيلي بحث من وزير الدفاع ايهود باراك. وبذلك حصل سلاح البحرية على هدية على صورة غواصة سادسة (ستُتم المانيا صنعها له بعد بضع سنوات فقط)، من غير ان تقتنع هيئة الاركان العامة ألبتة بالحاجة الى ذلك. اذا كانت اسرائيل تخطط لحرب طويلة الأمد لايران فقد تكون ست غواصات في مضيق هرمز غير كافية. لكن أهذا هو القصد حقا؟ بُشرنا في الشهر الماضي ايضا بسخاء الولايات المتحدة التي ستمنح سلاح الجو الاسرائيلي وحدة طيران مُشكلة من الطائرة ـ المروحية ‘في22’ وهي لعبة باهظة الثمن ليس من المؤكد ألبتة أنها كانت في رأس ترتيب أولويات هيئة القيادة العامة. يوجد قدر من الصدق في زعم ان استعدادات اسرائيل العسكرية الظاهرة للهجوم على ايران حثت ادارة اوباما على عرض نهج متشدد في المسألة الذرية. لكن يُخيل الينا الى الآن أنه حان الوقت لنسأل، فيما يتعلق بالميزانية العامة ايضا، هل هجوم اسرائيل وحدها على ايران هو سيناريو واقعي. إن الفرق بين الاستعداد لهجوم مستقل والاستعداد لهجوم منسق مع الولايات المتحدة يساوي وحده مئات ملايين الشواقل كل سنة. لكن علاج التهديد الايراني هو طفل نتنياهو الصغير ولهذا نشك ان يقولوا هذا الكلام بصوت عال في هيئة القيادة العامة. بدل ذلك ستستمر الحكومة في إملاء توجه رقعة فوق رقعة ويعني الاقتطاع من ميزانية الدفاع في المكان الذي يُستطاع فيه ذلك لا حيث يجب ذلك بالضرورة. وفي هذا الاطار سيعود الجيش الى طاولة التخطيط ويرمي في القمامة ملف استعدادات آخر لخطة متعددة السنوات كما فعل بالضبط في السنتين السابقتين. والتقليص في التدريبات، خلافا لميزانية شراء المعدات البعيدة الأمد، أسهل، لكن المعنى قد يكون كارثة على مقدار استعداد قوات البر والقوات النظامية والاحتياطية. على خلفية المعطيات عن بعض مخصصات التقاعد المبالغ فيها بيقين لناس الخدمة الدائمة، يسهل أن نرى ان الجيش الاسرائيلي جيش سمين. فهو بالفعل جيش ذو نسب شحم لا حاجة اليها في القيادات، وهو ممطوط أكثر مما تدعو اليه الحاجة في الميدان بين كل الجبهات التي يجب عليه ان يعالجها كما يتوقع منه ان يفعل. إن الجيش الاسرائيلي قوي في الجو وقوي في سلاح الاستخبارات. أما في البر فان عددا من وحداته ستتعرض لخطر الفساد مع الوقت. ولهذا السبب خاصة هناك مكان للفحص من جديد عن بنية الفرق العسكرية للجيش الاسرائيلي وعددها وملاءمتها مع السيناريوهات العملياتية والحاجة الى استمرار الابقاء على طائفة من الدبابات القديمة. كان يوجد شيء ما مفاجئ بل يثير التقدير في زعم الوزير نفتالي بينيت أمس أنه ‘حان الوقت ليدخل جهاز الامن ايضا تحت حمالة الجرحى ويشارك في العبء الاقتصادي الملقى على الجمهور’. سيُتهم بينيت بالطبع بالغوغائية وبخطوة منسقة مع شريكه السياسي وزير المالية لبيد، لكن يصعب أن نتذكر متى صدرت في آخر مرة عن سياسي من اليمين أقوال كهذه. عند بينيت تناول أصيل للقضايا الأمنية. والتجربة الشعورية المشكلة للوعي عنده هي حرب لبنان الثانية حيث عمل قائدا لقوة احتياطية من وحدة ‘مغلان’. وقد استنتج في لبنان كما يقول أنه لا يجوز للمستوى السياسي ان يكون ختما مطاطيا لجهاز الامن. ووعد مؤيديه بقوله ‘سأسأل وأُحقق عن فهم ان المسؤولية عن أمن اسرائيل مفوضة إلينا’. اجل إنه كلام كالمهاميز ـ والوزير مدعو الى البدء بتحقيقه في الواقع الآن في مباحثات الميزانية العامة.