الخرطوم- «القدس العربي»: صد الجيش السوداني هجوماً على مقر قيادته العامة، شنته قوات الدعم السريع، في وقت أعلنت الأمم المتحدة ارتفاع عدد ضحايا القتال المحتدم في السودان إلى 9000 قتيل وأكثر من 5000 نازح ولاجئ واحتياج 25 مليوناً إلى المساعدات الإنسانية، بالتزامن مع مضي 6 أشهر على اندلاع الحرب، محذرة من أن القتال أدخل السودان في أحد أسوأ كوابيس الأوضاع الإنسانية في التاريخ الحديث.
«نصف عام من الحرب الكارثية تكفي»
وفي السياق، طالب المجلس المركزي للحرية والتغيير الجيش السوداني وقوات الدعم السريع،
قوى الحرية والتغيير الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالوقف الفوري للحرب المندلعة في البلاد منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
وقال في بيان أمس، مخاطباً الأطراف المتقاتلة في السودان: «نصف عام من الحرب الكارثية تكفي… أوقفوها الآن»، مضيفاً «أنه ما عاد الجدل والإنكار مفيداً لإثبات صلة النظام السابق وحزب المؤتمر الوطني، في إشعالها».
وحذر من تمدد الحرب صوب ولايات جديدة لم تكن جزءاً منها خلال الشهور الستة الماضية بدخولها فعلياً إلى حدود ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض ليصبح عدد الولايات الواقعة في نطاقها عشر ولايات من بينها أكبر ثلاث ولايات من حيث حجم السكان؛ وهي الخرطوم وجنوب دارفور والجزيرة والتي تمثل مجتمعة نحو 40% من إجمالي سكان السودان.
ولفت إلى أن 75% من السودانيين يواجهون تداعيات ومخاطر الحرب المشتعلة في الولايات ذات الكثافة السكانية العالية، مشددة على ضرورة عدم إغفال إمكانية ارتفاع عدد الولايات التي يمكن أن تنتقل إليها الحرب.
وأبدت أسفها سقوط آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين وآلاف الجرحى بعضهم بات ضمن ذوي الإعاقة الدائمة بخلاف الخسائر المادية والاقتصادية في الممتلكات والأموال، مشيرة إلى أن عمليات السلب والنهب لممتلكات المدنيين هو السمة السائدة لهذه الحرب دون وجود تقديرات تظهر حجم تلك الخسائر إلا أن المؤشرات الأولية تظهر تعرض أكثر من 150 ألف سيارة للسرقة من أصحابها داخل ولاية الخرطوم خلال الشهور الأربعة الأولى. أما فيما يختص بالخسائر التي طالت الاقتصاد الكلي للدولة بما فيها البنى التحتية والقاعدة التحتية للشركات الصناعية الموجودة بولاية الخرطوم والتي تمثل حوالي 80% من إجمالي حجم الناتج الصناعي في البلاد.
وتسببت الحرب كذلك في مفاقمة الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 الذي قوض الانتقال السياسي والاقتصادي وشهدت البلاد ارتفاعاً في الأسعار مصحوباً بعزوف المواطنين عن الشراء نسبة لضعف القوة الشرائية بسبب عدم سداد مرتبات العاملين بالقطاع العام الذين يتجاوز عددهم المليوني موظف في المستوي القومي بجانب ملايين العاملين في مستويات الحكم الأخرى وقيام الشركات العاملة في القطاع الخاص بتسريح العاملين فيها أو إنهاء عقوداتهم مما نتج عن ذلك كساد في الأسواق مع أسعار مرتفعة.
فقدان 80% من إيرادات الميزانية
وفي بيان نشرته الحرية والتغيير، أمس الإثنين، حول تداعيات الحرب المندلعة في البلاد، والتي دخلت شهرها السابع، دون ظهور أفق للتسوية، أشارت إلى فقدان الإيرادات الضريبية التي تمثل أكثر من 80% من إيرادات الميزانية العامة.
وقالت إن السلطات لجأت للخيارات الاقتصادية الأكثر كارثية، لتغطية تلك الفجوة، عبر طباعة النقود لتغطية التزامات القوات العسكرية في مسرح القتال وزيادة أسعار رسوم الخدمات التي يحتاجها المواطن، الأمر الذي فاقم من انهيار خدمات القطاع المصرفي وحرمان أعداد كبيرة من المودعين من السحب والإيداع من أموالهم التي تآكلت قيمتها بسبب انهيار أسعار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية.
ولفتت إلى تصاعد الكارثة الإنسانية بسبب تمدد مساحات الحرب حيث بلغ عدد الفارين من مناطق الحرب أكثر من 5.5 ملايين نسمة منهم 1.1 مليون، أصبحوا لاجئين في دول الجوار فيما توزع البقية على عدد من الولايات الأخرى، ويعيش أولئك النازحون في ظل ظروف قاسية ومن المتوقع أن يتسبب القرار الخاص بفتح الجامعات والمدارس في زيادة معاناتهم بسبب اتخاذ معظمهم من مقرات المدارس وداخليات السكن الجامعي مأوى لهم. أما المدنيون المتواجدون في مناطق الحرب فيعيشون مخاطر تهدد حياتهم وإمكانية تعرضهم للموت أو الإصابة بسبب القذائف والرصاص والقصف المدفعي والجوي للأطراف المتحاربة وتوقف المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل والنقص الحاد في الأغذية والأدوية وانقطاع المياه والتيار الكهربائي وشبكات الاتصال.
وأشارت إلى أن المساعدات الإنسانية لم تجد طريقها للمحتاجين، متهمة جهات بالاستيلاء عليها وعرضها في الأسواق وبيعها علناً، معتبرة ذلك سلوكاً منتهجاً وموروثاً من عناصر النظام السابق. ولفتت إلى أن ذلك أدى فعلياً إلى إحجام الجهات المقدمة للمساعدات في الدفع بمزيد منها خاصة مع إصرار سلطات الحرب على عدم السماح للعمال والموظفين الدوليين للإشراف على توزيع هذه المساعدات. وحملت السلطات تبعات زيادة ومفاقمة المعاناة الإنسانية بسبب تعنتها في الصدد.
وقالت إن الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة خلال هذه الحرب تمثل وصمة عار تتطلب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة تجاه مرتكبيها بغرض إنصاف الضحايا ومحاسبة الجناة وضمان عدم تكرارها مستقبلاً.
وأضافت: «إننا في قوى الحرية والتغيير وبعد نصف عام من هذه الحرب الكارثية نجدد ما ظللنا نردده منذ اللحظات الأولى بعد اشتعالها بأنها حرب عبثية لا منتصر فيها وأن الخاسر هو الوطن والمواطن»، داعية الطرفين لاتخاذ القرار الصحيح بوقف الحرب ووضع حد للمعاناة والتوجه صوب قاعات المفاوضات في جدة لإسدال الستار على هذه الحرب.
إحصاءات مروعة
وفي السياق، أعلنت الأمم المتحدة عن إحصائية مروعة لعدد ضحايا الحرب السودانية بعد مرور 6 أشهر على اندلاعها، مبينة أن المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أدت إلى مقتل 9000 سوداني وتهجير أكثر من 5.6 ملايين من ديارهم واحتياج 25 مليوناً إلى المساعدات الإنسانية.
وقال منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارتن غريفيثس، إن الحرب أدخلت السودان في أحد أسوأ كوابيس الأوضاع الإنسانية في التاريخ الحديث، مشيراً إلى استمرار سفك الدماء والعنف والتقارير المروعة عن حالات الاغتصاب والعنف الجنسي التي لا تتوقف وتزايد الاشتباكات على أسس عرقية وخاصة في دارفور.
وقال إن عمال الإغاثة ما زالوا يواجهون عراقيل في الوصول إلى المحتاجين بسبب انعدام الأمن والقيود، مع قتل أو احتجاز ما لا يقل عن 45 من العاملين في المجال الإنساني منذ منتصف نيسان/ أبريل، جميعهم تقريباً من الموظفين السودانيين.
وفي إشارة إلى الصعوبات التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني، أشار إلى أنهم حتى في المناطق التي يمكنهم الوصول إليها يعانون من نقص التمويل، حيث لم يتم تلقي سوى 33% فقط من مبلغ 2.6 مليار دولار المطلوب لمساعدة المحتاجين في السودان هذا العام».
وأعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» عن عدم وجود ما يكفي من اللوازم الصحية الأساسية في مستشفى بشائر الذي يستوعب معظم الحالات الصحية جنوب الخرطوم، لمدة أسبوع واحد فقط.
وحذرت من أنه عند نفاد هذه اللوازم ستتوقف الخدمات الصحية بشكل اضطراري، مشيرة إلى مواجهة المساعدات الإنسانية والطبية العديد من العراقيل في الاستجابة وتسهيل الوصول، بما في ذلك الصعوبات البيروقراطية والإدارية وعدم توفر بدائل لضمان استمرارية النظام الصحي المتبقي الذي يترنح منذ أشهر.
وطالبت غرفة طوارئ جنوب الخرطوم المنظمات الإنسانية والصحية المحلية أو الدولية، بالإضافة إلى الجهات الحكومية والخاصة، بالتحرك العاجل وتوفير الإمدادات الصحية الضرورية، وضمان وصولها إلى المستشفيات والمراكز الصحية لتصل إلى المرضى وتخفف من حجم الكارثة، وأنه يجب أن يتم ذلك عبر الممرات الآمنة للعاملين في القطاع الصحي والمواد الطبية.
العالم تخلى عنهم
وأبدى المدير الإقليمي لإفريقيا باللجنة الدولية للصليب الأحمر باتريك يوسف، إحباطه بعد مرور ستة أشهر على اندلاع النزاع في السودان، مشيراً إلى أن هذه المأساة أقتلعت أكثر من خمسة ملايين شخص من ديارهم وحصدت عدداً لا يحصى من أرواح المدنيين، وخلّف العنف المروّع ندوباً غائرة في حياة العائلات والمجتمعات المحلية. وأشار إلى عدم قدرتهم على تقديم مساعدات بالقدر الذي يكفي لتلبية الاحتياجات الهائلة، بينما يشعر الكثير من السكان السودانيين بالغضب وأن العالم قد تخلى عنهم، إذ لا ترقى جهود الإغاثة إلى المستوى المطلوب لتخفيف المعاناة.
وقال: «رأينا منذ الأيام الأولى للقتال، رأينا قصصاً من الشجاعة والتفاني منقطعة النظير، سطرها أطباء ومهندسون سودانيون ومتطوعو الهلال الأحمر ومواطنون عاديون عملوا على تقديم خدمات بالغة الأهمية رغم الصدمات والصعاب التي كابدوها».
وذكر أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تمكنت من عبور خطوط المواجهة وتقديم مساعداتٍ منقذة للحياة فضلاً عن إجلاء أو تيسير الإفراج عن المئات من الفئات الأكثر استضعافاً، من بينهم أطفال محتجزون. وأضاف: «لكن علينا أن نفعل أكثر من ذلك بكثير.. الواقع مرير الذي يعيشه السودان اليوم، أرى نساءً وأطفالاً ومسنين نُهبت بلداتهم وقراهم أو دُمرت يفتقرون إلى الطعام والمياه النظيفة والرعاية الطبية. وأرى كذلك معارك تندلع في شوارع وضواحي مدينة كانت في يوم من الأيام تحتضن بين جنباتها نحو خمسة ملايين شخص. وعندما نواجه حالة طوارئ إنسانية بهذا الحجم، لا يمكننا إضاعة الوقت في محادثات مطولة وعوائق إدارية». ودعا إلى تيسير العمليات الإنسانية وتسهيل الإجراءات الإدارية.