«الجيوسياسي» الأردني و«رومانسية» الأدوات

أجزم بأن الحاجة باتت ملحة وطنيا للوقوف بصدق هذه المرة وبجدية عند محطة أزمة الأدوات التي طالما تحدث عنها الأردنيون واعتبروها أساسا لمشكلات الانتاجية السياسية والاستثمار والتوظيف.
تستطيع المؤسسة الأردنية بطبيعة الحال رسم صورة رومانسية إلى حد كبير وتصلح فعلا للاستهلاك الإعلامي فقط بعنوان الدور الإقليمي الجديد وبعنوان الاستثمار الأفضل في ورقة الجيوسياسي وتلك الاختراقات التي تمكنت منها القيادة الأردنية مؤخرا ودفعت بالمملكة عموما إلى ترسيم نطاق جديد ودور متقدم في خارطة التأثير الإقليمي.
لا شكوك بأن القيادة الأردنية أنجزت الكثير مؤخرا هنا. ولا شكوك بأن إمكانات الأردن أصلا كثيرة وبأن الجغرافيا التي كانت دوما ضد مصالحه وضد أمنه واستقراره ورقة سياسية يعبث بها الآخرون يمكنها أن تتحول اليوم إلى قوة وسلاح مؤثر واستراتيجي إذا ما أجادت النخبة السياسية اللعب والتموقع والتفاوض.
وعندما نتحدث عن النخبة بكل صراحة نقصد أدوات التنفيذ وطواقم الصالونات وعناصر القرار والمؤسسات التي يقع في صلب واجبها العمل اليوم كحلقات وسيطة مع كل الآخرين في الداخل والخارج على ترجمة ما أنجز وما ينتج بعد الاختراق الملكي.
على الجميع واجب محدد هنا. ولا يكفي أن نبقى في حالة الإدعاء والإنكار الوطني. ولا يكفي إعلاميا ونخبويا الوقوف على الأطلال فقط والاكتفاء مجددا بخذلان المؤسسة والناس عبر أداء متكلس او أنماط عمل كسولة وخاملة ومتأخرة دائما.
لا يكفي أيضا البقاء في حالة رومانسية نتحدث فيها عن المكانة الأردنية المتقدمة بين دول العالم، فتلك مكانة لها جذور في التاريخ وثمة رجال أوفياء في الماضي، وبعضهم القليل في الحاضر عملوا عليها طوال عقود وثمة دولة ونظام انشغلا لتأسيس صورة الأردن الحديث وقدما نماذج في الاعتدال والانجاز والتسامح والانتاجية .
ينبغي أن لا نكتفي إطلاقا وبأي حال من الأحوال بالتغني فقط بأنفسنا والتحدث عن منجزات تقدمت في أوساط الدول الكبرى مؤخرا، فتلك منجزات حققتها مؤسساتنا القيادية والملكية وحتى تكتمل على النخب والمؤسسات التنفيذية القيام بواجبها على أكمل وجه. لا حجة لكسول ولا خامل ولا لمدع أو مغرق في الحديث عن الانتماء والولاء على حساب المهنية والكفاءة.
وبالتأكيد الجيوسياسي الأردني قفز إلى الواجهة لأسباب وظروف واعتبارات متنوعة لكن من الواجب أن لا نتورط بعد الآن مجددا بنتائج وتداعيات وكلف أزمة الأدوات والاختيارات السيئة.

لا بد من التأسيس لوجوه جديدة تنكر الذات والمصالح الفردية وتؤسس لجيل من البيروقراطيين والسياسيين يصلح لإدامة المصالح في المستقبل ويتمتع بكل المهارات والمتطلبات التي تليق بالأردن

ومن الواجب بكل صراحة أن نرى مجموعة مقنعة بعد الآن من كبار المسؤولين والموظفين تدير الأمور بحيث تزيد مكاسب ومصالح الدولة والأردنيين وبحيث تصبح مسألة الاستثمار في الجغرافيا في مكانها الصحيح وفي الزمان الأنسب.
نريد طبقة مفاوضين أفضل. ونأمل في رفع سوية ومستوى من يؤمنون بأنفسهم وثقتهم ببلادهم ودورها. ونحتاج لرموز ووجوه جديدة قادرة على المناورة والمبادرة والتحريك. والأهم قادرة على التفاوض وإعادة التفاوض لتحقيق مكاسب تخص الوطن والمواطنين ما دامت الاختراقات قد حصلت وأنجزت وما دام الجيوسياسي قد بدأ يلعب في القمة فيستقطب الدور الأردني ويحاول التعاطي معه.
لا بد بالتوازي مع ورشة العصف الذهني الإصلاحية حاليا من التأسيس لوجوه جديدة تنكر الذات والمصالح الفردية وتؤسس لجيل من البيروقراطيين والسياسيين يصلح لإدامة المصالح في المستقبل ويتمتع بكل المهارات والمتطلبات التي تليق بالأردن قيادة وشعبا وتليق بطموحات المستقبل خصوصا بالتوازي مع مؤسسة ولاية عهد صاعدة بقوة وبعمق وبحكمة بصيغة تبعث رسائل اطمئنان للأردنيين جميعا.
الدور مهم في الإقليم وتمتعه بالقدرة على التحدث مع جميع الأطراف أيضا مهم، لكن الأهم اليوم الانشغال بما هو مؤسسي.
والتذكير بأن الاختراقات عندما تحصل إذا لم تجد من يقوم بواجبه معها على أكمل وجه يمكن أن تحقق نتائج عكسية فأنبل وأقدس مهمة يمكن أن يسيئ لها أو يدمرها مكلف سلبي بها وأفضل المشاريع تخفق أو تخرج عن السكة إذا ما أتيحت لها إدارة فاشلة وإذا ما وضعت بين يدي أشخاص لا يحترمون قيم المهنية والأداء.
آن الأوان لأن يرتقي التفكير بأزمة الأدوات في المشهد السياسي الأردني إلى المساحة التي تشغلها في ذهن الجميع اليوم حالة الاهتمام الدولي بالجغرافيا الأردنية ودورها وبتلك الامكانات والخبرات المتراكمة للأردن وقواه الحية ومؤسساته.
آن اليوم أوان التفكير بصراحة بطرق وأساليب الأنماط المعتمدة في الحديث عن إختيار المسؤولين والمكلفين ضمن معلبات كلاسيكية موروثة تحت عنوان محاصصات من كل صنف وفي كل الاتجاهات مخلوطة بالحد الأدنى من الكفاءة والمهنية.
ستخرج المكاسب والعوائد عن سياقها إذا لم نستدرك في أزمة الأدوات. والفرصة اليوم متاحة لمعالجة هذه الأزمة المستقرة والتي بقيت سنوات أقوى حتى من المؤسسات بصورة نهائية وقطعية وبضربة واحدة تليق بالبلاد وتحترم المواطنين وتعيد الاعتبار لمعيار الكفاءة والمهنية حتى تخرس الأجندات وتصمت الأصوات المتشائمة التي تناكف الأردن أو تحاول إعاقة مسيرته.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *الأردن بخير والحمد لله.
    بس على الحكومة حل مشكلة نقص (المياه)؟
    وتسكين الأسعار وتشغيل العاطلين.
    حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين والمفسدين بالأرض والحمدلله رب العالمين.

  2. يقول S.S.Abdullah:

    مثال رائع، بطريقة وأسلوب تفكير أهل (ثقافة الأنا)، ورد في آخر المقال (حتى تخرس الأجندات وتصمت الأصوات المتشائمة التي تناكف الأردن أو تحاول إعاقة مسيرته.)، وهي من الواضح شمّاعة جاهزة،

    في حال فشل، عنوان («الجيوسياسي» الأردني و«رومانسية» الأدوات)، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!

    هناك هزة اقتصادية ضخمة حصلت في (الصين)، بسبب تغيير سياسة الدولة، تجاه هونغ كونغ، والتي أدت إلى ما حصل من ضياع (هيبة الدولة) في 1/7/2019،

    استمرار الدولة، اعتماد عقلية/فلسفة سياسة فرّق تسد، (لن تقبل) بوجود نقابة أو حزب أو جمعية، قوية، تستطيع فرض على الدولة،

    دفع ما لها من حقوق، مقابل الواجبات المفروضة على الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمنتجات الانسانية في أي دولة،

    وبمناسبة الذكرى المئوية، من الواضح العائلة الهاشمية، استلمت قيادة (الأردن)، في نفس توقيت الحزب الشيوعي (الصيني)، استلم الحكم، كذلك،

    السؤال بالنسبة لي، هل سيكون من المنطقي والموضوعي أن نقارن، بين نتائج الإقتصاد، ما وصلت له (الصين)، بما وصل له (الأردن) خلال قرن من الزمان، ولماذا؟!

إشترك في قائمتنا البريدية