الرباط- “القدس العربي”:
الكثير من الدموع الرقمية والواقعية أيضا، ذرفتها عيون المغاربة طيلة الـ48 ساعة الماضية، على شابة لم تبلغ عقدها الثالث، بدت ملامحها كالحة وحالتها مزرية وعيونها مشتتة والكدمات تعلو محياها، وبقعة سوداء تحيط بمحجر عينيها.
الفيديوهات لم تتوقف خاصة من جهة المواقع الإلكترونية التي سارعت إلى نشر ما تيسر لها من قصة “الخادمة كنزة” التي “أبكت المغاربة”، وهو العنوان المفضل الذي ظهر مرارا في منصات التواصل الاجتماعي.
بين “البطل” صاحب سيارة الأجرة، كما وصفه المغاربة، الذي أنقذ الشابة كنزة من “عذابها”، وبين الوصول إلى المستشفى، مسافة كلها ألم وحزن بسبب تفاصيل قصة لحد الساعة هي مجرد مقاطع فيديو وتصريحات لـ”الضحية” ووالدتها، في غياب أي دليل ملموس على أن التعذيب حصل على يد مشغلتها في ضواحي مدينة الدار البيضاء.
الضحية “كنزة” التي كانت شابة جميلة قبل أن تصبح “خادمة” أو مساعدة منزلية، تحولت إلى فتاة لا علاقة لها بصورتها السابقة، شعر أشعث وعيون سوداء بكدمات حولها، وحتى في المحيط العلوي للأنف، بدت شبيهة بشبح مخيف، أو “إنسانا خرج من الكهف”، وفق تدوينة وصفت حالتها.
روايتها للوقائع كانت بدارجة مغربية وبلكنة أهل سطات، فهي ابنة الأرياف هناك، قررت مساعدة والدتها بعد وفاة والدها وفق ما تم تداوله، فكان أن قبلت العمل في البيوت كمساعدة منزلية، لكنها عاشت العذاب وذاقته بكل ألوانه الجسدية والنفسية أيضا.
المغاربة الذين بكوا كنزة، قالوا إنها تعرضت لـ”أبشع أنواع التعذيب”، على يد مشغلتها التي تبدو من الطبقة الميسورة أو من الكوادر الكبرى في الوظيفة العمومية. ومن جهتها تحكي “الضحية” عن بداية اشتغالها لدى العائلة المذكورة في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، كما سردت تفاصيل تعرضها لأبشع أنواع الاستغلال والتعذيب الجسدي بالضرب والتكليف بمهام منزلية صعبة، والنفسي بالإهانة والحرمان من أبسط الحقوق حتى النوم والخروج من المنزل وتلقي الراتب وقص الشعر.
بالنسبة للشابة كنزة لم تكن مغادرة منزل مشغلتها خروجا عاديا، بل كانت هروبا من “جحيم حقيقي”، حيث حملت آلامها وأوجاعها الجسدية التي تمثلت في كسور على مستوى الجمجمة والأطراف خاصة اليد اليمنى التي تطلبت تدخلا جراحيا في مستشفى لمدة 3 ساعات.
مواكبة الواقعة الأليمة من طرف المغاربة لم تشمل فقط الضحية، بل حتى سائق سيارة الأجرة الذي وصف بـ”البطل” والذي أقلّ كنزة وأبعدها عن جحيم مشغلتها، توجهت إليه الكاميرات وصورت تصريحاته عن لحظة “إنقاذ” الشابة من مصيرها المأساوي.
المزيد أيضا مع فيديو آخر لجارة مشغلة كنزة، والتي كشفت عن تفاصيل وصفت بـ”الصادمة”. الطبيب الذي أشرف على معالجة “الخادمة المعذبة”، اختصر مسافة الكلام بالتأكيد على أنها يجب أن تعود للدراسة، في إشارة ضمنية إلى أنها تحتاج للمعرفة والوعي بخصوص حالتها وحتى فيما يتعلق بحياتها واختياراتها.
ولحد كتابة هذا التقرير، ما زالت الأسرة المشغّلة لكنزة لم تخرج عن صمتها ولم توضح أو تدفع عنها هذه التهمة التي ستكون موضوع تحقيق أمني وقضائي بكل تأكيد. لكن في المقابل، هناك منشورات في منصات التواصل الاجتماعي وفيديوهات في مواقع إلكترونية، أفادت بأن الاعتداء على “كنزة” تم على يد شقيقها، وهو ما نفاه هذا الأخير في تصريحات مصورة، كما أن الطبيب أكد أن آثار الضرب والكسور في اليد اليمنى ليست حديثة بل قديمة نوعا ما.
حقوقيا، دخلت “المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات بالمغرب” على الخط، وعبّرت عن استنكارها لـ”ما تعرضت له الخادمة كنزة من تعذيب جسدي واحتجاز من طرف مشغلتيها”، وهو ما كشف “عن جانب خفي تعيشه الخادمات داخل بيوت مشغليها مما يجعلهن يعانين”، مؤكدة أن هذا يتنافى مع ما جاء في الفصل 22 من الدستور المغربي الذي ينص على وجوب ضمان السلامة الجسدية والمعنوية للأفراد “وهذا ما غاب في هاته الحالة”.
وطلبت المنظمة في بيان مقتضب لها من النيابة العامة فتح تحقيق في الموضوع، كما أعلنت عن تضامنها اللامشروط مع “ضحية الظروف الاقتصادية المزرية التي جعلتها تشتغل عند من لا يرحم”، كما أشارت إلى أنه مهما كانت الظروف فهذا “لا يبرر لأي منا التعامل بسوء مع الآخرين مهما كانت مكانتنا الاجتماعية والاقتصادية”.