طرابلس – «القدس العربي»: عقب النجاح الذي حققه مؤتمر برلين في نسخته الأولى، ها هي الأنظار تتوجه مجدداً نحوه من خلال إعلان وزارة الخارجية الألمانية لاحتضان بلادها نسخة ثانية من المؤتمر الذي كان بداية للحل السياسي للأزمة الليبية، عقب تصاعد وتيرتها ووصولها حد الصراعات المسلحة المدمرة.
ورغم تمكن الفرقاء الليبيين من إطفاء شعلة الحرب الدائرة، فضلاً عن تشكيل سلطة تنفيذية جديدة موحدة للبلاد، إلا أن عدداً كبيراً من القضايا والمشاكل المتعلقة بقيت دون حلول تذكر، فسنوات عمر الأزمة الليبية جعلت المشاكل تتعقد شيئاً فشيئاً ويصعب معها حلها، أو التعامل والتعاطي معها.
ملفات عدة ظلت بمثابة التحدي أمام حكومة الوحدة الوطنية والعقبة أمام إتمام مسيرة خريطة الطريق السياسية وتنفيذها بالشكل الأمثل، أبرزها المرتزقة الأجانب الذين يشعلون فتيل الأزمات في المدن التي يتمركزون فيها، فضلاً عن ملف تيسير الانتخابات الذي ظل عالقاً هو الآخر.
فمع استئناف الحكومة للمفاوضات بين الدول لإخراج المرتزقة فضلاً عن الاجتماعات المتكررة للجنة العسكرية المشتركة 5+5، إلا أن خطة حقيقة وفعلية لم توضع لتتمكن الدولة من التخلص منهم بشكل نهائي، وذلك لتعدد الأطراف الخارجية المتدخلة في هذا الشأن وصعوبته.
كما أن القاعدة الدستورية التي ستبنى عليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة ظلت معلقة بعد عجز ملتقى الحوار على إيجاد أرضية تفاهم منطقية حتى الآن بعد إتمام اللجنة القانونية لأعمالها فيها، بالإضافة إلى مطالبة بعض الجهات المسؤولة على المستوى القيادي بالاستفتاء على الدستور، حتى وإن أجلت الانتخابات.
هذه الملفات المصيرية والعالقة هي ما دعا ألمانيا إلى الإعلان عن احتضانها للمؤتمر في نسخته الثانية، ليكمل مسيرة النسخة الأولى التي خرجت بمسارات سياسية وعسكرية واقتصادية، سار بعضها وتعثر الآخر . الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية قال إن مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا الذي سيعقد يوم 23 حزيران/ يونيو الجاري، سيركز على مناقشات ثلاثة ملفات، هي الانتخابات، وانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية، وإنشاء قوات أمن ليبية موحدة.
وأوضح الناطق أن المؤتمر سيكون مسؤولاً عن تقييم التقدم المحرز منذ مؤتمر برلين حول ليبيا في 19 كانون الثاني/يناير 2020، ومناقشة الخطوات التالية اللازمة لتحقيق الاستقرار المستدام في البلاد.
وقال الناطق باسم الخارجية إن المؤتمر سينصب التركيز الرئيسي فيه على الاستعدادات للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 كانون الأول/ديسمبر وعلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا على النحو المتفق عليه في وقف إطلاق النار. وبالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة الخطوات نحو إنشاء قوات أمن ليبية موحدة.
وختم الناطق باسم الخارجية الألمانية أن المؤتمر سيمثل تعبيراً عن الدعم الدولي المستمر لتحقيق الاستقرار في ليبيا. مشيراً إلى أن المجتمع الدولي لا يزال على استعداد لمواصلة دعمه الوثيق والبناء لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا .
وبالفعل، فقد استأنفت وزارة الخارجية مهامها المتمثلة في دعوة الدول ذات العلاقة، للمشاركة في هذا المؤتمر؛ حيث وجهت ألمانيا دعوة إلى المغرب للمشاركة في مؤتمر “برلين 2” الدولي حول ليبيا، وذلك عقب اقصائها في نسخته الأولى، في 23 حزيران/يونيو الجاري، بحسب إعلام محلي الأربعاء.
كما تلقى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الأربعاء، دعوة رسمية من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، لحضور مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا، المقرر عقده في 23 حزيران/يونيو الجاري.
جاء ذلك خلال لقاء المنفي مع سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفتشا، حيث نقل إليه دعوة غوتيريش وماس، وفق بيان صادر عن المجلس الرئاسي.
كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تلقيه دعوة للمشاركة في المؤتمر، حسبما أفاد به نائبه ميخائيل بوغدانوف على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الأربعاء.
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قال إن مؤتمر برلين 2 سيكون فرصة مهمة للجمع بين المجتمع الدولي لتقييم الوضع الحالي في ليبيا وتقديم الدعم لليبيين فيما يتعلق بالتحضير للانتخابات المقرر إجراؤها في 24 كانون الأول/ديسمبرالمقبل.
وتابع، في مؤتمر صحافي، أن المؤتمر سيبحث مسألة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وكذلك الخطوات اللازمة نحو إعادة توحيد المؤسسات الليبية الرئيسية في البلاد.
وأضاف دوجاريك أن الأمين العام للأمم المتحدة سيشارك في مؤتمر برلين 2 في 23 يونيو عبر تقنية “الفيديو كونفرنس”. وقال إن المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش، سيحضر شخصياً فعاليات المؤتمر.
ومن خلال الاطلاع على آراء المتتبعين على اختلافهم، فإن معظمهم يؤكدون أن هذه المساعي تأتي في إطار محاولة بعض الدول الضغط لإنهاء حالة الانقسام التي تعاني منها ليبيا بشكل نهائي ووضعها على المسار السليم والصحيح.
فقلق مجموعة من الدول من وجود المرتزقة في ليبيا والسعي للاستفادة من صفقات إعادة الإعمار، جعلهم يتنافسون في المشاركة في دفع الحل السياسي إلى الأمام.