الخارجية السودانية: دعوة الولايات المتحدة للتفاوض في سويسرا قيد التشاور

محمد الأقرع
حجم الخط
0

الخرطوم – «القدس العربي»: قالت الخارجية السودانية أنها تلقت دعوة من نظيرتها الأمريكية للتفاوض في سويسرا، وأشار وكيل الوزارة حسين الأمين الفاضل، في تصريحات صحافية إلى أن الدعوة هي قيد التشاور مع الجهات الأخرى للرد عليها من حيث الشكل والمضمون.
ويشار أن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” كان قد رحب بالدعوة الأمريكية للتفاوض وأعرب عن استعداده للمشاركة في الجولة المقبلة التي حدد لها الرابع عشر من شهر أغسطس/اب المقبل.
وكانت واشنطن أطلقت مبادرة جديدة للتفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع تهدف حسب وصفها إلى التوصل لوقف العنف على مستوى البلد وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين وتطوير آليات قوية للرصد والتحقيق لضمان تنفيذ أي اتفاق.
وتواجه مفاوضات جنيف المرتقبة تحديات عدة في سبيل نجاحها، انطلاقا من رؤية الأطراف وإرادة للسلام لديها بالإضافة إلى جدية الضغط الدولي، فضلاً عن تنفيذ أو تجاوز اشتراطات إعلان جدة الموقع في مايو/أيار العام الماضي، والمستقبل العسكري لقوات الدعم السريع ومشاركة الإسلاميين في العملية السياسية حال وقف إطلاق النار.

رؤية القيادي محمد فاروق سليمان

وحول ذلك قال الكاتب والسياسي والقيادي السابق في حزب التحالف السوداني محمد فاروق سليمان لـ”القدس العربي” إن مشاركة الأطراف المتحاربة في التفاوض ليس بالضرورة دليل على نجاحها، لافتا إلى أن الحرب الدائرة في السودان يخوضها طرفان يشكلان قوى نظامية ورسمية تتبع للدولة مهما نظرنا لتشوهات الجيش أو الدعم السريع الذي يشكل بتمرده قمة هذه التشوهات، ومدى التخريب الذي طال القطاع الأمني ومفهوم سيطرة الدولة على العنف واحتكاره.
ولفت بأن الحرب الحالية التي يعيشها السودان والانتهاكات التي ترتكب فيها، على درجة كبيرة من الخروج على القانون ومن قوة يفترض أنها وُجدت لفرضه، مؤكداً بأن فرص نجاح أي تفاوض مرهونة بالتعريف الصحيح لهذه الأطراف وإعادة تعريف دورها بما يعيد للدولة قدرتها على فرض حكم القانون.
وأكد سليمان أن وقف الحرب في البلاد لا يبدأ في جنيف أو أي عاصمة أخرى كما لا يبدأ بما تمليه محاور دولية على الأطراف الوطنية للأزمة، وإنما مرهون بوعي الأطراف المحلية بمأساة الشعب وراء هذه الحرب ومأساة الأفراد المتحاربين أنفسهم وفق عدم الالتزام بأي قواعد للاشتباك المنصوصة في القانون الدولي وبروتوكولات جنيف فيما يختص بوضع المدنيين والقوات المتحاربة.
وشدد على ضرورة توفر إرادة وطنية لإنهاء هذا المشهد الدامي في البلاد، مشيراً إلى أن الغائب في كل المفاوضات السابقة هو الإرادة الوطنية للسلام بالإضافة إلى اختصار الدور الدولي للوساطة وعدم بحث دور أممي لفرض حكم القانون ومخاطبة عجز الأطراف الوطنية الآن عن لعب هذا الدور، بل تهديده بشكل واسع من خلال الانتهاكات التي تصاحب الحرب.
ويقول سليمان، أن طرق الملاذ الأخيرة لمحاربة ثقافة الافلات من العقاب في السودان هي من خلال دور مؤسسات العدالة الدولية، مبيناً أن الدور الدولي في هذا الخصوص هو أكبر مما تمثله مفاوضات جنيف القادمة، ورأى أنها تمضي الآن على نفس نسق التفاوض السابق الذي يعلي من قيمة الأطراف المتحاربة ودورها في المستقبل وربما بشكل حصري.

الدور الأمريكي والضغط الدولي

ويشار أن مجلة “فورين بوليسي” نقلت عن مسؤولين في الخارجية الأمريكية رفضوا الكشف عن أسمائهم أنه في حال تعهد الطرفان المتحاربان في السودان بإرسال مفاوضين رفيعي المستوى مع الالتزام جدياً بإنهاء الصراع فسوف يشارك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في المفاوضات.
وفي السياق، قال السياسي محمد فاروق سليمان، إن مخاطبة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي للكونغرس مؤخرا ، يوضح أولويات الإدارة الأمريكية بشكل لا لبس فيه، موضحاً أن العالم مازال ينظر إلى مأساة السودانيين بدرجة أقل من حجمها وأن الاهتمام في الولايات المتحدة الامريكية الآن بالانتخابات يجعل الوضع في غزة وأوكرانيا من الأولويات التي تقلل من دور واشطن في الملف السوداني مهما بدا ملحاً.
ويضيف سليمان: “دوافع التدخل الأمريكي أيضا مشكوك فيها فهي لا تنطلق من موقف مبدئي من الحرب والجريمة وتهديد حياة السودانيين أو تهديد حياة الفلسطينيين في غزة أو الأوكرانيين في أوراسيا، فاهتمام أمريكا بالسودان مرتبط بالتحالفات التي قد تفرضها الحرب على الأطراف المتصارعة فيه وهو ما قد يتيح قيام دور روسي أكبر أو وحتى عودة إيران في المنطقة”.
وبيّن أن النظر إلى نقاط الالتقاء بين المصالح الأمريكية ومصالح الوصول إلى السلام الشامل في السودان معقد، لافتاً إلى أن الدور الذي لعبته أمريكا ودول غربية في توقيع اتفاق السلام الشامل من خلال منظمة الـ”إيغاد” وقتها، ليس كما في السابق إذ لعبت حينها مجموعات الضغط وصناعة الرأي في أمريكا دوراً كبير مما شكل وعياً يتجاوز تناول ملف السودان الآن، وقال سليمان: “من المبكر الآن الحكم على الدور الأمريكي لكنني غير متفائل بعد”.

مراكز القوى داخل الجيش

وحول الحديث عن مراكز قوى داخل الجيش السوداني يمكنها عرقلة تمرير أي تسوية، يقول سليمان: “يتم إلهاؤنا دائماً بكون الجيش هو العقبة أمام حل تفاوضي وفي رأيي هذا غير صحيح، فالذي لا يريد الوصول إلى حل تفاوضي منذ اشتعال الحرب هو الدعم السريع وهو الذي عمل على تصعيد الأعمال العدائية وتوسيع رقعة الحرب، وما بدا كانقلاب عسكري في محيط القيادة العامة والعاصمة الخرطوم ، تحول إلى حرب شاملة، والوضع الآن في رأيي خارج عن سيطرة الدعم السريع ولا يمكن النظر لحجم الانتهاكات وعملية النهب التي تتم من قبل هذه القوات كمؤشر عل أي مشروع سياسي للحكم”.
وأضاف: “هذه الحيلة القائلة بوجود مراكز قوى داخل الجيش لا يمكن السيطرة عليها لكون الإسلاميين أصحاب مصلحة من الحرب، تبدو لي (حيلة) بائسة”.  وتابع: “الدعم السريع يعاني أكثر من تعدد مراكز القوى في داخله، ولا اعتقد أنه توجد سلسلة أوامر مركزية تتبع الآن في حربه الشاملة وغير المركزية هذه، أنا لا ألغي المسؤولية عن قيادة الدعم السريع في الانتهاكات التي ترتكب حتى وأن كنت متأكدا أنها تتم خارج سيطرته وإن كانت تخدم أهدافه في توسيع رقعة الحرب وترفع عنه ثقل كلفتها”.
وأكد أن وجود الجيش المؤسسي في السودان مازال راسخاً وهو أقدر على احتواء أي مراكز قوى داخلة بطبيعة وجوده التاريخي الطويل، مبيناً أن التساؤل حول مراكز القوى هو أولى بقوات الدعم السريع ونموها المتسارع هذا وانتشارها الذي سيكون عقبة أمام السلام وليس الجيش.

إعلان جدة وتنفيذه

ويذكر أن الجيش اشترط في وقت سابق العودة لأي مفاوضات ، تنفيذ الدعم السريع لإعلان جدة المتعلقة بالخروج من منازل المواطنين والمرافق العامة “الأعيان المدنية”، وحول ذلك يعتقد سليمان أن من أضعف النقاط التي يطرحها الجيش هي موقفه التفاوضي من مسألة مقررات جدة كشرط للعودة للتفاوض، مشيراً إلى أن منبر جدة لم يكن للسلام رغم كونه حث الأطراف على إنهاء الحرب وإنما كان مخصصا لحماية المدنيين ومخاطبة القضايا الإنسانية أثناء الحرب، ووفق الإعلان نفسه لا تشكل أي التزامات في منبر جدة شروطاً على أي من الأطراف في محادثات سلام لاحقة.
وبيّن أن القضايا المثارة الآن في السودان لم تطرح من قبل في أي اتفاقية سلام سابقة مثل حرق القرى في دارفور والاستيلاء على الحواكير في الفترات الماضية، وعودة ذات الجرائم في حرب 15 من أبريل/نيسان، وهو أمر يجعل مناقشة القضايا الحالية والتاريخية من أولويات أي عملية تفاوض لإقرار السلام واستعادة الاستقرار في السودان.
وشدد على ضرورة أن تتجاوز مسألة إنهاء الحرب، المساومات السياسية السابقة لإقرار عملية فرض حكم القانون على الجميع، تبدأ بالمحاسبة على الانتهاكات التي تمت. وقال إن الحروب هي الميلاد القسري للقوانين العادلة وإصلاح شروطها وإعادة الاعتبار لحكمها لا لحكم السياسة وشروطها.
ورأى أن وضع مقررات جدة كشرط للتفاوض، يبدو المقصود منه إعطاء سقف أخلاقي سياسي للبدء بعملية تفاوض لإنهاء الحرب وحتى لا تكون هناك حاجة لتبرير قيام عملية تفاوض جديدة خلاف حماية المدنيين. وشدد بأن خروج الدعم السريع من منازل المواطنين وضرورة إعادة مقتنياتهم التي نهبت، لا تحتاج إلى الاعتداد بمقررات جدة لأن ذلك حق بموجب القانون الطبيعي ولا يملك الدعم السريع أن يجادل فيه.
ومضى بالقول: “السيارات التي نهبت والمقتنيات التي أخذت من المنازل وخزائن البنوك والأضرار الناجمة عن احتلال البيوت كلها أمور لم يناقشها منبر جدة، لكن أي تفاوض للسلام يجب أن يتناولها ويبحث أكثر من مجرد خروج الدعم السريع من بيوت المواطنين للتعويض عن خسائرهم نتيجة خروجهم هذا”.
عن مستقبل قوات الدعم السريع حال التوصل إلى وقف إطلاق النار، دعا سليمان للفصل بين الدعم السريع وبين قائده “حميدتي” وشقيقه عبدالرحيم دقلو أو أي من قيادته، منوهاً إلى أنه لا يمكن أن نرهن مصير أكثر من مئة ألف سوداني بمخاوف أو مطامع شخص واحد أو أسرة، وأن الخطأ منذ البداية حال دون إصلاح حقيقي للدعم السريع ووجوده المؤسسي.
ويقول أن هذه القوات ولغت في انتهاكات جسيمة وهناك مسؤولية فردية على هذه الانتهاكات تجعل الحديث عن وجود بعض الأفراد كجزء من قوات رسمية مسؤولة عن انفاذ القانون ، أمرا غير مقبول سواء كانوا أفراد في أدنى السلسلة لهذه القوات أو قادتها في أعلى هرمها.
لكنه يعود ويوضح أن انحراف هذا العدد الكبير من السودانيين لا يمكن ان ينظر اليه في إطار قانوني مجرد لأننا أمام ظاهرة اجتماعية خلقها القصور السياسي والاستهتار بحكم القانون والتهاون في مسألة الأمن القومي، لافتا أن الدولة قصّرت بحقهم في مسألة التعليم والتنمية وبذلك قصّرت في واجباتها.
وقال “لا نستطيع الآن أن ننظر إلى وقت كانوا فيه هم أنفسهم ضحايا لهذه الدولة، وقد يغفل بعضنا عن الوقت الذي كانوا فيه استثمار الدولة الأكثر قسوة في العنف وأصبحنا أسرى النظر إليهم وفق الحاضر الذي أصبحوا هم فيه خارجين عن القانون وصار أغلب السودانيين ضحايا لهم” يقول سليمان.
المهم كما يعتقد سليمان أن يتم النظر لمجمل الظاهرة في سياقها التاريخي والاجتماعي والسياسي باعتبار أننا لسنا أمام جريمة عادية يمكن أن نحملها للأفراد وحسب ، وبالتالي فإن مستقبل الدعم السريع لا يمكن اختزاله في مقولة “الجنجويد ينحل” كما لا يوجد مستقبل واحد لجماعة واحدة يمكن وصمها بالمجرمة أو حتى المرتزقة وإنما هناك أكثر من مستقبل وفق حكم القانون وشروط تحقيق العدالة ،وبقدر ما يكون العقاب بحق أفراد ، فيمكن استيعاب وتأهيل أفراد الدعم السريع الآخرين، موضحاً أن العقاب نفسه يجب أن ينظر إليه كإعادة تأهيل.
ورأى سليمان أن إصلاح الجيش نفسه مخاض لن يختلف عن المنهج الذي يتبعه، باعتبار أن قوات الدعم السريع تشكلت وحاربت بأمره منذ ان كانت قوات صديقة حتى صارت قوات موازية، قامت بالتمرد عليه ولا يمكن ـ على حد قوله ـ عدم مساءلة قيادة الجيش عن هذا وحتى قادة النظام السابق.
أما بالنسبة لمشاركة الإسلاميين في العملية السياسية التي تعقب الحرب حال التوصل لاتفاق، قال سليمان: “علينا التحرر من عملية الإدانة هذه، فالأصل في الثورات التغيير وليس الإدانة، ولا يمكن أن ننظر لمشاركة الإسلاميين كشيء منفصل عن مشاركة كل السودانيين والتي يحكمها مبادئ الدستور وشروط تعاقدنا الاجتماعي والتي تتيح نفس الحقوق للجميع على قدم المساواة بما في ذلك حكم القانون والمحاسبة التي لن يخضع لها الإسلاميون وحدهم الآن”.
وأضاف: “يجب الخروج من عقلية “الاتفاق الاطاري” بخصوص طرح المصالحة مع الذين قاموا بالانقلاب ومعاقبة الذين دعموا الانقلاب”. وأردف: “الأغرب الآن في خطاب من يقولون لا للحرب قي قبول الطرفين المتقاتلين وعزل من يدعمهم”.
وختم حديثه قائلاً: ” من المهم أن نعي أن الاسلاميين أو المؤتمر الوطني هم من سيجيب على الأسئلة حول مشاركتهم، وهي أسئلة مطروحة بدرجة غير بعيدة عن الجميع الآن، ولا يمكن أن يعطي طرف نفسه الحق في الإجابة عن الآخرين: فنحن أمام ميلاد جديد :أما أن نحبس أنفسنا في الماضي ومراراته أو ننفتح على المستقبل وفرصه”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية