واشنطن: أتاح هجوم حماس غير المسبوق على الأراضي المحتلة والحرب الدائرة الآن بين الحركة وإسرائيل الفرصة لظهور التأثير الساحق للتضليل والمعلومات الخاطئة في العصر الرقمي. ومع استشهاد أكثر من 5000 فلسطيني، لم يؤد نشر المعلومات الزائفة فقط إلى تفاقم الفوضى، ولكن أيضا إلى تأجيج مشاعر الملايين في أنحاء العالم.
ويقول يوسف كان، منسق برامج الشرق الأوسط في مركز ولسون الأمريكي، إنه رغم أن منصات التواصل الاجتماعي توفر فرصة التعرف الفوري على المعلومات، فإنها أيضا تعتبر أرضا خصبة لنشر الأكاذيب، مما يجعل من الصعب على الرأي العام التمييز بين ما هو حقيقي، وما هو زائف. ودور أصحاب هذه المنصات بالنسبة للتحكم في المحتوى والإجراءات التنظيمية محل تدقيق الآن مع معاناة الجميع مع تداعيات المعلومات الزائفة أثناء حرب مدمرة.
وأضاف “كان”، الذي يهتم بشكل خاص بالحركات المجتمعية والقضايا الجيوسياسية، في تقرير نشره مركز ولسون، أنه في أعقاب هجوم حماس، أصبح المشهد الرقمي مركزا لجائحة المعلومات المضللة. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الأمثلة، فقد طغى بعضها على غيره. وشملت حالة أخيرة توزيع مقطع فيديو يفترض أنه يصور هجوما جويا إسرائيليا. ومع ذلك، اتضح بعد تدقيق أكثر أن المقطع منقول من ألعاب فيديو وخاصة لعبة أرما .3 لكن المهم هو كيفية سرعة كشف هذه الأكذوبة.
لم يكن من كشف الأكذوبة هم فقط مطورو اللعبة الذين سارعوا إلى ذلك، ولكن قام بذلك أيضا عدد كبير للغاية من مستخدمي الانترنت الذين هم على دراية باللعبة. ومع ذلك، استمرت الصورة الملفقة التي تضمنها مقطع الفيديو في الانتشار.
وقام أصحاب الدوافع الأكثر خبثا بعمل ما هو أكثر من ذلك، فقد اختلقوا بيانا زائفا للبيت الأبيض. حيث أشارت صورة تشبه لقطة شاشة لوثيقة مفترضة للبيت الأبيض إلى أنه سوف يتم منح إسرائيل 8 مليارات دولار مساعدات، مما يعني ضمنيا أن ذلك سوف يعوق تقديم المساعدات لأوكرانيا. ورغم أن البيت الأبيض نفى إصدار مثل هذا البيان، استمر انتشار الصورة الملفقة.
كما كان لوسائل الإعلام الرئيسية نصيبها العادل من هذه الصور الملفقة. فقد سعى مقطع فيديو ملفق إلى إظهار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يعلن أن الأسلحة التي يرسلها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأوكرانيا تم بيعها لحماس. واستمر انتشار هذا المحتوى رغم نفي “بي بي سي” وجوده.
حتى الرئيس الأمريكي لم يكن محصنا من التضليل المعلوماتي، فقد اضطر البيت الأبيض إلى سحب بيان للرئيس جو بايدن يقول فيه إنه رأي صورا لأطفال قامت حماس بقطع رؤوسهم أثناء اجتماع مع قادة يهود في البيت الأبيض. ومع ذلك، أوضح البيت الأبيض أن هذه الصور اعتمدت على تقارير من مسؤولي ووسائل إعلام الحكومة الإسرائيلية، وإنه لم يتم التحقق منها بصورة مستقلة. وحظيت هذه المزاعم، التي لم يتم التحقق منها، بالاهتمام عبر الانترنت، مما أجج المشاعر الملتهبة بالفعل.
وفي حادث تفجير مستشفى الأهلي المعمداني في غزة، تم نشر مقطع فيديو مضلل عبر الانترنت، يزعم بصورة زائفة أنه يظهر صاروخا ضالا لحماس يصيب المستشفى. وهذا المقطع، الذي يرجع أساسا لعام 2022، ليس له أي صلة مباشرة بحادث المستشفى الأخير. كما يوضح الحادث خطر المعلومات المضللة أثناء الأزمات، خاصة تلك التي تتضمن خسائر في الأرواح بين المدنيين وجرائم حرب، لأنه من الممكن أن تؤجج المشاعر وتؤدي إلى صدور أحكام متسرعة، وتفاقم النقاشات على الانترنت، وتعمق الانقسامات.
وأضاف كان أن دور إيلون ماسك ومنصته إكس (تويتر سابقا) في زيادة المعلومات المضللة أثناء حرب إسرائيل وحماس تستحق اهتماما خاصا، إذ يواجه ماسك انتقادا لما تنقله منصته من معلومات مضللة منذ أن اشترى الشركة. وأعلن ماسك التزامه بحرية التعبير وزاد تحول منصته إلى “إكس” المخاوف إزاء نشر نظريات المؤامرة ومعاداة السامية.
ورغم ما جذبته منصة “إكس” من اهتمام كبير، لم تخل منصات أخرى مثل تيك توك، ويوتيوب، وتليغرام من المعلومات المضللة عن حرب إسرائيل وحماس. وتمتلك كل هذه المنصات القدرة على تشكيل تصورات الرأي العام إلى ما هو أبعد من العالم الرقمي، ومن المحتمل أن تؤثر على النتائج الجيوسياسية.
وأكد “كان” أن من المعروف أن المعلومات الزائفة قادرة على التأثير على الرأي العام، وخلق الفوضى والخوف، وحتى تغيير سياسات الحكومات. وهذه الفوضى يمكن أن تعوق عملية صنع القرار الصحيحة. وغالبا ما يستثير المحتوى الذي جرى التلاعب به مشاعر قوية مثل الغضب، أو الخوف، أو التعاطف. ويمكن إعادة توجيه هذه المشاعر لخدمة أجندة معينة، غالبا على يد عناصر ماكرة. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المعلومات الزائفة التي تتعلق بدول متعددة يمكن أن تؤدي إلى توتر العلاقات الدولية.
(د ب ا)